تسعى أجندة الحد من الانتشار إلى وقف تدفق الأسلحة النووية وتقييدها، وذلك تمهيداً للقضاء عليها من خلال اتفاق دولي، وتتمثل المهمة في جعل امتلاك هذه الأسلحة ونشرها واستعمالها غير شرعي وخفض عددها ليبلغ 2000 رأس نووي، أي حوالي 10 في المئة من المخزون الحالي.بعد مرور أكثر من عقد من الجمود، يمكن للحد من الأسلحة النووية أن ينشط مجدداً هذا العام مع مراجعة عميقة لحجم القوات النووية الأميركية وبنيتها ومهمتها، وإبرام معاهدة استراتيجية جديدة بين روسيا والولايات المتحدة، وقمة نووية في واشنطن في شهر أبريل، ومؤتمر مراجعة معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية في شهر مايو. لقد حضّرت اللجنة الدولية لمنع الانتشار ونزع السلاح النووي، خطة مقنعة لهذه المشاريع الأربعة، ويرأس هذه اللجنة وزيرا الخارجية السابقان غاريث إيفانز من أستراليا ويوريكو كاواغوشي من اليابان، وتضم براجيه ميشرا من الهند. واجهت اللجنة عقبتين حتى قبل إنهاء عملها: أولاً، أستراليا واليابان دولتان حليفتان منذ زمن بعيد، وقد احتمتا تحت المظلة النووية الأميركية. ثانياً، بين تشكيل اللجنة في منتصف عام 2008 ونشرها تقريرها في 15 ديسمبر من عام 2009، تبدّلت الأجندة النووية إلى حد كبير مع التزام الرئيس الأميركي باراك أوباما بإلغاء التسلح النووي. كان الخطر الأول متعلقاً بالمصداقية، والثاني بعدم الملاءمة فيما طغت أحداث العالم الحقيقي بشكل مفاجئ على مداولات اللجنة. نتيجة لذلك، فإن تقريرها، الذي يحمل عنوانEliminating Nuclear Threats «إلغاء التهديدات النووية»، يرد على هذين الخطرين، وقد استُغلت هذه الفرصة غير المتوقعة لوضع مخطط عام لأجندة موجهة نحو العمل تتناول توقيت وكيفية تحقيق الحلم، وثمة مناقشات جيدة بشأن الردع الموسَّع والحاجة إلى طمأنة الحلفاء إلى أنه لا مجال للمُساومة على حاجاتهم الأمنية خلال هذه العملية. تتمثل نقطة القوة الأساسية في التقرير في أنه يتطرق إلى 4 خيارات سياسية حاسمة يتضمن كل منها قسمين منفصلين، وفي أنه يساعدنا في شق طريقنا عبر هذه الخيارات للتوصل إلى قرارات منطقية بشأن العالم كما هو اليوم وكما ينبغي أن يكون: • أولاً: يعمد هذا التقرير إلى المزاوجة بين الواقعية والمثالية، فيمزج أجندة منع الانتشار بنزع السلاح النووي من خلال إدراجه ببراعة مفهوم الحد من انتشار الأسلحة النووية على الأمد القصير والمتوسط مع التخلص منها على الأمد الطويل وإنما المحدد. لقد حُدِّثت الحجة التي تبرر التخلص من الأسلحة النووية عما كانت عليه في تقرير لجنة كانبيرا، التي شكلها ايفانز في منتصف تسعينيات القرن الماضي. حتى أن مقاطع متعددة تردد جملاً منسقة من التقرير السابق، وطالما أن هناك دولة تملك أسلحة نووية، فسترغب الدول الأخرى في أن تحذو حذوها. وطالما أن هذه الأسلحة موجودة، فستُستعمل مجدداً يوماً ما، عن سابق تصميم، أو بمحض المصادفة، أو عن طريق خطأ في التقدير. تسعى أجندة الحد من الانتشار إلى وقف تدفق الأسلحة النووية وتقييدها، وذلك تمهيداً للقضاء عليها من خلال اتفاق دولي، وتتمثل المهمة في جعل امتلاك هذه الأسلحة ونشرها واستعمالها غير شرعي؛ وخفض عددها ليبلغ حوالي 10 في المئة من المخزون الحالي، فيبقى بحلول عام 2025 مجموع دولي يبلغ ألفي رأس حربي (500 لكل من روسيا والولايات المتحدة وكمية متساوية تقسّم على كل من بريطانيا، والصين، وفرنسا، والهند، وإسرائيل وباكستان)؛ والتخفيف من الاعتماد على الأسلحة النووية والحد من المخاطر المتأصلة فيها عبر اعتماد درجات إضافية من الفصل بين امتلاك هذه الأسلحة ونشرها واستعمالها من خلال فصل الرؤوس الحربية عن أنظمة التسليم وإطالة «آلية اتخاذ القرارات» لإطلاق أسلحة نووية؛ وتطبيق اتفاقية الحظر الشامل للتجارب النووية ومعاهدة وقف إنتاج المواد الانشطارية؛ وتقوية الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ وتشكيل دورة وقود متعددة الأطراف؛ وجعل القيود لناحية التزويد أكثر صرامة. • ثانياً: يسمح التفريق بين الحد من الانتشار النووي وحظره للجنة بسد الفجوة بين عالمي معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية وما بعد هذه المعاهدة، فهي تدعو إلى إدراج الحظر النووي في اتفاقية أسلحة نووية عالمية شاملة وملزمة من الناحية القانونية. وتلحظ أيضاً وجود اتفاقيات أسلحة نووية نموذجية، لكنها جميعها تقع في شرك فرض خطوات مختلفة وجداول زمنية على الدول المشرَّع امتلاكها أسلحة نووية بموجب معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية وغيرها من الدول المسلحة نووياً. كذلك تسعى اللجنة إلى إقناع المشككين «الواقعيين» بالدافع إلى تلبية الحاجات الأمنية من خلال المقاربة الانتقالية وكيفية فعل ذلك. وتحاول أيضاً إقناع المؤيدين «المثاليين» بأن مقاربة تراكمية من المرجح أن تفضي بنا إلى مقصدنا المرجو أكثر من المطالب والتصريحات الطنانة والرنانة. والأهم أنها تحاجج معتبرة أن المناقشات الجادة حول اتفاقية الأسلحة النووية ينبغي أن تبدأ الآن.• ثالثاً: ينطلق التقرير من الأجندة غير الواقعية التي تقضي بإجبار الدول المسلحة نووياً وغير الملتزمة بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية (الهند، وإسرائيل، وباكستان) على التوقيع على هذه المعاهدة بصفتها دولاً غير نووية. ثم يناقض هذه الفكرة، محاججاً بأن ثمة أسبابا عملية كثيرة تُصنف الدول الثماني المسلحة نووياً في الخانة السياسية نفسها. • رابعاً: يسعى التقرير إلى إقامة توازن بين جاذبية وحتمية اتخاذ خطوة نحو اعتماد أكبر على الطاقة النووية، والمخاطر على صعيد السلامة والأمن والانتشار التي يطرحها توليد المزيد من الطاقة النووية. سيخيب أمل مَن يعارضون بشدة اعتماد الطاقة النووية كحل لأزمة الطاقة والبيئة العالمية، حتى أن المتهكمين قد يرصدون في ذلك محاولة لتعزيز اهتمام اليابان وأستراليا التجاري في بيع اليورانيوم والتكنولوجيا النووية. على أصحاب التفكير المنفتح أن يرحبوا بموقف وأجندة براغماتيين ومرنين. ففي نهاية المطاف، يعتبر التوازن بين الحد من الانتشار ونزع السلاح النووي والقوة النووية جزءاً لا يتجزأ من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. يُعتبر التقرير شاملاً في تغطيته كل جوانب أجندة الأسلحة والطاقة النووية على مستويي السلامة والطاقة، بما في ذلك خطر الإرهاب النووي، فالصياغة دقيقة ومتقنة، تمزج بين الشغف للقضية والحاجة إلى عدم خسارة الواقعيين والمثاليين على حد سواء. الخلاصات خطيرة لكنها لا تثبط العزيمة أبداً، وينبغي لهذه اللجنة المؤلفة من مجموعة من المسؤولين العسكريين والسياسيين الرفيعي المستوى حول العالم أن تزيد احتمالات النظر بجدية إلى التقرير في العواصم الدولية البارزة. وكما يفيد التقرير، بأنه لا يمكن منع ابتكار الأسلحة النووية، لكن يمكن وينبغي ضبطها، وتنظيمها، وتقييدها، وفي زمننا الحاضر، اعتبارها غير شرعية.* مدير كلية Balsillie للشؤون الدولية في ووترلو بكندا
مقالات - Oped
الأسلحة النووية والبراغماتيون
12-01-2010