بدأ الكثير من المناطق السكنية بالتحول إلى تجمعات للعزاب وسط صمت غريب من الأجهزة المسؤولة عن الأمن وعن المحافظة على المخطط المدني الذي أنشئت المدن من اجله.

أنشأ الخليفة العباسي المعتصم مدينة خاصة لأخواله الأتراك، حين أراد أن يستعين بهم لتوطيد حكمه، وظهرت «سُرَّ مَن رأى» التي تحولت لاحقاً إلى «ساء مَن رأى» أو سامراء حالياً، وذلك حرصاً منه على عدم تأثر بغداد بالعادات غير الحميدة للأتراك، فضلاً عن عدم إزعاج سكان العاصمة.

Ad

وفي العصر الحديث، بعد ظهور جهات رسمية متخصصة لإدارة الدولة، أصبحت المهمة الرئيسية للبلدية تنظيم المناطق والتخطيط السليم للأراضي، والحرص على عدم مخالفة القوانين التي تضعها الحكومة، ومن ضمنها منع سكن العزاب في المناطق السكنية، وبناء مدن خاصة بهم.

وفي الكويت تغلغل المقيمون من غير «المتأهلين» وسط الضواحي السكنية الخاصة بالعائلات، وتحولوا من كونهم ظاهرة في البدء إلى أمر مسلَّم به من قِبَل المسؤولين في جهاز البلدية، الذين يتم تعيينهم بناء على «الواسطة والمحسوبية» لا الكفاءة والإخلاص للبلد.

وتئن محافظتاً حولي والأحمدي من الوجود المكثف للجاليات «العازبة» التي امتلأت بها مناطقهما وتشاركهما بقية المحافظات بنسب متفاوتة. يقول أهالي قطعة 12 بالسالمية إن «كثيراً من البيوت أصبحت أوكاراً لممارسات غير أخلاقية، بعد أن أجَّرها أصحابها لعزاب»، وفي ما يلى نص الشكوى: «السلام عليكم... نحيطكم علماً بأننا نحن سكان السالمية قطعة 12، نعاني غزواً ثقافياً وديموغرافياً واجتماعياً، وأخلاقياً أيضاً، والمشكلة خطيرة جداً، وهي محاولة لقلب قطعتنا إلى حساوي جديدة. وتحولت بيوت كثيرة إلى عشش ممتلئة بالعزاب والعازبات والعائلات الآسيوية، حتى غدت بيوتنا جهنم لا نستطيع العيش فيها، مع العلم أننا لا نود ولا نسعى إلى أن تكون القطعة استثمارية.

كما أن هناك بيوتاً تضم مئات الأشخاص من الساكنين فيها، برجاء العلم أننا فقدنا هويتنا الوطنية في ظل كل هذا التغير الديموغرافي في المنطقة. وذهبنا إلى مختار المنطقة، ولم نحصل على نتيجة فاعلة.

والسؤال: أين الحكومة؟ ألا يوجد قانون ينص على أن المناطق السكنية النموذجية يجب ألا تحتوي على غير الكويتيين؟ لماذا لا يطبق القانون؟

مع العلم أنه لا يوجد شارع في القطعة إلا عليه لافتة غرف للإيجار، وأشهر البيوت هو ذاك الذي يطل على طريق الفحيحيل المقابل لمستشفى هادي، والذي يعتبر قنبلة موقوتة. برجاء إنقاذنا؟».

وتلقف سكان الصباحية الرجاء ممزوجاً بهَمِّ أقرانهم في السالمية، يقول محمد علي: «أصبح منظر الأفغاني واقفاً بملابسه الداخلية ومشهد التجمعات أمام الأبواب للعمالة الآسيوية، أمراً مألوفاً في الصباحية». ويضيف: «وأصبحنا خبيرين بأنواع الملابس، فهذا يرتديه الهندي، وذاك اشتهر في البنجاب، بينما هذا القميص يلبس في بيشاور، وهذه الجلابية لإخواننا العرب» مؤكداً أن «رؤية الوانيتات القديمة والشاحنات الكبيرة أمام كثير من المنازل وهي تحمل المعدات الخفيفة والثقيلة أمر طبيعي».

ويعلق خالد تركي بأن «قيادة المركبة في شوارع الصباحية تتطلب حالياً سائقاً ماهراً، يستطيع الإفلات من الحوادث التي تسببها زحمة سيارات العزاب، مع العلم أن أغلبهم يوقف مركبته على الشارع، لا فوق الرصيف فضلاً عن أن كثيراً منهم (غشيم)!».

وعلامات تعجب ثلاث ومعها «الاستفهام» لا تكفي للتعبير عن معاناة الكويتيين في المحافظات الست فضلاً عن الإشارة إلى خطورة وجود هؤلاء العزاب، سواء من الناحية الأخلاقية التي تتمثل في التحرش الجنسي بالأطفال والخادمات، أو من الناحية الاجتماعية، بتغير بعض المفاهيم المحافِظة السائدة، فضلاً عن الزحمة المرورية التي يسببونها في المنطقة، وخلق ثقافة مرورية غير سليمة لدى الجيل الجديد الذي بالكاد يقود سيارته حسب القواعد واللوائح.

يتنهد رجل كبير السن، وهو يقول لـ«الجريدة»: «قد لا يلقى ما تنشرونه صدى لدى المسؤولين في الجهاز الفاسد، ولكننا لا نعتب عليهم، بل نقول لأعضائنا في المجلسين، ونثنّي للحكومة، التي نتمنى أن تكون مازالت رشيدة، خافوا الله فينا وفي أبنائنا، أم تريدون إعادة التاريخ وتحويل (السرور إلى سوء)، ونكرر ما قاله إخواننا في السالمية... أنقذونا».