يسأل الراحل سمير قصير في كتاب «تاريخ بيروت»: هل كان أحمد فارس الشدياق مسيحياً، أم كان مسلماً؟ لا يجيب مرقده الأخير في الحازمية الواقعة على مسافة قريبة شرق بيروت عن السؤال، لكنه يعبر أصدق تعبير عن الانقلاب الذي شهده الشرق في الحيّز الزمني الفاصل بين ولادة الكاتب عام 1805 وموته عام 1887.اليوم، لم يعد المكان يجيب عن هوية الشدياق، فلسنوات خلت كنا ننبهر برفع الصليب والهلال معاً على قبره، ما جعل من «الفلكلور الديني» أو «الطائفي» إحدى علامات الصراع على هوية الأديب اللبناني، إلى أن تحطم الهلال والصليب بسبب الإهمال والتخريب... إلى أن أتت الأوتوسترادات لتزيلهما والقبر وأضرحة البشوات من المكان ملغية أحد أشكال ذاكرة لبنان وتاريخه. لا نعرف الى أين نقل قبر الشدياق، أو هل دمر؟ لكن عين القادم من منطقة البقاع ترى أن الجرافة فعلت فعلها من دون ضجة المثقفين. بيروت هي التي كرست شدياق أديباً مشهوراً بعد موته، فأقامت له ضريحاً مهيباً وهذا امتياز لم يحظ به غيره من أقطاب «الثورة الثقافية» على رغم أنهم ساهموا إلى حد بعيد في انطلاقة المدينة، لكن بوابة الأخيرة لم تعد تحتمل قبر الشدياق، وأزيل لصالح ثقافة الكميونات والمعادن والسرعة. فكتور هوغوكانت لهذا الرجل الذي عاصر فيكتور هوغو وغوستاف فلوبير وإدغار ألن بو وشارل ديكنز اتصالات بمستشرقين ومثقفين أوروبيين، وبمفكرين إصلاحيين عرب. وكان بارعاً في اللغة العربية، متمرساً بفن البلاغة ومصطلحات القاموس اللغوي، وفي الوقت ذاته أحد أهم مجددي العربيّة. وساهم بفاعلية في تطوير لغة صحافية حديثة منقّاة من البلاغة الزائدة..يمثل كتاب الشدياق «الساق على الساق» محطة مهمة ومميزة من محطات الفكر النهضوي العربي. إنه أبرز نص أدبي في القرن التاسع عشر ومنعطف في الكتابة العربية الحديثة، على ما يصفه عزيز العظمة وفواز طرابلسي. ويشكِّل في رأي عماد الصلح وثبة نوعية في الأدب قياساً الى عصر الشدياق، وهو أول سيرة ذاتية بمفهومها الحديث في عصر النهضة العربية، وطراز فريد من التأليف العربي، لا يقع حتماً في نوع من الفنون الأدبية المتعارفة، بحسب أنطون غطاس كرم. كانت حياة الشدياق سلسلة عاصفة ومتواصلة من التحدي والمواجهات مع التسلط والاستبداد في عصر كان التحدي فيه نوعاً من الانتحار، وكان العقل السلطوي يحيل التفكير الى التكفير، والرأي الآخر الى التمرُّد والزندقة. في هذا المجال فسَّر جبور عبد النور الجحود الذي لحق بالشدياق، فالأعاصير الدينية التي عصفت بحياته، واستثارت العصبيات ورسخت الحقد عليه، حاولت طمس مواهبه وفتوحاته الثقافية والفكرية، فما كان من أعدائه وأبنائهم وأحفادهم وأنصارهم، إلا أن حاربوه، وانتقموا لأسلافهم بإسدال الصمت على كل ما يتعلق به، محاولين قدر استطاعتهم، سدّ منافذ الطريق الموصلة إليه. في المقابل، سلّط الكاتب المغربي عبد الفتاح كيليطيو مشكلة أحمد فارس الشدياق مع الشعر، مثلاً، مدحه الملكة فكتوريا أملاً في التكسب، ومدح نابليون الثالث طمعاً في التقرب منه، ظناً بأن مدح السلاطين قد يمتد على مدى الثقافات على رغم أنه عرف أثناء مقامه في فرنسا أن الاختلافات التعاقدية بين السلطات والناس ذات وجه مغاير، لكنه بقي ماضياً في محاولاته ونشر قصيدته في مديح نابليون بالعربية ولقارئه العربي. «هذا القارئ الذي سيكون ملجأ الشدياق الأخير بعد أن أعرض عنه القارئ الأوروبي. ليلوذ الشدياق بذويه بعد أن أنكره الأجانب وردوا له شعره بشيء من الاحتقار».لا يمكن اختصار حياة الشدياق بخبر عابر، فهو يشكل نموذجاً لصراع الهويات في المجتمع اللبناني، بل يشكل نموذجاً صارخاً لواقع الطوائف اللبنانية وتحولاتها وتنافرها وتنازعها. ولد الشدياق في عشقوت عام 1805 وذكر في بعض مؤلفاته، خصوصاً «الساق على الساق فيما هو الفارياق» نبذة عن حياته الخاصة وهمومه ومسرّاته بأسلوب يجمع بين الجد والهزل، فقال إن والديه لم يستطيعا إرساله إلى الكوفة أو البصرة لتعلّم اللغة العربية، وإنما جعلاه عند معلم في كتّاب القرية التي سكنوا فيها. وكان معلمه، مثل سائر معلمي الصبيان في بلدهِ، لم يطالع في حياته سوى كتاب «الزبور»، المترجم من السريانية إلى العربية. وكان الطلاب لا يفهمون منه شيئاً لفساد ترجمته وركاكة عبارته. كذلك كان المعلمون أنفسهم لا يعرفون اللغة العربية الفصحى، ولا الخط والحساب، ولا التاريخ والجغرافيا.أقام أحمد شدياق لدى معلمه في الكتاب حتى ختم «الزبور»، ثم أشار على والده أن يعمل بنسخ الكتب في المنزل فلبث على هذه الحالة مدة طويلة استفاد خلالها بتجويد الخط وحفظ كثير من الألفاظ والمصطلحات العربية الفصيحة وفهم معانيها. ولما شاعت شهرته بحسن الخط وجودة النسخ استدعاه الأمير حيدر أحمد شهاب، صاحب كتاب «الغُرَر الحسان في أخبار أهل الزمان» لينسخ له ما كان يجمعه من مخطوطات ووثائق لكتابة هذا المؤلف لكنه كان بخيلاً، ما اضطر فارساً لتركه.أثّر نسخ الكتب إضافة إلى الفقر على صحة شدياق فأصبح كما قال عن نفسه: غائر العينين ناتئ الخدّين، فالنسخ مهنة لا تسد رمقاً، وأيقن أن الرزق الذي يأتي من شقّ القلم لا يكون إلا ضيّقاً. لذلك اتفق مع صديق له على استدانة مبلغ من المال لشراء أنواع من البضاعة، والعمل على ترويجها في بعض القرى المجاورة. فاكتريا حماراً هزيلاً لحمل البضاعة، وبيعها. وبعد مجادلات مع الزبائن، ومحاولات ومصاولات اقتنع الشدياق وشريكه بالإياب، فرجعا بثمن البضاعة وسلما الحمار لصاحبه.قرّرا بعد ذلك استئجار خان يقع على طريق عام في لبنان، واستبضعا ما يلزم لهما من مختلف المواد والأدوات. فلم تمض عليهما غير مدة قصيرة حتى انتشر صيتهما وكثرت زبائنهما وزادت أرباحهما. وصار الخان ملتقى أهل الفضل والبراعة، وأصحاب القصص البديعة والأصوات الشجية. وكان الشدياق وزميله يقومان بمهمة الحكم عندما تثور المناظرة والجدل بين الزبائن وتعلو أصواتهم. ما أثار غضب الجيران، خصوصاً النساء اللاتي أصبحن يشكون هجر أزواجهن لانصرافهم إلى السهر في خان الشدياق وزميله.خانفي أحد الأيام جرت بين أحمد شدياق وجدّه مناقشات ونزاعات بسبب رداءة العمل الذي يقوم به أحمد وزميله. فاضطر أحمد عقب ذلك لترك الخان والعودة إلى البيت. وبعد أيام جاء أخوه أسعد إلى حارة الحدث للتعليم فيها. فجاءه أميران من تلك القرية ليدرسا عنده النحو، ثم انضم أحمد إليهما، وبهذه الصورة تحسنت معرفته للغة العربية على يد أخيه. على أن التنازع الحقيقي في حياة الشدياق وهويته كان بسبب مقتل شقيقه أسعد على يد رجال الدين في لبنان، وكتب قصته المأسوية وتوسع فيها المؤرخ بطرس البستاني، ونشرها في كتاب عنوانه «قصة أسعد شدياق» وطبعت للمرة الأولى عام 1860. تبدأ هذه القصة عندما ذهب أسعد إلى دير القمر لتعليم مبشر أميركي اسمه جوناس كينغ اللغة العربية. فتمتنت العلاقة بين المعلم وتلميذه، وبعد مدة سافر كينغ إلى بلده في إجازة، بعد أن وجه رسالة قبل سفره إلى معارفه وأصدقائه من اللبنانيين، يدعوهم فيها إلى اعتناق المذهب الجديد أي البروتستانتية.عقابوجد المبشر إسحاق بيرد أن من المتعذر عليه إنقاذ أسعد شدياق من سجنه وترحيله إلى خارج لبنان، ففضل السعي لإنقاذ أخيه أحمد الذي اعتنق البروتستانتية وأصبح مرشحاً ليكون مبشراً لهذا المذهب، بالتالي مهدداً بالسجن والعقاب كأخيه. في الثاني من يناير (كانون الثاني) عام 1826 غادر فارس بيروت على ظهر سفينة أقلته إلى الإسكندرية، حاملاً كتاباً من المبشر بيرد إلى مبشر آخر في مصر يطلب فيه مساعدة فارس على السفر إلى مالطا. ولما وصلت السفينة إلى الإسكندرية استقبله القسيس المقيم فيها وأنزله في مسكن يقع بجواره، ولبث عنده ينتظر وصول السفينة التي ستقله إلى مالطا.لما تعرف القسيس إلى فارس شدياق وتحدث معه أعجب بذكائه وسعة اطلاعه، ورغب في استبقائه في مصر، لكن بيرد رفض ذلك رغبة منه في إبعاده عن جو مصر الذي قد يغريه بترك الزهد والتبشير، وبهدف تعليمه اللغة العربية للأجانب وتصحيح ترجمات المبشرين الدينية.عندما وصل شدياق إلى مالطا طلب منه القسيس تغيير لباسه الشرقي، من عمة وجلباب وارتداء سروال ضيّق وقبعة، كي يكون شبيهاً بالمبشرين الأميركيين، كذلك طلب منه أن يتعلم اللغة الإنكليزية للتعاون مع المبشرين.لكن الجو الرطب الذي يسود جزيرة مالطا أصاب الشدياق بداء المفاصل وجعله طريح الفراش، فأشار الطبيب على القسيس إعادته إلى مصر. وبلغت مدة إقامته في الجزيرة سنة أو أكثر قليلاً. ويقال إنه عمل في المطبعة الأميركية هناك، لكن المطبوعات الصادرة منها كانت ركيكة العبارة، وهي غالباً بقلم المرسلين الأميركيين الذين كانوا فيها.عاد أحمد شدياق إلى مصر وإلى زيّه الشرقي عام 1828، ومكث مدة يعمل مع المبشرين الأميركيين. فنصحه أحد معارفه بالاتصال برجل وجيه ليؤمن لـه وظيفة في الدولة. وبهذه الصورة انتقل للعمل في جريدة «الوقائع المصرية» التي أنشأها الوالي محمد علي باشا. وكانت تنشر أخبار هذا الوالي، وفيها كثير من التمجيد لشخصه وأعماله. كانت المدرسة التي سكن فيها الشدياق في القاهرة مجاورة لمنزل تاجر سوري من بيت الصولي، وكانت له بنت مغرمة بالطرب. وكان شدياق منذ صباه يجيد الغناء والعزف على الطنبور، فكانت تصعد إلى سطح المنزل وتنصت لغنائه وعزفه. ولما لاحظ أن صعودها كان لأجله مال إليها، والتقى بها مرات عدة، واتفقا بعد ذلك على الزواج. إلا أن أهل الفتاة رفضوا طلبه حينما تقدم لخطبتها، لأنه كان بروتستانتي المذهب، وهم من الكاثوليك، ولما أصر العاشقان على الزواج وافق الأهل، لكن بشرط أن يعتنق فارس الكاثوليكية ولو ليوم.كان فارس تلقى قبل زواجه عام 1834 كتاباً من رئيس جمعية التبشير في مالطا يعرض عليه فيه وظيفة مترجم ومصحح لكتب التبشير البروتستنتي، وبأجرة تفوق ما كان يتقاضاه من الخرجي في مصر. ولما عزم على السفر أطلع خطيبته قبل زواجهما على ذلك، فرضيت أولاً ثم عدلت عن ذلك بعد الزواج، بحجة أن النساء يتعرضن للخطر أو العقم عند السفر، يضاف إلى ذلك أن من الصعب عليها فراق أهلها وأصحابها في مصر للذهاب إلى بلد ليس لهما فيه قريب أو صديق. فقال لها زوجها إن صديقهما الخرجي سيسافر هو وزوجته معهما، كذلك شجعتها والدتها على السفر والطبيب الذي استشارته في هذا الأمر، فسكن روعها ووافقت على السفر.كتاب الصلواتبدأ الشدياق بتنفيذ العمل الذي جاء لأجله إلى مالطا، وهو ترجمة «كتاب الصلوات» المستعمل في الكنيسة الإيرلندية، لم يقتصر نشاطه على وضع المؤلفات اللغوية، بل صحح أيضاً كتاباً في الجغرافيا بعنوان «الكنز المختار في كشف الأراضي والبحار»، وترجم «شرح طبائع الحيوان» ثم أشرف على طباعة تلك الكتب.أقام الشدياق في جزيرة مالطا 14 عاماً، فعلّم في مدارسها واختلط بسكانها وسجل مشاهداته وخواطره عما صادف فيها. ووضع ذلك في كتاب بعنوان «كتاب الواسطة في معرفة أحوال مالطا». ولما دعته لجنة الترجمة، التابعة لجمعية نشر المعارف المسيحية إلى لندن للتعاون معه على ترجمة «كتاب الاختيارات من كتاب الصلوات العامة» أخذ يسجل ما شاهده في تلك المدينة وفي غيرها من المدن الأوروبية. ثم ألّف كتاباً ضم تلك الذكريات ودعاه «كشف المخبّا عن فنون أوروبا». في تلك القرية بدأ الشدياق بتأليف كتابه «الواسطة في معرفة أحوال مالطا». ومما قاله فيه: «قدّر لي تأليف هذا الكتاب لا في مروج إيطاليا النضيرة، ولا في رياض الشام الأنيقة، فأخال أن بين كل كلمتين منه (أي الكتاب) أرى دخاناً متصاعداً، وظلاماً متكاثفاً. وكنت كلما خرجت من حجري إلى موضع أتوجّس أن يصيبني سوء، إما من تزاحم الناس أو البهائم، أو من رداءة الطعام الذي يؤكل في المطاعم».شملت سخرية الشدياق أموراً كثيرة لاحظها في بلاد الإنكليز، ومن بينها: عاداتهم، تقاليدهم،، مآدبهم، طبخهم، طبائعهم، كساؤهم، بخلهم، بلادتهم، لهوهم ومعتقداتهم، أشرافهم، رجال دينهم، طلاّب جامعاتهم وأساتذتهم... قبل مغادرة الشدياق جزيرة مالطا جرى بينه وبين زوجته حديث تذكرا فيه الأيام السعيدة التي مرّت عليهما في الخطبة والزواج في مصر. فأراد الشدياق التأكد من بقاء زوجته وفيّة له أثناء غيابه، فقالت له: «إعلم أن بعض النساء لا يتحرجّن عن وصال غير بعولتهن لسببين: الأول لعدم اكتفائهن بالمقدار المرتّب لهن منهم. والسبب الثاني لاستطلاع أحوال الرجال واختبارهم، أو لاعتقادهن أن الزوج يخون زوجته عند كل فرصة تسنح لـه. ثم قالت: «وإني أعاهدك على ما كنا عليه من الحبّ والوداد من أيام السطح إلى الآن. لكن حين أشعر أنك بدّلت السطح بالشطح أقابلك بفعل مثل فعلك، والبادي أظلم».بعد غياب دام ثمانية أشهر أو أكثر عاد الشدياق إلى مالطا، بعد أن أنهى الترجمة التي قام بها مع الدكتور لي. وكان أثناء غيابه دائم التفكير في زوجته، وكان يلوم نفسه لعدم اصطحابها معه في سفره. وكانت تمرّ بمخيلته أحياناً هواجس تجعله يسيء الظن بها، لا سيما وأنها سمحت له بالسفر وحيداً مع التشجيع من دون ممانعة.حينما فتح باب منزله شمّ رائحة الخيانة، كما قال في رسالة بعث بها إلى أخيه طنّوس، إذ وجد بصحبة زوجته شاباً وسيماً.ساءت العلاقة بين الزوجين، وتدهورت حالة الشدياق النفسية، فلازم منزله خجلاً من لقاء الأصدقاء، وكانت مصيبته في هذا الحادث لا تقل سوءاً عن مصيبته حينما فقد أخاه أسعد، ومن المستغرب أنه حينما تكلم عن صفات المرأة وطباعها، مخصصاً لها فصولاً عدة من كتابه «الساق على الساق فيما هو الفارياق» لم يذكر شيئاً عن هذا الحادث، بل على العكس غالى في وصف محاسن زوجته ومحبتها وإخلاصها له.في أوائل عام 1850، قرر الشدياق الإقامة في باريس، لأن المعيشة فيها رخيصة، ولغة العرب فيها شائعة وتعلّم الفرنسية للحصول على مصدر الرزق. وكان الأطباء الإنكليز نصحوه بنقل زوجته إلى فرنسا بسبب إصابتها بخفقان القلب، لكن الاخير لازمها هناك، فأشار الأطباء بأن تترك باريس إلى مرسيليا أو إسطنبول، لأن الجو فيهما دافئ، فسافرت إلى الأخيرة ومعها ابنها سليم.مكث أحمد شدياق في باريس من أوائل عام 1850 إلى منتصف عام 1853. وألّف أثناء ذلك ثلاثة كتب هي: «سر الليال» و{الجاسوس على القاموس» و{منتهى العجب». كذلك أصدر كتاباً في قواعد اللغة الفرنسية بعنوان «السند الراوي في الصرف الفرنساوي» بمشاركة غوستاف دوغا (عضو الجمعية الآسيوية آنذاك).توفي الشدياق في صيف عام 1887 في إسطنبول ودُفن في السلطان محمود، إلا أن ولده سليم التمس من السلطان أن يكون دفن جثمان والده في جبل لبنان، عملاً بوصيته، فأذن له القيام بذلك.صاحب أول روايةتحاول الروائية رضوى عاشور في كتابها «الحداثة الممكنة» الصادر عن «دار الشروق» إعادة الاعتبار إلى أحمد فارس الشدياق وكتابه «الساق على الساق في ما هو الفارياق» المنشور بالعربية في باريس عام 1855، إذ ترى أنه «النص الأدبي الأقوى والأغنى في القرن التاسع عشر، فهو يجمع بين السيرة الذاتية والرواية والولع باللغة، ويوظف الكثير من عناصر الموروث الأدبي، بقدر ما يضيف إليه جديداً على مستوى الشكل والمضمون». تسأل عاشور: «لماذا أسقط إنجاز الشدياق وقد أنتج النص الأدبي الأغنى والأقوى في الأدب العربي في القرن التاسع عشر؟»، وتقصد رواية «الساق على الساق» النقدية الساخرة التي تجمع بين السيرة الذاتية والرواية والولع باللغة وتوظيف عناصر الموروث الأدبي العربي بقدر ما تضيف إليه جديداً مضموناً وشكلاً، وتدين لها اللغة العربية الحديثة بمصطلحات عدة وضع الشدياق واستخدمها فشاعت بين الناس منها الاشتراكية والجامعة ومجلس الشوري والانتخاب والجريدة والباخرة والمستشفى والصيدلية والمصنع والمعمل والمتحف والمعرض والملهى والحافلة وطابع البريد والملاكمة والممثل والسكة الحديد وغيرها. تتابع: «هل نقنع بالرد الذي قدمه لنا فواز طرابلسي وعزيز العظمة من أن سبب تهميش الشدياق يرجع أساساً إلى مواقفه الجذرية من القضايا السياسية والاجتماعية ومن بينها مواقفه من المرأة والجنس ومهاجمة الكنيسة، ولماذا لم يعتبر الشدياق رائد النهضة الأول؟».أعادت رضوى عاشور النقاش إلى بدايته في مسألة ساذجة وهي ماهية مؤلف أول رواية عربية، فقبل أشهر صدرت الطبعة الجديدة من «وي... إذن لست بافرنجي» للكاتب اللبناني خليل خوري محدثة السجال نفسه بعدما حققها الشاعر شربل داغر، ليعترض الباحث المصري محمد عبد التواب قائلاً إنه سجل في رسالة الماجستير «بواكير الرواية العربية» عام 1999 أن «وَي... إذن لست بإفرنجي» الصادرة عام 1860 هي السبّاقة في خروج هذا النوع الأدبي إلى النور، وهذا ما لم يذكره داغر في مقدمته للرواية. وقيل إن الرواية التي تلت عمل خوري «غابة الحق» لفرنسيس المراش (1865) ثم «الهيام في جنان الشام» لسليم البستاني (1870) وتلتها «زينب» لمحمد حسين هيكل (1914).في سياق متصل صدرت حديثاُ دراسة للباحث حلمي النمنم جاء فيها أن اللبنانية ابنة جبل عامل زينب فواز وضعت أول رواية حديثة وسبقت هيكل. وثمة من يشير إلى أن «بديعة وفؤاد» للروائية اللبنانية لبيبة هاشم هي أول رواية عربية، من دون أن ننسى روايات مثل «علم الدين» لعلي باشا مبارك و{الأجنحة المتكسّرة» لجبران خليل جبران...
توابل
هُويَّات أحمد فارس الشدياق...
06-12-2009