تختلف جمهورية إيران عن جمهوريات العالم من حيث الإطار الحقوقي والحدود الدستورية، الأمر الذي يجعلها جمهورية فريدة من نوعها، إذ تجمع في هيكلها بين المؤسسات المنتخبة من الشعب مباشرة مثل الرئيس وأعضاء البرلمان، والمؤسسات اللاهوتية المنتخبة من هيئات رجال الدين فقط مثل موقع المرشد، أعلى موقع دستوري في إيران. يعد منصب رئيس جمهورية إيران الإسلامية الذي تجرى الانتخابات عليه يوم الجمعة المقبل، أعلى منصب منتخب في إيران، مثلما تعتبر صلاحياته الأهم في الدولة ولكن بعد صلاحيات مرشد الجمهورية، وهنا يمكن تشبيه صلاحيات رئيس الجمهورية في إيران بنظيرتها عند رئيس الوزراء في الجمهوريات الرئاسية؛ نظراً لأن مرشد الجمهورية يحتفظ بأوسع الصلاحيات الدستورية في إيران وليس رئيس الجمهورية. المبالغة في استنطاق دلالات لانتخابات الجمعة القادم لا تتساوق مع الإطار الدستوري الذي يقيِّد موقع الرئيس لمصلحة موقع المرشد، مثلما لا يمكن التهوين من شأن الانتخابات الرئاسية التي تعكس في الغالب بوصلة السياسة الإيرانية لأربع سنوات مقبلة. ومع عدم استسهال التهويل والامتناع عن التهوين يبقى ملاحظة أن عدم وضوح شخصية الفائز قبل أيام قليلة من الانتخابات، هي أمر يحسب لإيران ونظامها السياسي لا عليهما. وإذ استمرت الملكية علامة على نظم إيران السياسية لمدة تزيد على ثلاثة آلاف عام، بحيث أصبح الطابع الملكي قرينة ملازمة لأشكال الحكم في إيران، فإن تأسيس جمهورية إيران الإسلامية عام 1979 شكَّل نقطة تحول فاصلة في تاريخ إيران الطويل، إذ تغير شكل الحكم هناك من الملكية إلى الجمهورية. وتختلف جمهورية إيران الإسلامية عن جمهوريات العالم من حيث الإطار الحقوقي والحدود الدستورية، الأمر الذي يجعلها جمهورية فريدة من نوعها. تجمع الدولة الإيرانية في هيكلها المتميز بين المؤسسات المنتخبة من الشعب مباشرة مثل رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان، وبين المؤسسات اللاهوتية المنتخبة من هيئات رجال الدين فقط مثل موقع مرشد الجمهورية أعلى موقع دستوري في إيران. يعد رئيس الجمهورية- طبقا لدستور الجمهورية- مسؤولاً عن الوظائف التنفيذية، مثل توقيع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وعن التخطيط القومي، وكذلك عن الموازنة العامة والتوظيف في جهاز الدولة فضلاً عن تعيين الوزراء والمحافظين والسفراء، مع ملاحظة أن هذه التعيينات كلها تحتاج إلى موافقة البرلمان قبل أن تصبح نافذة. وعلى خلاف الجمهوريات الأخرى لا يتحكم رئيس الجمهورية في إيران بالسياسة الخارجية، أو القوات المسلحة، أو الملف النووي، فهذه الأمور الأساسية كلها تدخل في نطاق صلاحيات المرشد. ويتوجب على المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية اجتياز اختبار الصلاحية الذي يجريه «مجلس صيانة الدستور» والمكون من اثني عشر عضواً، نصفهم من الفقهاء الذين يعينهم مرشد الجمهورية بغرض حماية قيم الجمهورية وبهدف التثبت من مطابقة القوانين الصادرة عن البرلمان مع القيم الإسلامية. ينتخب الرئيس لأربع سنوات بالاقتراع الشعبي المباشر، ولا يحق له أن يحتفظ بمنصب الرئاسة أكثر من فترتين انتخابيتين على التوالي. تدخل الفترة الرئاسية حيز التنفيذ بعد موافقة مجلس صيانة الدستور خطياً على نتيجة الانتخابات، ثم يرفع المجلس هذه الموافقة الخطية إلى مقام المرشد لتوقيعها (المادة 1 من قانون انتخابات رئاسة الجمهورية). في حال عدم إقرار «مجلس صيانة الدستور» لصحة الانتخاب لأي سبب كان، تقوم وزارة الداخلية بتنظيم الانتخابات مرة أخرى في مهلة أسبوع (المادة الخامسة من قانون الانتخابات الرئاسية في إيران).يقوم الرئيس في إيران بوظائف كثيرة من التي يقوم بها رأس الدولة في الجمهوريات الأخرى مثل قبول اعتماد السفراء. ومع تغيير الدستور في عام 1989 فقد ألغي منصب رئيس الوزراء وأضيفت صلاحياته إلى صلاحيات رئيس الجمهورية، الذي يعتبر مسؤولا أمام الناخبين من ناحية وأمام مرشد الجمهورية من ناحية أخرى. وبالرغم من ذلك فقد مثلت فترة رئاسة محمد خاتمي الممتدة من 1997 وحتى 2005 ذروة الاستفادة السياسية من الصلاحيات الدستورية لموقع رئيس الجمهورية، حيث استطاع خاتمي استثمار موقعه في الرئاسة لدفع الإصلاحات السياسية والاقتصادية، وبشكل لم يلزمه استشارة المرشد في كل صغيرة كما فعل مَن سبقوه في الرئاسة. يرشح الرئيس أعضاء حكومته ويقدمهم إلى البرلمان الذي يستطيع حجب الثقة عن المرشحين، ولكن الرئيس له صلاحية إعفاء أي وزير من منصبه. ويعين الرئيس أيضاً سكرتير مجلس الأمن القومي الإيراني، والأخير يتولى التنسيق بين صياغة السياسة الخارجية في مجلس الأمن القومي بتوجيهات مرشد الجمهورية ورئاسة الجمهورية التي تنفذ السياسة الخارجية التي صنعت في مجلس الأمن القومي بموافقة المرشد.ينتخب رئيس الجمهورية بالغالبية البسيطة للأصوات، وفي حال الدخول في جولة للإعادة بين أعلى مرشحين يفوز مَن يحقق هذه الغالبية. وطبقاً لدستور جمهورية إيران الإسلامية يحل مجلس رئاسي محل الرئيس في حالة الوفاة أو عدم القدرة الصحية حتى يمكن إجراء انتخابات رئاسية جديدة. ينص الدستور الإيراني على طريقتين لإقالة رئيس الجمهورية من منصبه: الأولى إذا صدر حكم قضائي بحقه في دعوى جنائية، ويستطيع المرشد في هذه الحالة إقالته من منصبه استناداً إلى هذا الحكم القضائي، وهي حالة لم تحدث في تاريخ جمهورية إيران الإسلامية حتى الآن. والطريقة الثانية تحدث إذا ما قرر البرلمان عدم صلاحية الرئيس وطلب من المرشد إقالته، وهذه الطريقة حدثت في حالة واحدة فقط أعفي فيها الرئيس من منصبه، وكانت بقرار من البرلمان الإيراني حيث تم سحب الثقة من أول رئيس لجمهورية إيران الإسلامية، أبو الحسن بني صدر، من منصبه والطلب من مرشد الجمهورية، وقتذاك الإمام الخميني، أن يعفيه من منصبه، وهو ما فعله الإمام فعلاً.ينص الدستور الإيراني على ضرورة توافر مجموعة من الشروط في المرشحين لرئاسة الجمهورية في إيران أهمها أن يكون المرشح من الشخصيات السياسية أو الدينية البارزة في إيران، وأن يكون من أصول إيرانية، ويحمل الجنسية الإيرانية، ويمتلك القدرات الإدارية، وحسن السير والسلوك، وهي شروط مشتركة مع غالبية دساتير العالم. وهناك شروط إيديولوجية تميز المرشح لرئاسة الجمهورية في إيران مثل إيمانه اللازم بمبادئ جمهورية إيران الإسلامية، ومجلس صيانة الدستور يتثبت من هذا الشرط عند فحصه لأوراق المرشحين، فضلاً عن شروط مذهبية تتطلب في المرشح للرئاسة أن يكون مسلماً شيعياً اثني عشرياً.* مدير مركز الشرق للدراسات الإقليميةوالاستراتيجية-القاهرة
مقالات
بوصلة السياسة الإيرانية وتراتبية الحكم
09-06-2009