لم يكن مشهد الفوضى التي أدت إلى رفع "جلسة القروض" أمس إلا نموذجاً مصغراً للفوضى العارمة التي تكتنف مشروع القانون الذي قُتل بحثاً من قِبل السلطتين التشريعية والتنفيذية، ونبّه إلى خطورته أصحاب الرأي والاختصاص، لاسيما غرفة تجارة وصناعة الكويت صاحبة الباع الطويل في تقدير المسار الاقتصادي والمالي الصحيح.

Ad

لا كلام كثيراً أو قليلاً يضاف إلى بيان "الغرفة" المعبّر عن يأس شديد من إمكان إيجاد "لغة مشتركة للحوار بين حكمة الشرع والتشريع من جهة، وبين نزعة الاستهلاك والاستئثار من جهة"، والمعبّر في الوقت نفسه عن موقف صلب وثابت إزاء "بدعة غير مسبوقة تندرج في سياق نهج الإنفاق المهدر الذي أفرطت السلطتان التشريعية والتنفيذية في تطبيقاته لدرجة التفريط في احتياجات المستقبل ومقوماته".

وضعت الغرفة الإصبع على الجرح مرة جديدة لكن "ما لجرح بميِّت إيلام"، فنهج الكسب السياسي والتكسب الشعبوي على حساب المال العام صار أسلوباً ثابتاً في سلوك البعض، حتى لو تم الافتئات على العدالة وتخريب النظام المالي والانقلاب على منهج الاعتدال والتنمية المدروسة في إطار قدرة الدولة وطاقة مواردها.

ما نعيشه اليوم هو مهزلة تشريعية تتغطى برداء الدفاع عن المتعثرين والانتصار للمطالب الشعبية، وهي مزايدة ممجوجة يعلم مفتعلوها من غير أن يرف لهم جفن أن الأجيال المقبلة ستدفع ثمنها.

لا يجهل المتحمسون لإسقاط فوائد القروض أن عدد المتعثرين لا يتجاوز 3.3 في المئة من إجمالي عدد المقترضين، وأن نسبة قروضهم لا تزيد على 2.5 في المئة من إجمالي مبلغ القروض، ورغم ذلك يحولون القضية إلى مطلب جماهيري عام ويدخلونها في الحساسيات الاجتماعية ويحشرونها في إطار الصراع السياسي، فأي مسؤولية يتحملون؟ وأي تكليف شعبي هو ذلك التكليف الذي حصلوا عليه في الانتخابات؟

يعلم أهل الكويت جميعاً أن النفط مورد ناضب وأن أسعاره متذبذبة وأن حُسن التدبير يقتضي اعتماد التنمية الهادفة لا الإسراف المتسرع، وتقول الأرقام إن 220 ألف كويتي سيطلبون وظائف في السنوات الخمس القادمة، فأين الشعور بالمسؤولية حين ينقاد الذين يقودون البلاد للراغبين في دعم غير مستحق أو المستسهلين الحلول على حساب القواعد الاقتصادية العلمية والحقائق؟

فلتتوقف المهزلة ولتعد الأمور إلى نصابها وليقف كل مسؤول عند حدود مسؤوليته متحملاً إياها بصدق وأمانة.

الجريدة