أثار تصريح الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الأسبوع الماضي الذي جاء فيه "إنهم قرروا مهاجمة بلدين على الأقل في المنطقة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة" جدالاً حامياً في إيران، حتى أن بعض داعمي الرئيس المتشددين، مثل الصحيفة اليومية المحافظة "كيهان"، خالفوه الرأي، مستبعدين احتمال حدوث غزو أميركي آخر، في حين أن واشنطن تتعثر في حربها في أفغانستان ولايزال العراق بعيداً كل البعد عن الاستقرار.صحيح أن الولايات المتحدة منشغلة بحربين، لكن هذا الأمر لا ينطبق على إسرائيل، خصوصاً إذا نالت الدعم من دول في المنطقة قلقة بشأن احتمال تطوير إيران قنبلة نووية. على الصعيد الداخلي، يشكّل هذ التصريح، الذي أدلى به أحمدي نجاد خلال مقابلة صحافية، مناورة سياسية تسهّل عليه الإعراب عن بعض المرونة في المسألة النووية، مرونة قد تحول دون نشوب صراع، خصوصاً أن إيران أعلنت استعدادها للتفاوض من دون شروط مسبقة في الخريف المقبل.لا يودّ الشعب الإيراني خوض حرب لأن البلد لن يتمكن من تحمّل ويلات صراع آخر، فبصعوبة أنهت أقسام عدة في جنوبه مرحلة إعادة الإعمار بعد مرور 23 سنة على توقف القتال بين إيران والعراق.وقد بدا ذلك جلياً خلال زيارة أحمدي نجاد الأخيرة لمدينة خرمشهر الجنوبية، فقد راح السكان يشتكون من عيوب إعادة إعمار المدينة، التي احتلها جيش صدام حسين قبل عملية تحريرها التي تطلبت خسائر كبيرة في الأرواح.لا شك أن أي هجوم على منشآت إيران النووية، التي تقع قرب المراكز السكنية، سيسبب خسائر جانبية فادحة وسيوقظ لا محالة عملاق الروح الوطنية الإيرانية النائم، ولعل أحمدي نجاد كان يحاول تحريك هذه الروح، عندما أشار إلى احتمال شن أعداء إيران حرباً وشيكة، ويبدو جلياً في الوقت عينه أن تعالي قرع الطبول، الذي يُنذر بحرب قريبة ضد إيران، قد أثار مخاوف أمنية وطنية جديدة في إيران تؤثر في النفسية والخطاب الوطنيَّين.فضلاً عن كونه مناورة سياسية من رئيس أنكر علانية قبل أقل من ثلاث سنوات أن المسألة النووية قد تسبب المشاكل، يُعتبر هذا التصريح أيضاً دعوة للتعبئة الوطنية، استعداداً لمواجهة العضلات العسكرية لقوة عالمية غربية وحليفتها إسرائيل، وتسعى هذه القوة إلى تعزيز علاقاتها في الخليج العربي بما يضر بالمصالح الإيرانية.ولكن مع احتلال الشؤون الخارجية المرتبة الأولى في قائمة الأولوية، يهدف تحذير أحمدي نجاد من حرب مقبلة على جبهتين (هما، حسبما يعتقد كثيرون، إيران ولبنان) إلى (أ) الحصول على دعم الشارع العربي والإسلامي و(ب) زيادة احتمال لجوء إيران إلى سلوك أكثر عدائية في المنطقة غايته إبراز رد إيران الاستباقي على رياح الحرب.تُظهر الأسرار العسكرية الأميركية الكثيرة، التي سُرّبت عبر الإنترنت، أن إيران تؤدي أكبر دور تخريبي في أفغانستان، بعد باكستان، وبغض النظر عما إذا كانت هذه الوثائق أصلية أو مزيفة، فهي تقدّم لنا فرصة فريدة لمراجعة سياسة إيران الأفغانية على ضوء العقوبات والحرب المنخفضة الحدية التي تُشَن ضد إيران من خلال مجموعات مثل جندالله. فلاتزال هذه المجموعة تمثل خطراً عسكرياً، رغم شنق زعيمها المعتقل عبدالملك ريغي أخيراً، وقبل إعدامه، قدّم ريغي معلومات مهمة عن دعم الولايات المتحدة وإسرائيل لمجموعته تلك.من العيوب التي تشوب المقاربة الأميركية تغاضيها عن قدرة إيران على الردّ بحروب منخفضة الحدية في كل من أفغانستان والعراق. تصوّر وثائق ويكيليكس بشأن إيران هذا السيناريو بالتحديد، الذي يُحتمل أن يسوء في حال تطورت الأزمة النووية. إذن، إن الادعاءات بشأن تدريب إيران أعضاء طالبان وتقديمها الدعم اللوجستي لهذه الحركة داخل الأراضي الإيرانية قد تكون صحيحة، وتشكّل مجرد بداية لابتعاد خطير عن سياسة ضبط النفس العامة.يشير بروفيسور متخصص في العلوم السياسية في جامعة طهران إلى فترة طويلة من العقوبات الاقتصادية التي سبقت غزو الولايات المتحدة للعراق في مارس عام 2003، ثم يقول: "لن تقبل إيران بأن يُطبّق عليها السيناريو العراقي تدريجياً".في ذلك السيناريو، سبقت الغزوَ حرب اقتصادية أضعفت الحكومة المركزية في بغداد إلى حد بعيد، وعلى نحو مماثل، إذا حصلت الحكومات الغربية على مبتغاها، فستلقى إيران المصير نفسه، إلا أن الإيرانيين تعلموا من حرب العراق وينوون بذل قصارى جهدهم لدرء خطر هذا الغزو.* حاصل على شهادة دكتوراه ومؤلف كتاب After Khomeini: New Directions in Iran's Foreign Policy (Westview Press).
مقالات - Oped
أحمدي نجاد ينادي بالحرب
04-08-2010