شاعر موهوب بالفطرة، لم يقتحم أسوار مبنى الشعر، لكنه ولد داخله، تتناسق قصائده وكذلك أبياته في قصائده، فلا تجد بينها فروقا في المستوى، ومن ينتبه لتناسقه في قصائده وأبياته فسينتبه إلى الحاسة الخامسة في شعره، وهي الترابط بين أبيات كل قصيدة وكأنها عروق بجسد، فقصائده ليست مهلهلة ومتنافرة المعنى، لأنه لا يحشو فلا يضع بيتا بدون أن يرتبط بما سبقه، وبذلك يربط بينها بموهبته وإحساسه وجديته مع الشعر بحبل مضيء يصعب قطعه.

بأمانة فكرية أتحمل مسؤوليتها، وبقناعة تامة على استعداد لإيراد معززاتها، وبحب موجع وكبير للشعر، وبدون ذرة مجاملة شخصية: محمد السالم واحد من الأسماء المهمة التي أستطيع أن أشير إليها وأقول هناك الشاعر، وإن أردت أن تقرأ شعرا شعبيا حيا نابضاً عميقا مشعا مكتوبا بخلطة حبر مكونة من أشياء الروح والقلب والفكر والأعصاب، فشعره واحد من بين مجاميع الشعر التي تقف بالمقدمة، من حيث تكامل حواس الشعر:

Ad

الحيوية والمصداقية والشفافية والتناسق والترابط.

والأولى تأتي من كونه شاعرا موهوبا بالفطرة، لم يقتحم أسوار مبنى الشعر، لكنه ولد داخله، والثانية تكمن في أنه لا يكتب إلا شعوره، ومن الثانية تأتي الثالثة حيث يجعله صدقه الحسي كمن يعرض قلبه على الملا في قصيدته، أما الرابعة فتعود الى موهبته الأصيلة حيث تتناسق قصائده، وكذلك أبياته في قصائده، فلا تجد بينها فروقا في المستوى، ومن ينتبه لتناسقه في قصائده وأبياته سينتبه للحاسة الخامسة في شعره، وهي الترابط بين أبيات كل قصيدة وكأنها عروق بجسد، فقصائده ليست مهلهلة ومتنافرة المعنى، لأنه لا يحشو فلا يضع بيتا بدون أن يرتبط بما سبقه، وبذلك يربط بينها بموهبته وإحساسه وجديته مع الشعر بحبل مضيء يصعب قطعه.

ولو أردت شاهدا من قصائده أو أبياته لصعب علي الاختيار، وهذا لأن كل شعره هو بالنسبة لي شاهد إثبات لكل ما ذكرت، لكني سأذكر هذا البيت مثلا من قصيدة (مفتري):

فجيّت صدري لها رغم الأسى والظروف

وهي تسابق على سهدي وطول سهري

وهو على الرغم من بساطته الظاهرية يقول الكبير العميق، ومع الإشارة إلى أن ضمير الغائب في (لها) يعود إلى المخلوقات الشعرية، فإن اختياره للفعل المشتق من كلمة (الفج) وهي كلمة فصيحة في الأصل تعني من بين ما تعنيه الطريق الواسع البعيد كما جاءت في القرآن الكريم (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من فج عميق) كما انها تعني أيضا الشق العميق، وفجّ الشيء أي فتحه على شكل واسع.

وبتطبيق الفعل على الصدر ذي الضلوع فإن فجّه يعني بعثرت تلك الضلوع يمينا ويسارا لتبدو الهوة التي يطل من إحدى زواياها القلب، وبما أن الاستخدام في البيت لشاعر مبدع فإن المعنى مجازي بالطبع، لكن الأمر في الواقع ومع محمد السالم أقرب إلى الحقيقة، فهو يفج صدره بإحساسه واحتراقه وغرقه شعريا، ويظل يكتب شعره كما لو يفج صدره.

عد لشعره من أجل قلبك وفكرك وليس من أجل محمد السالم، اقرأه جيدا وستجد أن هذا الذي قلته عنه لم أجيء به من فراغ، ومن المؤكد أن هناك من يعتبرونني أجامله، ولن يكون من بينهم من يقرأ شعره كما أقرأه قبل أن أقرر كما يزعمون تقريريتي ومجاملاتي، وأكثر من يتهمونني بالمجاملة يقررون دون أن يقرأوا، وأنت تعرف أني لم أتشرف بمعرفة محمد السالم شخصيا، لذلك فمعه بالذات أنا لست على حذر من تسلل المجانية الى رأيي في شعره من باب العاطفة، كما قد يحدث مع أي شاعر يكون في نفس الوقت صديقا مقربا بيني وبينه حياة مشتركة بلقاءات وذكريات.