ياسر عبد اللطيف أحد أبرز شعراء التسعينات، حفر اسمه بين شعراء هذا الجيل عبر قصائده وأعماله، لا سيما ديوانه الأول «ناس وأحجار» منذ 14 عاماً.

حول ديوانه الجديد «جولة ليلية» ومسيرته وتجربته الشعرية التقته «الجريدة» في الحوار التالي.

Ad

حدثنا عن بدايتك في عالم الكتابة.

بدأت بكتابة القصة القصيرة في سنواتي الجامعية، ومنها دخلت إلى عالم قصيدة النثر. كان معي في كلية الآداب - جامعة القاهرة مجموعة كبيرة من الكتاب أصبحوا أسماء مهمة في ما بعد، من بينهم أحمد يماني، محمد متولي، وهدى حسين، إضافة إلى أصدقائنا من كلية الإعلام كعصام أبو زيد وبهاء عواد... كلهم كانوا يكتبون قصيدة النثر، وفي ما بعد انفتحنا على مجموعة «خيوط على دوائر» لكتاب القصة القصيرة، وأبرزهم هيثم الورداني، أحمد فاروق، أحمد غريب، الراحل وائل رجب، وكاتبة السيناريو نادين شمس... وعلى مسار مواز برزت حركة أكثر محافظة في كتابة الشعر والقصة، معظم روادها من كلية دار العلوم.

أصدرت أخيراً ديواناً بعنوان «جولة ليلية»، حدثنا عنه. 

الديوان بمثابة انتهاء لنزعة التجريب على مستوى بناء مشهدية القصيدة، والحس المتمرد والساخر اجتماعياً، وعبره أتوقف عن انتهاج هذا الأسلوب لأنتقل إلى نوع آخر من الكتابة، لا سيما في القصائد.

بعض القصائد يشير إلى عوالم جديدة دخلتها عبر الكتابة

كـ «الجوع» و{لحن جديد» و{رومانس» التي ختمت بها الديوان. كذلك يتميّز الديوان بحجمه الصغير (12 قصيدة)، لذا بإمكانك أن تقرأه من دون عناء التأجيل الذي يصيبنا أمام دواوين الشعر الضخمة. أحد أصدقائي أسماه «ألبوم» وقد أعجبتني هذه التسمية.

بين الديوانين الأول والثاني فترة زمنية طويلة، لماذا؟  

احتجت إلى وقت طويل لكتابة «جولة ليلية» على رغم أنه لا يضم سوى 12 قصيدة، وبينه وديواني السابق «ناس وأحجار» 14 عاماً شهدت انتهائي من كتابة رواية «قانون الوراثة»، وعدد من القصص القصيرة التي نشرت متفرقة هنا وهناك، إضافة إلى عدد من سيناريوهات الأفلام التسجيلية.

عموماً، أنت محق. إنها فترة طويلة فعلاً، لكن الشعر حالة نادرة واستثنائية، والقصائد التي شكّلت الديوان استخلصتها من كتابات ومشاغل كثيرة.

لماذا انقطعت عن الكتابة الروائية على رغم فوز روايتك الأولى بجائزة «ساويرس» ونجاحها؟ 

لم انقطع عن كتابة الرواية أو السرد يوماً، وأعمل راهناً على رواية جديدة وكتب قصصيّة، وأخذت إجازة مفتوحة من العمل لأتفرغ لإنهاء هذه الكتب المفتوحة، وأعتقد أن إنتاجي سيكون أكثر غزارة في الفترة المقبلة.

هل ستستمر في كتابة السيناريوهات، أم أن الأمر كان مجرد تجربة؟ 

كتابة سيناريوهات الأفلام التسجيلية عملي الذي أعتاش منه، وقد عملت لفترة طويلة في التلفزيون في كتابة البرامج والأفلام التسجيلية، وأنجزت فيلمين مع أحد أصدقائي المخرجين عرضا عرضاً عاماً، وهما «مواطن صالح من المعادي» و{لم يعد أحد من هناك»، وقد أنتجناهما بتكلفة زهيدة جداً من نقودنا الخاصة. كذلك أنجزت فيلماً لقناة «الجزيرة» عن الروائي إدوار الخراط.

عموماً، العمل بالأفلام التسجيلية ممتع جداً وتحوله إلى مهنة يحقق لك معادلة صعبة تمزج المتعة بكسب النقود من دون أن تتورط في أشياء لا ترضى عنها، وإذا أتيحت أمامي الفرصة سأتابع العمل في هذه المهنة التي لا تتعارض أبداً مع الكتابة وإنما تكملها.

في أي نوع أدبي تجد نفسك أكثر؟ 

أجد نفسي في أشكال الكتابة كافة، لكنني أفضل دائماً التعريف عن نفسي ككاتب يقترف الشعر أحياناً، على أن أكون شاعراً يكتب السرد، وهي الحقيقة، فالشعر هو الاستثناء بالنسبة إليّ، ويظل محاطاً، على رغم نثريته وواقعيته، بغموضه القديم ذاته، سواء على مستوى دوافع كتابة القصيدة نفسها، أو في مكامن الجمال داخل القصيدة عبر علاقات اللغة والصور.

كتابة السرد ربما تكون أسهل، فاللغة في هذا المجال وظيفتها محددة وواضحة، أما في الشعر فوظيفتها أكثر تعقيداً، لأن الكلمة أكثر من مجرد أداة.

ما موقفك من الهجوم الشرس على قصيدة النثر في الفترة الأخيرة؟ 

الهجوم على قصيدة النثر ليس جديداً، وكان أشرس خلال التسعينات عندما احتل هذا النوع من الشعر المشهد الثقافي بقوة. الهجوم الآن بمثابة «حلاوة الروح» للقوى الرجعية في الأدب، لا سيما أن المشهد السياسي والاجتماعي ينجرف نحو الانغلاق والتقوقع داخل مقولات القومية، بل والطائفية والعشائرية. هذا الهجوم إذاً جزء من تمدد التيارات المحافظة داخل مجالات الحياة المختلفة، لكنه يسير عكس اتجاه الواقع والزمن.

قصائدك قصيرة وتحتوي على معان عميقة، هل التكثيف غايتك؟ 

لا بد من أن يتسم الشعر بالتكثيف، وأنا أحب اختزال زوائد اللغة، سواء في القصائد أو السرد، لأنك في العمل الأدبي أو الفني تخاطب وعي المتلقي، ولست في حاجة إلى الإسهاب في الكلام، إلا إذا شئت أن تحشد التفاصيل التي ترسم ما تريد قوله بدقة. وأشير هنا إلى أن الإيجاز إحدى أداواتي، لكنه ليس غاية في حد ذاتها.

وأعمالك المقبلة. 

أعمل منذ فترة على رواية جديدة، ومجموعة قصص قصيرة كنت كتبت بعضها سابقاً، لكن لا يزال الوقت مبكراً للكلام عن ديوان جديد، فليس لديَّ راهناً سوى قصيدتين غير مكتملتين.

صدر «جولة ليلية» هذا العام، لكن ذلك لا يعني أنني سأنتظر 14 عاماً أخرى كي أصدر ديواناً جديداً. عموماً، أنا متفائل بالنسبة إلى كتابتي في الفترة المقبلة.