سعود البلوي، كاتب ومفكر سعودي، مهتم بقضايا السياسة والثقافة والفكر وحقوق الإنسان. من مواليد مدينة حائل (شمال السعودية)، برز اسمه في صحيفة الوطن السعودية التي يكتب فيها المقالة الأسبوعية منذ عام 2005. يعتبر من الأسماء اللامعة والمهمة في الصحافة السعودية ويتميز قلمه بمساحات واسعة في نقد الواقع السياسي والخطاب الديني المتشدد في السعودية، ما يضطر صحيفة الوطن لحجب بعض مقالاته من النشر. من مؤلفاته: كتاب {ضد الحرية - أنسنة الخطاب الديني والسياسي} الصادر عن «طوى» للنشر2009 ويوزع في «منشورات الجمل» في ألمانيا ولبنان. كذلك شارك البلوي في تأليف كتاب «المواطنة والوحدة الوطنية في المملكة العربية السعودية» ضمن سبعة مثقفين سعوديين، دار الانتشار العربي 2008.هل تعتبر أن الإسلام نقيض الديمقراطية الغربية؟ ثمة اختلاف بين مفهوم الدين، أي دين، والديمقراطية، فالأخيرة شيء والأديان شيء آخر. الديمقراطية كنظام سياسي واجتماعي قد تستوعب أي مجتمع في أي دولة؛ لأنها تشير إلى الأنظمة والكيانات السياسية القائمة أساساً على التداول السلمي للسلطة انطلاقاً من احترام رغبة الأكثرية مع احترام حقوق الأقليات المختلفة وحمايتها، بالتالي لا تعارض بين الإسلام كدين والديمقراطية كممارسة سياسية، فأي دين يعبّر عنه بسلوك شخصي للأفراد، إذ يقوم الدين على علاقة روحية بين الإنسان وربّه وكل مؤمن يعبد ربه على طريقته، لهذا نجد أن مسألة «الإيمان» واردة في الأديان السماوية وبالقدر نفسه لدى البوذية والهندوسية وغيرهما من الأديان مع اختلاف أساليب التعبير. أما العلاقات بين الأفراد في المجتمعات فتحكمها الدساتير والقوانين والأنظمة التي يضعها الناس لخدمة مصالحهم وحماية حقوقهم وتنظيم حياتهم، لكن التجربة السياسية في التاريخ الإسلامي، بعد وفاة النبي، شابها ما شابها من خلاف سياسي شكّل لحظاتٍ حرجة تجلت فيها «إشكالية السلطة» وحساسيتها نتيجة حكم شمولي فردي، ونحن في حاجة إلى إعادة قراءة التاريخ السياسي الإسلامي، فعلى رغم أنه كُتب وانتهى إلا أننا في حاجة إلى دراسته بعين ناقدة وعقل بصير متجرد من العواطف والأيديولوجيات، بأدوات بحثية ومنهج علمي يساعدنا على إعادة قراءة الأحداث في مراحل التاريخ الإسلامي، ومن المناسب الإشارة إلى جهود المؤرخ العربي الأستاذ أحمد أمين الذي قام بأول مشروع بحثي تاريخي له أسس منهجية ومتماسكة في (فجر، وضحى، وظهر) الإسلام، ويمكن للباحثين اليوم الإفادة من مشروعه بالبناء عليه، إلى أن نستطيع تجاوزه إلى نتائج جديدة، وهذا يحتاج إلى فريق عمل كبير من الباحثين يؤسس لمشروع علمي قد تضطلع به مراكز بحوث مستقلة في العالم العربي.ما الرابط بين نظام الشورى الإسلامي والديمقراطية بمعناها الغربي؟الديمقراطية الغربية هي الأحدث بطبيعة الحال، أما الشورى فقد كان تجربة محدودة في العصر الإسلامي القديم، قامت على تقديم المشورة باعتبار طبيعة الحكم القائمة آنذاك ذات نظام خاص في الاختيار، خلال الخلافة الراشدة، إلى أن تحول الأمر إلى نظام شمولي وراثي يرى بعض المؤرخين أنه بدأ في عهد معاوية بن أبي سفيان، ونجد غالباً في التاريخ والفقه السياسي الإسلامي من يسمون بـ{أهل الحل والعقد»، الذين يفترض أن يقوموا بعمل شبيه بالعمل البرلماني، لكن هذا المصطلح وُجد كتنظير أكثر منه كتطبيق في غالبية العصور الإسلامية، أما بالنسبة إلى مجالس الشعب (البرلمانات) فلم يعرفها التاريخ الإسلامي بالتطبيق الغربي الحديث نفسه لغياب فكرة الانتخابات التي هي عمود الديمقراطية الفقري، على رغم أنها وحدها لا تعني الديمقراطية، فهي مرتبطة بوجود دستور وميثاق لحقوق الإنسان ومؤسسات مجتمع مدني تمارس العمل الاجتماعي العام، وبرلمانات منتخبة يراقب أعضاؤها الحكومات بالنيابة عن الشعب ويمنحونها الثقة ويقرون بالموافقة المشاريع والقوانين الحكومية... لذلك فإن الرابط ضعيف بين نظام الشورى والديمقراطية بمعناها الغربي على اعتبار أن الشورى يختص بتقديم المشورة، أما البرلمان فلديه صلاحية رقابية واسعة على الأداء الحكومي، ويمكن الجمع بين النظامين بتطوير نظام الشورى الإسلامي ليأخذ الشكل البرلماني الحديث فيكون قائماً على الانتخاب، ويمنح صلاحيات رقابية على الأداء الحكومي. بالتالي يمكن الارتقاء بنظام الشورى مراعاة للمصلحة العامة ولمواكبة متغيرات العصر.يعتبر البعض أن الأخذ بمبادئ الديمقراطية مضاد للتعاليم الإسلامية، فما تعليقك؟ وهل هذه النظرة قاصرة وناتجة من عدم فهم الدين بشكل صحيح؟الديمقراطية كنظام سياسي تتيح هامشاً واسعاً أمام المجتمع لبناء نفسه على أسس مدنية قوية. بالتالي الأخذ بمبادئ الديمقراطية ليس مضاداً للتعاليم الإسلامية كما يشيع البعض، ويجب أن ندرك أن الديمقراطية ليست شكلاً واحداً جامداً ننقله إلى مجتمع ما كيفما اتفق، إنما هي نظام معني بمصلحة المجتمع العامة، لذلك نرى اختلافات بين الديمقراطيات الغربية، فالنظام السويدي يختلف عن البريطاني، لكنه اختلاف في الفروع لا في الأسس والأصول، فكلا النظامين ينطلقان من الديمقراطية القائمة على حق الحرية وحق المساواة كأساس للسلطة وللحياة العامة. بالتالي فمشاركة الفرد عبر الانتخابات ومؤسسات المجتمع المدني أمر لا يختلف عليه اثنان في الديمقراطيات الغربية؛ أما من يقول إن الديمقراطية تتعارض مع الدين الإسلامي فهذا قول ينطوي إما على جهل أو موقف سياسي/ أيديولوجي، وهذا موقف جماعات «الإسلام السياسي» في العالم العربي سابقاً، حين كانوا يرفضون الديمقراطية باعتبارها اعتداء على حاكمية الله، لكنهم تراجعوا عن ذلك وباتوا يطالبون الأنظمة العربية بالديمقراطية كي يصلوا إلى السلطة عن طريقها، بل إننا رأينا أشهر المتطرفين في العالم العربي والإسلامي يهجرون بلدانهم ويهربون إلى أوروبا، حيث يعملون على استكمال مشروعاتهم الأيديولوجية بفضل الديمقراطية كما في بريطانيا وغيرها، إلى أن جاءت أحداث 11 سبتمبر فكشفت عمق الأزمة بين الإسلام والغرب من جهة، وبين المتطرفين والمعتدلين المسلمين من جهة أخرى.إذا أجريت عمليات إصلاح إسلامي هل يؤدي ذلك إلى مواكبة النظام الإسلامي للعصر الحديث؟المجتمعات الإسلامية أحوج ما تكون اليوم إلى عملية إصلاح لما أفسدته الثقافة المتخلفة التي تراكمت عبر عصور طويلة خلطت بين ما هو ديني وما هو تاريخي، فصنعت لدى كثير من المسلمين قناعات راسخة بامتلاك الحقيقة المطلقة، فلم يعد المسلمون قادرين على التمييز بين الدين والتاريخ، وأصبح الأساس تحريم كل شيء حتى يُثبت الفقهاء العكس، وهذا نتيجة سيادة الأيديولوجيات الدينية/ السياسية، بالتالي سيادة الجهل والابتعاد عن العقلانية، فأصبح العقل محتقراً ومهمشاً بسبب مواقف سياسية تأخذ شكلاً دينياً في الظاهر، ومن ذلك مثلاً ما فعله الخليفة العباسي المأمون الذي أهدر دم كل من لا يؤمن بأن القرآن غير مخلوق وكان الإمام أحمد بن حنبل أحد ضحايا هذه الفتنة، وعلى رغم وحشية الموقف تبناه الخليفة العباسي الواثق وأهدر دم كل من يقول إن القرآن مخلوق! وبين التقلبات السياسة يبقى الإنسان الضحية... وهذا أكبر خطر ثقافي وفكري يواجهنا حتى اليوم.يعتبر الدستور أحد روافد التطبيق الديمقراطي، فهل عرفه المسلمون الأوائل؟لا أعتقد ذلك إذا كان المقصود الدستور بشكله الحديث، على رغم أن بعض المؤرخين يعتبر صحيفة المدينة أول دستور إسلامي عرفه المسلمون في العهد النبوي، ويمكننا إهدار وقت كثير في الجدل حول هذا الموضوع، لذلك من الأفضل لنا كمسلمين أن نكون أبناء عصرنا الحاضر اليوم، ونسعى إلى إصلاح واقعنا البائس، بدءاً من نشر الوعي الذي هو مهمة المثقف الفاعل (العضوي) الذي يلتزم بقضايا مجتمعه ووطنه، وأهم قضايانا اليوم نقد المسلّمات في ثقافتنا العربية والإسلامية، لهذا أصبح المثقف العربي محارباً من السياسي، الذي يعتقد أن المثقف، نتيجة وعيه بالواقع السياسي والاجتماعي، هو الخطر الذي يجب مواجهته كي لا يمتد هذا الوعي إلى الفضاء العام.كيف تنظر إلى الإصلاح السياسي المجسِّد للديمقراطية الحقيقية في العالمين العربي والإسلامي؟تعاني دول العالم العربي والإسلامي من الفساد وهو نتيجة طبيعية لثقافة التخلف التي يعاني أفرادها من جهل وتجهيل تفرضهما السياسة بشكل واضح وفاضح في مؤسسات التعليم والإعلام كونهما أهم مفاصل الوعي التي يفترض أن يستمد منهما المجتمع قوته، وتحت الجهل تندرج معضلات ثقافية وسياسية واقتصادية واجتماعية، لكن من المهم أن ندرك أيضاً أنّ المؤثر الرئيس في المجتمعات ليس السياسة فحسب، وعلى رغم ذلك ثمة حاجة ماسة إلى إصلاحات سياسية، وفق رؤى تنبع من قناعات ذاتية بأن المستقبل تستطيع صنعه المجتمعات، فنحن نرى الآن بأسى أوضاع دول عربية وإسلامية تؤول نحو المجهول بسبب الاحتقانات السياسية طوال عقود، كما يحدث من محاولات انفصالية في اليمن، والثورة ضد الثورة في إيران، والاحتقانات الطائفية في العراق، التي يمكن تشبيهها ببركان خامد معرّض للانفجار في أية لحظة، وهذا البركان ذاته يتحرك فوقه الآن معظم دولنا العربية، لذلك نحن في حاجة إلى إصلاح ينبع من الداخل وليس استجابة للمتغيرات والضغوط الدولية كانحناء للعاصفة، كما حدث في معظم الدول العربية والإسلامية بعد أحداث 11 سبتمبر، فعندما انتهت حدة العاصفة تحولت دعوات الإصلاح إلى شعارات جوفاء ليس لها على أرض الواقع أي وجود حقيقي، خصوصاً في ما يتعلق بالحريات والمشاركة الشعبية. ينظر مثقفون غربيون إلى الديمقراطية على أنها دين قائم بذاته، فهل هذا سبب رفض الشعوب الإسلامية لفكرة تطبيقها والتخوّف من التحول إلى العلمانية؟الديمقراطية ليست ديناً جديداً! وليس لدي أية فكرة عن هؤلاء المثقفين الغربيين، لكن إن كانت رؤيتهم كذلك فهي خاطئة، لأن الديمقراطية كممارسة تراعي حاجة الإنسان في حياته المعاشة ولا تخاطب الروحانيات كالأديان، وهي، كما أشرتُ آنفاً، وسيلة وسلوك سياسي لتسهيل إدارة المجتمع للسلطة، ينفذها سياسيون من أبناء الشعب تتيح لهم الديمقراطية أن يتحولوا إلى قيادات سياسية، وفي أي مجتمع سواء كان غربياً أو إسلامياً ثمة ثغرات في العمل السياسي، والقادر على سدّها الناخب الذي يمكنه أن يُسقط أي سياسي عبر الانتخابات بطريقة ديمقراطية، ومن المفترض أن مختلف التجارب الديمقراطية تنضج وتنمو وتستمر بالتقادم وتكرار التجربة، وعبر هذه التجارب يزداد وعي المجتمع بذاته فيزداد وعي الناخبين، ولا يمكن أن تنمو الديمقراطية وسط أجواء مشحونة بالعنصرية والتعصب الديني أو المذهبي أو حتى العشائري، فهذه أجواء مضادة للديمقراطية تصيبها وتصيب المجتمع بالمرض والضمور، ومن يرفض الديمقراطية ليس الشعوب الإسلامية إنما هم المتنفذون في السلطة، وما مهاجمة العلمانية والتحذير منها إلا لأنها الأرضية الخصبة لنشوء الديمقراطية. المعارضة السياسية أحد روافد الديمقراطية، فهل أسّس لها الإسلام ووضع مبادئها؟المعارضة السياسية السلمية تعبير عن موقف مختلف، وتشير روايات التاريخ الإسلامي الى أن اجتماع سقيفة بني ساعدة ظهرت فيه مواقف سياسية متباينة بين المهاجرين والأنصار، ما يوحي بميلاد بذور إسلامية لنوع من الديمقراطية لم تستمر نتيجة تباين المواقف السياسية التي أدت إلى خلافات أدت بدروها إلى حروب طاحنة بين الصحابة أنفسهم عرفت في مصادر التاريخ الإسلامي بـ{الفتنة الكبرى».هل للحرية حضور في الإسلام؟بالتأكيد للحرية كل الحضور كقيمة إنسانية أساسية حث عليها ديننا الإسلامي، ويتجلى الحضور في الدعوة المحمدية لحرية العقيدة «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، ولعل محاصرة الرق بالحث على إعتاق الرقاب، أي تحرير العبيد، أبرز دعوة إلى الحرية في تاريخ الإنسانية، حتى أصبح الأمر من صلب العبادات الإسلامية، وحضور الحرية في الدين الإسلامي واضح وجلي لمن يستطيع رؤية المواقف والأفكار التي تتجلى فيها الإنسانية، غير أن ثمة من المتطرفين من يحاول تحويل الإسلام إلى دين جامد، لا يعنى بالإنسان وشؤون الحياة، ويفسّر النصوص الدينية وفق رؤية تعبّر عن أوهامه بامتلاك الحقيقة المطلقة، وهؤلاء هم الخطر الفعلي على الحرية والإسلام والإنسانية برمتها.ما مستقبل الإصلاح في السعودية والخليج العربي، وما عوائق الديمقراطية في هذه البلدان؟الإصلاح في السعودية تجربة واعدة، تبلورت بتولي الملك عبد الله بن عبد العزيز مقاليد الحكم، إذ كرّس جهوده لسن سياسة إصلاحية على مختلف الأصعدة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، حتى حققت السعودية تقدماً إلى الأمام في فترة قصيرة جداً، لكن تجربة كهذه تحتاج وقتاً كافياً كي تنضج وتنمو وتستمر، أما عوائق الديمقراطية في دول مجلس التعاون فلا تختلف كثيراً عن غيرها من البلدان العربية والإسلامية، والاختلاف نوعي نتيجة ثقافة المجتمع الخليجي، الذي تحول من حياة الريف والقرى البحرية والبادية إلى حياة حديثة بعد اكتشاف النفط في نقلة حضارية قلَّ مثيلها في التاريخ، لذلك ليس العائق سياسياً فحسب إنما العائق الثقافي هو الأهم، فثقافة المجتمعات الخليجية تتمحور بقوة حول الانتماءات التقليدية (الأسرة، العشيرة، الطائفة) وهي توصف بأنها الأكثر محافظة قياساً بالمجتمعات العربية الأخرى، لكنها لا تختلف كثيراً عن المجتمعات العربية من ناحية عدم شيوع الحرية كقيمة إنسانية مهمة، إضافة إلى «التابوهات» الموروثة المتعلقة بالدين والمرأة والسياسة... ومن ناحية التجربة الديمقراطية في الخليج ثمة تجارب سجلت نجاحاً في البداية، كما في البحرين والكويت، لكنها تراجعت نتيجة ظروف ومتغيرات سياسية واجتماعية تعيدنا إلى مربع الإشكالية الثقافية لمجتمعات الخليج العربي.من كتابات البلوي{مصطلح «الإسلام السياسي» يقصد به الإسلام بشكله السياسي وليس الديني، أي الحركات الإسلامية التي تنطوي على مراجع أيديولوجية تسعى بصفة رئيسية نحو أهداف سياسية، بحسب المجموعة الدولية لإدارة الأزمات ICG وهي منظمة مستقلة مقرها بروكسل. هل وصل الإسلام السياسي لخريف العمر؟ بمعنى هل ما نلاحظه من انكسار في الحركات الإسلاموية الآن هو بداية سقوط أم كبوة فقط؟ مثل هذا التساؤل مازال مرشحاً للتواجد على طاولة البحث بعد أن وصل الإسلام السياسي لأقصى مراحله الوحشية في بداية الألفية الثالثة التي أسفرت عن هجمات سبتمبر المرعبة. وربما أننا الآن نعيش مرحلة انتقالية ليس على المستوى الإسلامي فقط، بل على المستوى العالمي، فآخر وأهم هذه التحولات في واقع الإسلام السياسي هو ما يحصل في إيران خلال هذه الأيام من رفض صريح لوصاية وسلطة رجال الدين الراديكاليين الذين يشبه وضعهم رجال الكنيسة في أوروبا خلال العصور الوسطى، حين كان رجل الدين مقدساً وله السلطة المطلقة على الشعب، ومن يقترب من مساحته الدينية/السياسية (التي هي مساحة معظم المواطنين أصلاً) فإن مصيره القمع المادي والمعنوي. والمتغيرات في الشأن الإيراني توحي بأن الغضب الشعبي أمر لا يمكن تجاوزه مهما كانت الظروف، ولذلك صرّح الرئيس الإيراني أحمدي نجاد قبل أيام بأن هناك إصلاحات جذرية ستقوم بها حكومته وأولها قضية احترام الحريات العامة، على الرغم من أنه أعاد إلى الميدان «شرطة الآداب» التي تراقب مدى التزام النساء والرجال بالتقاليد الدينية! والواضح أن إيران الآن انشغلت بأوضاعها الداخلية خوفاً من انفلات زمام الأمور، مما قد يضع تجربة إسلامها السياسي على المحك، حيث أنها الدولة الوحيدة التي استطاعت أن تمثله حتى الآن، أما بقية التجارب وأولها دولة طالبان التي سقطت بعد أول حجر اعترضت تجربتها البربرية، فلم يكتب لها النجاح في إقامة دولة «إسلاموية»، وخاصة بعد أن تخلى بعض زعماء حركات الإسلام السياسي عن أفكارهم الموغلة في التطرف، وبعضهم قبول الدخول في اللعبة السياسية بحسب ما توفره الأنظمة الحاكمة من فرصة للشراكة. أما «القاعدة» فالكل يلاحظ أن عملياتها الإرهابية قد انحسرت إلى حد كبير، ولو أن خطرها ما زال باقياً حتى الآن، غير أنها لم تستطع العمل سوى في بعض المناطق المضطربة سياسياً والصعبة جغرافياً كالعراق واليمن، على الرغم من أن هناك سيطرة نسبية كبيرة على معظم المناطق، وخاصة في ظل انسحاب القوات الأميركية من المدن العراقية مؤخراً. وفي بقية الدول العربية هناك هدوء واضح، أما في المملكة العربية السعودية فقد استطاعت أجهزة الأمن أن تعتمد إستراتيجية تهدف إلى ضرب الإرهاب في مفاصله الكامنة، وتظل الخبرة في هذا المجال من أهم العوامل المساعدة في التعامل مع الإرهاب والإرهابيين. لكن هناك أمر يجب ألاّ نغفل عنه-إذا ما وضعنا احتمالاً بأن الإسلام السياسي يعيش مرحلة الخريف- وهو أن التطرف موجود في المجتمعات العربية والإسلامية ويمكن ملاحظته من خلال تبني الكثير من الشباب لأيديولوجيا متطرفة تنتهجها الحركات الإسلاموية، وذلك في ظل وجود الكثير من الثغرات متاحة أمامهم لعبّروا بها عن احتقاناتهم الفكرية والنفسية والاجتماعية. إذاً، خريف الإسلام السياسي لا يعني خريف التطرف الموجود بشكل كامن، ليظل طريق العودة سالكاً أمام المتطرفين الذين أعلنوا تراجعهم، ولن يقطع هذا الطريق سوى سقوط واضح للمشروع الإسلاموي، وهذا يظل رهن الحتمية التاريخية. ومعتنقو الفكر المتطرف يعون الآن أن ليس أمامهم الكثير من الفرص للالتحاق بالحركات الإسلاموية المشتتة، ولذلك يعمدون إلى انتهاج سياسة قديمة جديدة في الوقت ذاته، تتمثل بالتعبئة الاجتماعية من خلال الخطاب الديماغوجي الذي يظل بمثابة ورقة التوت الأخيرة في محاولة لتوجيه الأنظار إلى جهة أخرى، وهي الجهة التي يتواجد بها مقاومو التطرف من مفكرين ومثقفين وإعلاميين، ورغم أن المعركة ستكون بالشكل القديم نفسه: بين من يحمل سيفاً (تركه وحمل الكلاشينكوف) ومن لا زال يحمل قلماً! صحيح أن المعركة غير متكافئة إلا أن القلم يجب أن ينتصر. من أجل وطن ومجتمع وعالم متسامح}.
توابل
الكاتب سعود البلوي: الديمقراطيّة ليست ديناً جديداً
14-09-2009