تقول الحكمة العربية «الصديق قبل الطريق» ويعتبر علماء النفس أن الصداقة رابط يعادل رابط القرابة بل قد يتفوق عليه في بعض الأحيان.وقد أوصى النبي، صلى الله عليه وسلم، أن يصاحب الأب ابنه بعد بلوغه سن الرشد، والعلة في ذلك أن رابط الصداقة يتيح للطرفين مساحة من الصراحة المتبادلة وعدم الخداع. وللصداقة في الإسلام مرادفات عدة ومعان كثيرة، فهي تعني الصاحب وتعني الخليل، حتى إن الشيخ عبدالفتاح علام (وكيل الأزهر) وصفها بأنها من أسمى العلاقات البشرية إذا توافرت ضوابطها، والسبب وراء ذلك أن العلاقات البشرية غالباً ما تحكمها المتع المادية بخلاف الصداقة فإن المتعة التي تحكمها معنوية. يضيف علام: «المسلمون الأوائل كانوا يتعرفون على طبيعة الشخص الذي يجالسهم عن طريق أصحابه، فينظرون من يصاحب، وقد شددت كل الأدلة الواردة بالسُّنة النبوية على ضرورة اختيار الصاحب، وذلك دليل على أن تأثير الصديق على صديقه ربما يتعدى تأثير الأهل عليه، أو تأثيره هو ذاته على نفسه».د. محمد رأفت عثمان (عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر) يشترط أن يكون الصاحب ذا خلق وعقل راجح وعدلاً غير فاسق، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ». أيضاً من آداب المصاحبة التي اتفق عليها الفقهاء، أن يستر الصديق عيوب صديقه ولا ينشرها، وأن يكون له ناصحاً مترفقاً بحاله، وأن يصبر عليه، ولا ييأس من إصلاحه إن رأى فيه اعوجاجاً، وهذا يؤكد أن الصديق لا يجب أن يهجر صديقه إن رأى به انحرافاً بل عليه أن يقومه وينصحه ويصبر عليه حتى إن آذاه.من جانبه يرى الشيخ فرحات المنجي (المستشار الأسبق لشيخ الأزهر) أن الصداقة نوعان، صداقة مبنية على أساس يزول بزوال السبب مثل الصداقة المبنية على مصالح متبادلة فإن زالت المصالح زالت الصداقة، وهذا النوع من العلاقات يكون مُحرماً إذا كان أحد الطرفين يخادع الآخر تحت ستار الصداقة.أما النوع الآخر من الصداقة وهو الذي أقره العلماء وأوجبته الشريعة فهو الصداقة في الله عز وجل، وفي هذا النوع يجب أن يخبر كل طرف الآخر بأنه يحبه كما أوصى بذلك النبي، صلى الله عليه وسلم، حين قال «إذا أحبّ أحدُكم أخاه فليُعلمُه أنه يحبه» وهذه الصداقة لا كبرياء فيها بأن يبوح أحدهما بحبه للآخر لقوله تعالى «وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ». (الحجر: 88).ويشير المنجي إلى أن مصارحة الصاحب لصاحبه بالحب من باب العهود التي يعد نقضها مكروهاً، لأنها من المواثيق التي تؤلف قلوب المسلمين، ويقول إن عهد الصداقة المبني على الحب والإخلاص وستر العيوب لا يصح نقضه حتى إذا مات أحد الطرفين، والحالة الوحيدة التي ينتهي فيها هذا العهد هي التحريض من قبل أحد الطرفين على عقيدة الله لكن بعد نصحه وتقويمه، فإن لم يهتدِ تصبح صداقته هنا مكروهة لقوله تعالى: «وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ». (الأنعام: 68). وما عدا ذلك فللصديق على صديقه عدم خلف الوعد وحفظ السر وألا يطيع فيه عدواً.
توابل
تحقيق الصداقة في الإسلام علاقة يباركها الله ويحرّمها الفقهاء إذا بُنيت على النفاق
27-08-2009