من المشجّع أن نعلم أن الجواسيس الروس المفترضين أنفسهم يواجهون مشاكل مع أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم، فقد اشتكت آنا تشابمان من صعوبات خلال إنشائها شبكة محلية لاسلكية خاصة للعميل UC-I الذي حرّضها، لكي تتمكن من الاتّصال مع الشاحنة الصغيرة المركونة خارج المقهى، فضلاً عن ذلك، كانت الشكوك متبادل، فلم تفهم الاستخبارات الروسية أبداً لم كان على الزوجين اللذين اتّخذا لنفسيهما اسمي ريتشارد وسينتيا مورفي شراء ذلك المنزل في نيوجيرسي، إذ قالا في رسالة تم اعتراضها: "نشعر بأن الاستخبارات الروسية تعتبر ملكيتنا للمنزل انحرافا عن هدف المهمّة الأساسي".  

قال آل مورفي للوكالة، على الأرجح بشكل دفاعي إلى حد ما: "كانت تلك وسيلة مناسبة لحل مشكلة الإسكان، والتقيّد بعادات مجتمع يقدّر ملكية المنازل".

Ad

ما الذي كانت تتوقعه وكالة الاستخبارات الروسية؟ إن إرادت لـ11 "شخصاً غير شرعي" أن يعتمدوا نمط العيش الأميركي في الولايات المتحدة من أجل إنشاء مكمن عميق لهم لأمد طويل، فإن امتلاك منزل في نيوجيرسي على ما يبدو إذن أمر مغر. أبلت السيدة مورفي حسناً، وحتماً خدعت الجيران. في هذا الإطار، تشير جيسي غوغيغ: "من غير المعقول أن يكونا جاسوسين... انظروا ماذا فعلت بنبتة الكوبية".  

مع ذلك، لن تُسرّ وكالة الاستخبارات الخارجية الروسية ببيان الاتّهام المؤلّف من 55 صفحة، والذي أعدّه مكتب التحقيقات الفدرالي (الأف بي أي) ويكشف عن وجود 11 جاسوساً مفترضاً (اعتُقل الجاسوس الحادي عشر في قبرص) انتحلوا هويات أميركية مزيّفة على مدى سنوات.    

تشكّل عملية الـ"أف بي أي" أكبر اختراق لاتّصالات وكالة الاستخبارات الخارجية الروسية في الذاكرة الحديثة، فقد اطّلع مكتب التحقيقات الفدرالي على رسائل عملائها الإلكترونية، وحلّ رموز معلوماتهم الاستخباراتية، وقرأ النصوص المشفّرة على الصور المعروضة على الانترنت، وتنصّت على هواتفهم الخليوية، وسجّل بشكل مصوّر تمرير أكياس المال والرسائل بحبر غير مرئي من عميل إلى آخر، واخترق مطالباتهم المزيّفة بالتعويض عن النفقات.  

من جهتهم، يرسم الجواسيس المرتدون صورةً مخيفة عن رؤسائهم السابقين، وتشكّل كتبهم التي يفضحون فيها معلومات سرية حتماً نداء "صحوة" لمعلّميهم الجدد، فوكان سيرجي تريتياكوف آخر جاسوس يتخلّى عن عمله لمصلحة وكالة الاستخبارات الخارجية الروسية. يُذكَر أنه عمل كملحق إعلامي في البعثة الروسية للأمم المتحدة في نيوريورك، لكنه وجّه في الواقع عدداً من العملاء في الولايات المتحدة والأمم المتحدة.

في كتاب بيتي أيرلي بعنوانComrade J: The Untold Secrets of Russia's Master Spy in America After the End of the Cold War، يقول تريتياكوف إن شيئاً لم يتغيّر، وبات يُسمّى "العدو الأساسي" الذي تحدد وفق المبدأ العسكري السوفييتي خلال الحرب الباردة، بـ"الهدف الأساسي" فحسب.

"لم يتغيّر شيء، إذ تقوم روسيا بكل ما في وسعها اليوم لإحراج الولايات المتحدة. أكرّر: تقوم روسيا بكل ما في وسعها اليوم لإضعاف الولايات المتحدة وإحراجها، ولم يتراجع عدد عملاء وكالة الاستخبارات الخارجية الروسية المقيمون في الولايات المتحدة، لا بل أصبحوا إلى حد ما أكثر نشاطاً اليوم مما كانوا عليه خلال الحرب الباردة. علامَ يدل ذلك إذن؟".

مع ذلك، تغيّر شيء حتماً. فوسائل التجسس التي استخدمتها حلقة التجسس المفترضة التابعة لوكالة الاستخبارات الخارجية الروسية لم تكن محترفة، وستقلق المنظمات الاستخباراتية المنافسة في روسيا. نمّ ذلك عن درجة أسطورية في قلّة الكفاءة، فلم يتم الاستحصال على أسرار تتعلّق بالقنابل المدمّرة للتحصينات، لكن الشبكة تعرّضت للخيانة، ولم يُتّهم المدعى عليهم بالتجسس، إنما بالتآمر مثلاً لتنفيذ مهمّات بصفتهم عملاء حكومة أجنبية غير مسجّلين. لا شك أن كشف شبكة تجسس قبل أن تتمكن من القيام بعمليات تجسس مهمة أمر في غاية الإحراج.       

ذلك لا يعني أن على الاستخبارات البريطانية النظر إلى ذلك بعين الشماتة، ففي العقد الأخير، واجهنا عمليتي ترحيل رئيستين لجواسيسنا في موسكو، الذين أُمسكوا بواسطة الشريط المصوّر متلبّسين وهم يحاولون القيام بما كان الزوجان مورفي يحاولان القيام به حين كشف مكتب التحقيقات الفدرالي أمرهما. في أحد الأمثلة، استخدم مدير المخابرات البريطاني دبلوماسياً روسياً مختلاً عقلياً يُدعى بلاتون أوبوخوف، للتجسس على والده، وكيل وزير خارجية سابق في الاتحاد السوفياتي وأحد كبار المفاوضين على معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى والهادفة إلى إزالة الصواريخ المتوسطة المدى من أوروبا.   

على صعيد آخر، لم يشن مكتب التحقيقات الفدرالي حملة اعتقالاته إلا بعد مضي ثلاثة أيام على أنجح جولة خارجية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين حتى تاريخنا هذا. في تلك الأثناء، كان باراك أوباما وميدفيدف يتناولان معاً تشيز برغر في أرلينغتون في فيرجينيا، من ثم قام الرئيس الروسي بجولة في وادي سيليكون وعاد بجهازه الـiPhone 4 المميز الذي قدّمه له ستيف جوبز. فضلاً عن ذلك، حصل على تعهّد من شركة سيسكو سيستمز باستثمار مليار دولار أميركي كمستأجر في سكولكوفو، مشروع الكرملين المحبّذ لإنشاء واد شبيه بوادي سيليكون خارج موسكو.    

إن الكشف عن حلقات تجسس آخر ما يحتاجه سياسي مثل ميدفيديف يصوّر نفسه كرجل حداثة، فقد هاجم بشدة حكم اللاقانون في روسيا لكنه يجد صعوبةً في إثبات قدرته على محاربته.

لعل واشنطن كانت توجّه عبر كل ذلك رسالة ضمنية إلى موسكو. نستطيع الحفاظ على علاقتنا القديمة أو صقل علاقة جديدة، لكنكم ستحصلون على فوائد أكبر منا إن اعتمدتم الأساليب المباشرة.