في خضم الصراع على التراث الرحباني (بين الورثة)، والمعمعة التي رافقت هذه القضية، احتفل بعض الكتاب بالذكرى الـ25 لرحيل فيلمون وهبي (1916 -1985)، وبدت كتابة بعضهم عنه أشبه «برفع العتب» بينما ذهب البعض الآخر الى وصف تعاونه مع فيروز بالتجربة المريرة، في مقابل «تقديس» التعاون بين فيروز وعاصي.

بالطبع فيلمون وهبي أحد الموسيقيين اللامعين الذين لم يأخذوا حقهم في الكتابة عنهم وفي إلقاء الضوء على تجربتهم، ربما لأنه بقي على هامش الظاهرة الرحبانية، مع أن عاصي الرحباني كان يغازله بـ{فاكهة المسرحيّة اللذيذة»، فيما اعتبرته فيروز بـ «سبع الأغنية وشيخ الملحنين». وهو من دون شك صاحب نكهة خاصة في الموسيقى تفوق أحيانا التجربة الرحبانية. من منّا لا يعرف «يا طير الطاير» و{دخل عيونك حاكينا» لصباح، و{حلوي وكذابي» و{بترحلك مشوار» لوديع الصافي، و{بليل وشتي» و{إسوارة العروس» و{فايق يا هوى» لفيروز، و{حبيبي نجار» لشريفة فاضل؟

Ad

تعلّم وهبي لفترة بسيطة في مدرسة الشويفات حيث كان يغني لمحمد عبد الوهاب «يا جارة الوادي» وأغنية «أنا أنطونيو» قبيل ذهابه الى فلسطين عام 1937 حيث أمضى أربع سنوات تعرف خلالها إلى ناصيف العرموني في إذاعة «الشرق الأدنى».

لم يشعر وهبي أبداً بحاجة الى تثقيف موهبته، وقبل الموسيقى عمل وشقيقه في المقاولات. كذلك لم يصمد في دراسته، ولم يحتمل العمل بعيداً عن الأجواء الفنيّة، فترك كل شيء وتفرّغ للتلحين والتمثيل. كان ملحناً بالفطرة، لم يدرس الموسيقى أو قراءة النوتة. إلا أن ذلك لم يمنع عبد الوهاب من أن يستوحي لحن أغنيته الشهيرة «الدنيا غنوة» من أغنيته «يا با قلبي».

في إذاعة «الشرق الأدنى»، بإدارة المخرج الفلسطيني صبري الشريف، اجتمع في مطلع الخمسينات رهط من الموهوبين صنعوا في سنين معدودات ما يسمّى اليوم الأغنية اللبنانية، ضمّ الرحبانيين وزكي ناصيف وتوفيق الباشا وحليم الرومي ووديع الصافي وفيروز وصباح ونصري شمس الدين الى جانب وهبي وغيره.

وشكّل وهبي مع الباشا وناصيف والرحبانيين ما سمي بـ «عصبة الخمسة» تحت رعاية بديع بولس. وعند الإعلان عن تأميم قناة السويس عام 1956، كان وهبي في مصر برفقة نجاح سلام وزوجها محمد سلمان الذي كتب آنذاك أغنية «اليوم اليوم النصر» ولحنها وهبي وغنتها نجاح.

وهبي واحد من ثلاثة روّاد يُعتبرون فرسان الأغنية في لبنان: نقولا المني، مؤسّس الأغنية العاطفيّة الشعبيّة، وسامي الصيداوي رائد الأغنية الانتقاديّة ذات الطابع الاجتماعي، ووهبي الذي كان الأغزر إنتاجاً بينهم.

يقول المؤرخ الموسيقي الياس سحاب: «فمع أن الأغنية اللبنانية بدأت تنال شهرتها الطبيعية في العالم العربي المحيط بها، مرتبطة خصوصاً باسم فيروز ووديع الصافي غناء، وباسم الأخوين رحباني تلحيناً، غير أن الظهور الأول للأغنية اللبنانية كلون غنائي عربي مشرقي، متميز عن الأغنية العربية المصرية، ذات السيطرة في العالم العربي منذ منتصف القرن التاسع عشر، ومعبر عن الألوان المشرقية في الغناء العربي والموسيقى العربية، تحقق على أيدي جيل سابق، يمكن اعتباره جيل الأغنية اللبنانية المؤسس في عقد الأربعينات من القرن المنصرم، في وقت متزامن مع حصول لبنان على استقلاله السياسي عن فرنسا، في عام 1943.

من ألحانه: «عالطاحونة، أنا خوفي من عتم الليل، يا دارة دوري، يا مرسال المراسيل، فايق يا هوى، كرم العلالي، من عز النوم، طيري يا طيارة على جسر اللوزية، البواب، ورقو الأصفر، لما عالباب، يا ريت منن، زهرة الجنوب (أسوارة العروس)، طلعلي البكي، بليل وشتى... وغيرها».

أحد أظرف الـ{سكتشات» الرحبانية التي شارك فيها وهبي في الخمسينات «أيام سبع ومخول}، أي وهبي ومنصور الرحباني، ومعهما يغني نصري شمس الدين «بحر الستات»:

رايحين تنتفرج عبحر الستات

رايحين تنتغزّل عحدود الموجات

ونقعد بالشمسات

ونزور السمكات

رايحين تنتفرج عبحر الستات.

رحل فليمون وهبي عام 1985 بعد صراع مرير مع مرض عُضال في صدره، فقد كان مُدَخناً شرهاً للسجائر... رحل وتركَ إرثاً موسيقياً بقي راسخاً في الذاكرة.