قدم وزير المالية مصطفى الشمالي بياناً في جلسة أمس تناول فيه ملاحظات الحكومة على القانون جاء فيه:

على الرغم من أن الهدف الأساسي الذي يسعى اليه واضعو الاقتراح بقانون هو التيسير على المواطنين المقترضين من البنوك وشركات الاستثمار، وذلك من خلال إسقاط الفوائد عن القروض الاستهلاكية والمقسطة واعادة جدولتها، فلقد جاء الاقتراح بقانون المعروض متجاوزاً ومتعدياً لذلك الهدف الى أمور أخرى تنطوي بالضرورة على زعزعة الثقة بالنظام المصرفي والمالي، وكذلك النظام القانوني المستقر، حيث يؤدي الى تكريس مبدأ عدم احترام العقود والمواثيق، هذا فضلاً عن ترسيخ سلوكيات سلبية لدى عملاء الجهاز المصرفي والمالي من المواطنين بصفة عامة، بما يمكن أن يؤدي الى زعزعة استقرار وسلامة التعاملات المالية في الدولة، ولا ريب في أن سلامة المعاملات المالية في الدولة واستقرارها يعتبران من المبادئ الرئيسية التي يُنظر اليها داخل الدولة وخارجها كدليل على متانة ورشادة النظام القانوني والنظام المالي في الدولة.

Ad

كما يضيف الاقتراح بقانون أعباء جسيمة على البنك المركزي، يستحيل أن يقوم بها، حيث يمكن أن تؤدي الى شلل تام لعمل البنك المركزي الرقابي، ويحمل بالتالي مخاطر جمة نحن في غنى عنها. وجاء في البيان أن الاقتراح بقانون يتضمن شبهات دستورية، اهمها مبدأ العدالة والمساواة امام القانون وكذلك حق التقاضي، وهي من المقومات الاساسية للمجتمع الكويتي.

سوف اوجز ملاحظاتنا على الاقتراح بقانون على النحو التالي:

أولا: وفقا لنص المادة الاولى والثانية فإن العملاء المستفيدين من القانون هم العملاء المقترضون من المواطنين، ووفقا للتعريف الوارد في المادة الاولى للعميل المقترض، فإن الامر يتطلب تقديم مركز مالي للعميل يتضمن كل العناصر المنصوص عليها في التعريف، وذلك لإمكان تحديد ما اذا كان هذا العميل ممن يندرج ضمن فئة المستفيدين من هذا القانون من عدمه، ومن مقتضى ذلك فانه يصعب تحديد كلفة تطبيق هذا الاقتراح بقانون الا بعد دراسة اوضاع العملاء المقترضين من المواطنين (نحو 317 الف عميل).

وعموما فإنه وفقا للبيانات المقدمة لبنك الكويت المركزي من كل البنوك وشركات الاستثمار المحلية (التقليدية والاسلامية)، كما في نهاية سبتمبر 2009، فلقد بلغ رصيد القروض وعمليات التمويل الاستهلاكية والمقسطة والممنوحة للمواطنين الكويتيين (دون الفوائد والعوائد) نحو 4.891 ملايين دينار كويتي، كما يبلغ اجمالي هذا الرصيد شاملا الفوائد والعوائد التي ستستحق على تلك القروض حتى نهاية آجالها نحو 6.709 ملايين دينار كويتي. ويمثل الفرق وقدره نحو 1.818 مليون دينار مجموع الفوائد والعوائد على الرصيد المذكور لتلك القروض، والتي سيتم إسقاطها وفقا للاقتراح بقانون.

ثانيا: لم يتضمن الاقتراح بقانون في مادته الثانية تحديدا واضحا بشأن ودائع المؤسسات الحكومية لدى البنوك، إذ لم ينص على انها من دون فائدة اسوة بالقروض التي تمت جدولتها من دون فائدة، كذلك لم ينص على مدى استمرارية هذه الودائع لدى البنوك، وربط ذلك بفترات إعادة جدولة القروض لدى كل بنك أو بفترات أطول لتعويض الجهات الدائنة عن الفوائد / العوائد التي تم اسقاطها، وهي أمور جوهرية لا يستقيم النص من دونها.

لم توضح المادة الثانية ايضا المقصود بالمؤسسات الحكومية، علما بأن الجانب الاعظم من ودائع المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية لدى البنوك حاليا يخص الهيئة العامة للاستثمار ومؤسسة البترول الكويتية والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، هذا فضلا عن ودائع من بعض الجهات الأخرى، مثل هيئة شؤون القصر، والامانة العامة للاوقاف، وغيرهما، ونضيف بشأن ذلك ان مفهوم النص على ان تكون الجدولة نظير ما تم ايداعه لدى البنوك من قبل المؤسسات الحكومية، هو تجميد مبالغ كبيرة من اموال تلك الجهات ومن دون عائد لدى البنوك ولمدة يمكن ان تزيد على 15 سنة.

ان الفقرة الثالثة من المادة الثانية من الاقتراح، تجيز للبنوك الاسلامية جدولة أصل المرابحة المقدم منها للمواطنين، مع التنازل عن الارباح المحققة على هذا التمويل، وذلك وفقا لذات القواعد الموضحة في الفقرة الأولى بالنسبة إلى القروض التقليدية. ويلاحظ بشأن هذا النص ما يلي: يتطلب الامر تأكيدا بشأن مدى شرعية

تنازل البنوك الإسلامية عن أرباحها، وهي جزء لا يتجزأ من قيمة المرابحة مقابل ايداع قيمة أصل المرابحة (اي رصيد التكلفة التي تحملها البنك) لدى تلك البنوك.

اخيرا لا يتناول الاقتراح بقانون في مادته الثانية وضع شركات الاستثمار وكيفية معالجة القروض الممنوحة منها، حيث إن هذه الشركات لا تقبل الودائع، وهو خلل واضح في هذا الاقتراح بقانون.

ثالثا: بالنسبة إلى المادة الرابعة: نص القانون في المادة الرابعة منه على ان تقوم الجهات الدائنة- بعد تطبيق احكام المادة الثانية- بالتنازل عن اي دعاوى قضائية متداولة، تكون اقامتها تجاه العملاء المقترضين، وهذا النص يؤخذ عليه شبهة مخالفة الدستور.

وهذه المادة في الاقتراح بقانون تشكل قيدا على حق الجهات الدائنة في التقاضي بما يثير شبهة عدم دستوريتها.

رابعاً: بالنسبة إلى المادة السادسة: حظرت المادة السادسة اتخاذ اي اجراءات تحفظية بما في ذلك المنع من السفر بحق اي عميل مقترض، يمنح بعد العمل بهذا القانون اي قرض استهلاكي او قرض مقسط او كليهما نتيجة تعثره في الوفاء بالتزاماته، الا ان يكون بحكم قضائي ويسري هذا الحكم على كفيل العميل وكفيل كفيله ان وجد.

وهذا النص يثير شبهة عدم الدستورية لاخلاله بمبدأ المساواة بمنح معاملة تفضيلية تتمثل في حماية وحصانة مقررة لعملاء القروض من اتخاذ اي اجراءات تحفظية ضدهم، وفي ذلك حرمان للدائن من استخدام حقوقه القانونية المقررة بموجب قوانين أخرى.

خامسا: بالنسبة إلى المادة السابعة: تفرض المادة على البنك المركزي تدقيق المديونيات التي تتم جدولتها لمدة تتجاوز 15 سنة تنفيذاً لهذا القانون، فإذا علم أن عدد القروض الاستهلاكية والمقسطة المقدمة للمواطنين الكويتيين من البنوك وشركات الاستثمار التقليدية والاسلامية كما في 30/9/2009 يبلغ نحو 489 ألف قرض، وبفرض أن نحو 20 في المئة منها فقط ستتم جدولته لمدة تتجاوز 15 سنة تنفيذاً لهذا الاقتراح بقانون (وهي فرضية نعتقد أنها متحفظة)، يعني ذلك أن على البنك المركزي أن يقوم بتدقيق نحو 98 ألف قرض، وذلك من الناحية الفنية والقانونية والاجرائية، ليس لمرة واحدة فقط، بل عليه متابعة ذلك للتحقق من التزام الجهات الدائنة بالتعليمات بالنسبة إلى جميع هذه الحالات وفقاً لما تقضي به المادة، هذا فضلاً عن أعباء تلقي بلاغات العملاء وتدقيقها وافادة العملاء بالاجراءات المتخذة حيالها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ تقديم البلاغ.

سادسا: بالنسبة إلى المادة العاشرة: نصت المادة على ان يخير العميل المقترض بين الاستمرار في تطبيق نظام الجدولة الذي تم توثيقه وفق احكام القانون رقم 28 لسنة 2008 الخاص بإنشاء صندوق المعسرين او تقديم طلب للدخول في نظام الجدولة الجديد، وهو ما ينطوي على اهدار حق الجهات الدائنة الذي تقرر لها بموجب التسويات التي ابرمت ووثقت وفق احكام القانون رقم 28 لسنة 2008 المشار اليه. ولا شك في ان ذلك يؤدي الى زعزعة مراكز قانونية استقرت في ظل احكام قانون قائم.

سابعا: بالنسبة إلى المادة الرابعة عشرة: الغت المادة الرابعة عشرة من الاقتراح بقانون القانون رقم 28 لسنة 2008 في شأن انشاء صندوق المعسرين من تاريخ نفاذ القانون الجديد، دون النص صراحة على اعتماد التسويات التي تمت وفقا لاحكام القانون المراد الغاؤه، وقد يؤدي ذلك الى تفسير هذه المادة على انها تنطوي على الغاء جميع ما تم توثيقه من تسويات في ظل القانون رقم 28 لسنة 2008 المشار اليه، واعادة المتعاقدين للحالة التي كانوا عليها قبل ابرام عقود التسوية، وبذلك يكون هذا النص فيه اهدار للتسويات المبرمة وهي في حقيقتها عقود رضائية، ويرتب مساسا بمراكز قانونية استقرت بموجب التسوية.

ثامنا: الحجية الملزمة للعقود: تضمن الاقتراح بقانون في العديد من مواده أمورا يترتب عليها اهدار للحجية الملزمة للعقود، إذ ان للعقود حجية ملزمة لطرفيها، بحسبانها القانون الاتفاقي لهما، ولا يجوز تعديل العقد إلا باتفاق الطرفين، وفق حكم المادة 196 من القانون المدني، والتي تنص على أن: «العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز لأحدهما أن يستقل بنقضه أو تعديل أحكامه، إلا في حدود ما يسمح به الاتفاق أو يقضي به القانون».

ولا ريب في ان سلامة واستقرار المعاملات المالية في الدولة تعتبر من المبادئ الرئيسية التي ينظر اليها في داخل الدولة وخارجها كدليل على متانة ورشادة النظام القانوني والنظام المالي في الدولة.

الأخ الرئيس... الأخوة الأعضاء

وبناء على ما تقدم فإن الحكومة لا توافق على ما تضمنه الاقتراح بقانون الذي سيتم التصويت عليه في مداولته الثانية، وذلك لما شابه من المثالب الفنية والقانونية والاجرائية، فضلا عن اوجه التعارض وعدم الوضوح في كثير من نصوصه وذلك بالقدر الذي يجعله قانوناً غير قابل للتطبيق من الوجهة العملية في حالة صدوره، ناهيك عن تضمنه شبهات دستورية في مضمونه وفي بعض مواده.

ولعل ما تم تقديمه من الحكومة كمشروع لتعديل بعض احكام القانون 28 لسنة 2008 في شأن انشاء صندوق لمعالجة اوضاع المواطنين المتعثرين في سداد القروض الاستهلاكية والمقسطة تجاه البنوك وشركات الاستثمار لهو الحل الناجح لمواجهة هذه المشكلة وبما يتفق مع النواحي القانونية والدستورية.