ليس غريباً ما دأب عليه نواب التأسلم السياسي الذين اكتشفوا أن المجتمع الكويتي منذ نشأته وتكوينه مجتمع بعيد كل البعد عن القيم الإسلامية والعادات والأعراف والتقاليد التي أصَّلها الاسلام والقبيلة ومنهجها السلف الصالح، لكن المستهجن هو ان ينسحب النائب محمد هايف من "لجنة الظواهر السلبية" لأن الذين يمثلهم لن يتمكنوا من التحكم بمداولاتها بعدما فشلوا في فرض هيمنتهم على مواقعها الأساسية.

لقد تزعم النواب المتأسلمون محاولات تصحيح "المسار الفاجر" بنظرهم للمجتمع إلى مسار أكثر تديناً هو في الحقيقة أكثر تزمتا وغلواً. وتراوحت اجتهاداتهم بين محاولات فاشلة لتعديل المادة الثانية من الدستور إلى محاولات أفشل لتأسيس هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومروراً بمحاولات تحريم الغناء والاختلاط وتقنين ساعات عمل المرأة حتى تبخرت عند دخان الشيشة...! هؤلاء لم يتعظوا بتجارب الآخرين ولم يفهموا الدرس جيداً، من مرارة ممارسة الدول التي أخذت من التأسلم السياسي منهجاً فشل فشلاً ذريعاً، سواء في تجارب «طالبان»، أو حتى تجارب السودان.

Ad

هؤلاء الذين ارتضوا دخول العمل النيابي لا لقناعةٍ فيه أو لإيمان بالممارسة الديمقراطية بقدر قناعتهم أنه الوسيلة التي يستطيعون من خلالها تحقيق طموحات العودة إلى القرون الوسطى وتحقيق انجازات عظمى بتشكيل لجان لمراقبة الظواهر السلبية التي حصروها في الفرح أو في ما يرتديه الشباب من أزياء أو ما يرتادونه من منتديات اجتماعية مكشوفة للعلن... وكأن النفاق والرياء والكذب وشراء الأصوات وإقامة الفرعيات المخالفة للقوانين وغيرها من سلوكيات خرق القانون ليست بظواهر سلبية.

وآخر خزعبلات هؤلاء دعوتهم إلى فرض حظر على تحرك زميلاتهم النائبات داخل القاعة وضرورة بقائهن ملتصقات بمقاعدهن حتى يقرع جرس رفع الجلسة! لأن هؤلاء لم يتمكنوا من الخروج من عقدة النظر إلى المرأة على أنها عورة، وليست أما وأختاً وزوجة وزميلة.

وآخر هذه الخزعبلات استقالة هايف من لجنة الظواهر السلبية بعد فوز رولا دشتي بمنصب المقرر، علما بأن هايف كان على دراية بتركيبة اللجنة قبل سعيه الى التزكية إثر تخلي النائب النملان عن المنصب لمصلحته... أو كأن موقفه من وجود امرأة في اللجنة تغير بين ليلة وضحاها.

هؤلاء في حقيقتهم هم ضد المرأة وضد مشاركتها لهم في صنع القرار وصياغته. بل هم ضد رغبة الشعب الكويتي وصاحب السمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد حين نادى بضرورة اعطاء المرأة حقها، وضد الفرحة التي عبر عنها سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، لانتصار المرأة ودخولها البرلمان... أكثر من هذا وذاك، فإنهم جسدوا عدم قناعتهم بالديمقراطية واحترام قراراتها إن لم تكن على هواهم... فكيف يمكن أن يؤتمنوا على الحفاظ على هذه الديمقراطية وصيانتها؟!

إننا نعيش منذ سنوات محاولات بائسة وفاشلة لإحياء رميم دولة «طالبان» التي سادت فأبادت ثم أبيدت... فهل تريد لنا جوقة التأسلم السياسي أن نركب الجبال لنحارب أهلنا لأنهم ليسوا من السلف الصالح؟ وهل يريد نواب الجوقة الاستماع إلى فتاوى بن لادن والظواهري وأبي قتادة وأبي المقداد، لا إلى توجيهات سمو الأمير وولي عهده وحكماء الكويت الذين كانوا أصلاً في بنائها وحفظها عبر الزمن؟ ومن يحمينا من هؤلاء وعبثهم؟