يوم الثلاثاء الماضي، ارتجل النائب الدكتور حسن جوهر تصريحاً يحذر فيه وزير التجارة والصناعة أحمد راشد الهارون من مغبة المماطلة والتسويف، ويطالبه بحل مجلس إدارة غرفة التجارة، ووقف عمل الغرفة، ووضع "ما بقي" من أموالها في عهدة مجلس الوزراء... وإلا.في اليوم التالي، لم يرتجل الوزير الهارون رداً، بل وزع تصريحاً مكتوباً محكماً، فيه من الأدب والتقدير بقدر ما فيه من العلم والحقيقة. فأوضح أن ما يطلبه النائب الدكتور حسن جوهر لا يدخل ضمن اختصاص وزير التجارة والصناعة، وأن المحكمة الدستورية وحدها صاحبة الاختصاص بالحكم في دستورية قانون الغرفة الصادر عام 1959. إذن، النائب الدكتور قدم مطالبه إلى وزير التجارة والصناعة شفاهة وعلى شكل إنذار عنيف. والوزير رد على هذه المطالب كتابة وعلى شكل تفنيد هادئ، موضحاً خارطة الطريق القانوني والإجرائي لبت هذه المطالب.ويبدو أن النائب الدكتور كان على يقين بأن الوزير لن "يجرؤ" على الرد... ولن يجرؤ على الرد بهذه الموضوعية والشفافية على وجه الخصوص. وعندما فوجئ بالرد إياه، عاد إلى الارتجال الغاضب، وهدد بالويل والثبور، وتوعد بعظائم الأمور، فلم يناقش رأي الوزير بل تهجم على شخصه، ولم يدحض موقفه، بل أكد- من حيث لا يقصد- صحة مقترحه. وهكذا تبين لكل منصف أن الوزير قد التزم القانون فحالفه التوفيق، وأن النائب الدكتور كان عجولاً فأخطأ، وكان مغرضاً فكشف عن غرضه، وأمعن في خطئه.تصريح جوهر العاصف القاصف ما كنا لنقف عنده لو صدر عن أحد السادة النواب الذين اعتدنا منهم اللجوء إلى رفع الصوت عندما يفتقدون الحجة.تصريح جوهر الغاضب الشاجب، ما كنا لنقف عنده لو أنه جاء رداً على تصريح يماثله غضباً وتشنجاً.أما أن يأتي مثل هذا التصريح من أستاذ جامعي اختصاصه العلوم السياسية بالذات، وفي معرض الرد على بيان قانوني راق، فهذا ما يجب أن نقف عنده، وأن نقف عنده طويلاً، لا دفاعاً عن الوزير أو عن الغرفة، ولا انتقاداً للنائب الدكتور أو لمن استشارهم فأساؤوا المشورة، بل مجابهة لظاهرة بالغة الخطورة:ظاهرة تتمثل في اعتقاد عدد من السادة النواب المحترمين أن لهم الحق في الكلام في أي موضوع، وفي أي وقت وبأي أسلوب.ظاهرة تتمثل في اعتقاد عدد من السادة النواب المحترمين أنهم معصومون من الخطأ، وليس من حق الآخرين أن يردوا عليهم، وأن يفندوا مقترحاتهم، ويكشفوا أخطاءهم.ظاهرة تتمثل في اعتقاد عدد من السادة النواب المحترمين أنهم فوق المواطن وفوق الوزير، وفوق المناقشة، وفوق المساءلة.هذه الظاهرة تشكل تهديداً خطيراً لجَوهر ديمقراطيتنا ومفهومها، وتضعف تمسّك المواطن وإيمانه بالنظام الديمقراطي ومؤسساته. وعندما تصيب هذه الظاهرة نواباً دخلوا مجلس الأمة تحت لافتة العلم والتعليم وشهادة الدكتوراه ومهنة التدريس الجامعي، يصبح من حقنا أن نخشى منها على فكر أبنائنا الطلبة وتوجهاتهم وسلوكهم. لأن الأستاذ الذي يضيق صدره بالرأي الآخر، ويرفض كل اجتهاد غير اجتهاده، فيثيره الصدق ويستفزه الحق، هو أستاذ لن يخرج من صفوفه إلا من يشابهه.في النهاية ليسمح لنا النائب المحترم الأستاذ الدكتور حسن جوهر أن نسأله: مادام أنه لا يوجد للغرفة قانون ينظم أمورها كما تجزم، فعلى أي أساس تعتبر أن إصلاح هذا الوضع من مسؤولية وزير التجارة والصناعة دون غيره؟
آخر الأخبار
افتتاحية: غيرة على الديمقراطية والتعليم لا دفاعاً عن الغرفة أو الوزير
14-02-2010