في مفتتح حديثه، أكد د. خليفة الوقيان أن د. فؤاد زكريا قامة فكرية وإنسانية شامخة، ونموذج للعلماء القلائل الذين تتسق الرؤية لديهم مع السلوك والممارسة، ولا تُضعف عزمه المغريات، ولا تثنيه عن أداء الرسالة التي آمن بها أيّ من المعوقات.

Ad

وأضاف: "حمل مصباح الأنوار، وظل يسقي شعلته بعصارة تجربته الثرية ورؤيته العلمية النافذة، وتساقط على الطريق كثيرون، أخذتهم المغريات حيناً، وأرعبتهم السكاكين حيناً آخر، وبقي صامداً شامخاً كأهرامات مصر العظيمة".

وتابع: "وفي هذه المرحلة التاريخية الدقيقة، التي تزحف فيها جحافل الظلام لإشاعة ثقافة الخرافة والتهريج الرخيص والتسطيح المبتذل، وتغييب صوت العقل ومنهج العلم، تشتد الحاجة إلى من هم في حجم فؤاد زكريا فكراً وممارسة، والأمل معقود على تلامذته لحمل المصباح ومواصلة السير على الطريق الذي سلكه".

أما الأستاذ المساعد في قسم الفلسفة الدكتور عبدالله الجسمي فقد عبّر عن حزنه الشديد بوفاة الدكتور فؤاد زكريا، متمنياً توثيق المرحلة التي عاشها في الكويت، من خلال إصدار أدبي يرصد مسيرة هذا المعلم الكبير، لاسيما أنه يعد من المفكرين المميزين في الوطن العربي، وكان يتميز بحثه بالأصالة والجده، معتمداً على العقل بالدرجة الأولى وعلى العكس من المفكرين الآخرين الذين كانوا يتبعون أفكارا أيديولوجية معينة.

وأضاف: "كان يحاول تناول الأحداث والقضايا بطريقة عقلانية، بعيداً عن الأيديولوجية والانفعال وغيرهما من السلبيات، كان يرى أن التفكير العلمي هو المخرج الحقيقي للثقافة العربية من أزمتها".

واستطرد الجسمي في الحديث عن مرحلة تعيين الفيلسوف الراحل في جامعة الكويت قسم الفلسفة بين 1974 و1992، مشيراً إلى التغييرات الإيجابية التي طرأت على النظام الدراسي، مبيناً أنه لعب دوراً أساسياً في النهوض بقسم الفلسفة أثناء ترؤسه القسم، كما عمل على استقطاب خيرة الأساتذة في الوطن العربي للتدريس في قسم الفلسفة، واهتم أيضا بعملية انتقاء الطلبة الكويتيين المبتعثين إلى الخارج، حيث وضع مجموعة معايير ومقاييس أثمرت نتائج إيجابية بعد بضعة أعوام.

صدمة ثقافية

وفي السياق ذاته، أكد رئيس تحرير مجلة العربي د. سليمان العسكري أن رحيل د. فؤاد زكريا يعد صدمة ثقافية، عربية وعالمية، إذ إننا برحيله افتقدنا واحدا من ابرز رجال الفكر الحر والمستنير في عالمنا العربي الذي قدم الكثير من الانجازات الفلسفية والفكرية لمنجز الفكر الفلسفي العربي، وهنا في الكويت على نحو خاص نفخر بأن د. زكريا كان قد عاش بيننا أستاذا للفلسفة في جامعة الكويت، وأسس منهجا فلسفيا وتعليميا مميزا.

وأشار العسكري إلى دوره في سلسلة "عالم المعرفة" التي اصبحت واحدة من اهم السلاسل الفكرية العربية التي قدمت العديد من إنجازات الفكر العربي والغربي المستنير، كما انه قدم للمكتبة العربية عددا كبيرا من الكتب المؤلفة والمترجمة التي اثرى بها المكتبة العربية الفلسفية والفكرية، وجسد بها مشروعا فكريا يؤسس لضرورة اعلاء قيمة العقل والمنطق العقلاني، وأوضح من خلالها مدى هشاشة الافكار التي تتبناها القوى الرجعية والمتخلفة عن العصر في مجتمعاتنا العربية، وجسد بحضوره ومواقفه وجرأته في مواجهة هذه الافكار نموذجا رائعا في هذا الصدد موثقاً ذلك بمؤلفات متنوعة. واضاف: "ولم يكتف بما أشار إليه في كتبه عن هذا الموضوع لكنه، أيضا، خاض عددا من المعارك الفكرية مع بعض من عارضوه لتأكيد افكاره العقلانية، وإثبات دلائلها من واقع ما يحدث على الأرض في الحياة اليومية للبشر، كما يحسب للفقيد الكبير، بين الكثير من مواقفه الإنسانية، رفضه القاطع للدكتاتورية، ويقينه الشديد بأن غياب الحريات في المجتمعات العربية أسهم في غياب المناخ النقدي في الحقل الثقافي، مشددا على أن غياب الحرية افسد المناخ الأكاديمي وعرقل مسيرة التعليم، وافسد مسيرة تطور المجتمعات العربية جميعا".

وتابع: "وكان رفضه للأفكار والممارسات الدكتاتورية، وكل ما ينتج عنها من ممارسات موقف مبدئي، تسبب في إعلانه الواضح والقاطع رفضه موقف الغزو العراقي للكويت، منذ اللحظات الاولى لغزو الكويت، وممارسات نظام صدام حسين في العراق في الداخل العراقي، وأيضا رفضه الكامل قراره غزو الكويت، ولم يتغير موقفه بالرغم من تعرضه للكثير من الهجوم من قبل أطراف ثقافية وإعلامية عربية عدة اتهمته بالعمالة للكويت وللولايات المتحدة، لكنه اثبت شجاعة نادرة في التمسك بموقفه، بالرغم من كل الانتقادات والاتهامات التي تعرض لها،  حتى اثبت التاريخ طبيعة نزاهة موقفه، وهو ما كان قد وثقه في كتابه "الثقافة العربية وأزمة الخليج".

خسارة كبيرة

بدوره، أكد الأديب اسماعيل فهد أن فقدان الفيلسوف يعد خسارة كبيرة للفكر والفلسفة، مشيراً إلى مواقفه التنويرية في ما يخص الثقافة والعلم، وكان الفيلسوف الراحل يعد أحد المفكرين العالميين، حيث تجاوز الإقليمية لما له من أفكار نيرة وآراء سديدة.

وأضاف: "يتمتع الراحل بشبكة علاقات كبيرة من السياسيين والمفكرين والمثقفين الكويتيين، مستفيداً من هذه العلاقات لصالح مجلة عالم المعرفة التي كان يترأس هيئة تحريرها، وقد اتضح ذلك من خلال هذا الإصدار الذي ينضوي تحت مظلة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وحسن اختيار الكتاب الذين يساهمون في هذه المجلة الثقافية المهمة".كما أشاد إسماعيل فهد بالموقف المشرف للراحل فؤاد زكريا إبان فترة الغزو العراقي للكويت، مؤكداً التزامه بالدفاع عن قضية الكويت العادلة.

الفكر المتلاطم

من جانبه، قدّم رئيس ورشة السهروردي الفكرية الكاتب محمد عبدالله السعيد العزاء لكل محبي الفيلسوف الراحل فؤاد زكريا في الوطن العربي قاطبة، قائلاً: "فلتبك هذه الأمة على نفسها برحيله، والعزاء كل العزاء لمصر، أم العظماء، ولشعبها وأكاديمياتها وأساتذتها". وتحدث السعيد عن تجربته الشخصية مع الراحل فؤاد زكريا بقوله: "التقيته ثلاث مرات، وبجميعها تخانقت معه، لكن في السنوات الأخيرة أدركت كم كان عظيما هذا الإنسان، كان من الذين حملوا راية الأمة فوق ظهره، كان يحاول انقاذ سكان المنطقة من تيارات الفكر المتلاطم، التي تحاول استيلاب الإنسان لمصلحة اللاإنسان، وأنا لو كنت أكثر رحمة بنفسي لتواصلت معه، ولو حدث هذا لاختصرت الكثير من السنوات والقراءات، لقد أعطى المرحوم الكويت الكثير وأعطته الكثير، ولكن كثيره كان قليلاً بالقياس إلى قدراته، وكثير الكويت كان قليلاً بالقياس إلى مستحقاته".