جهدت الولايات المتحدة، وتحديداً الجهات المسؤولة في مدينة لوس أنجلس الأميركية، لاستضافة الألعاب الأولمبية للمرة الثانية، وبدأ سعيها منذ عام 1920 واضعة نصب عينها تنظيم الألعاب في نسختها الثامنة عام 1924 أو التاسعة عام 1928، إلا أن المسعيَين لم يجدا بارقة أمل أو نافذة صغيرة يلج النور منها كي تُمسي الرؤية حقيقة، فدورة عام 1924 آلت إلى باريس بتمن خاص من البارون بيار دو كوبرتان، بينما كانت أمستردام الهولندية تقف على أهبة الاستعداد لاستقبال الأولمبياد عام 1928، وهي التي كانت عملت، من دون نجاح، لاستضافة إحدى دورتي 1920 و1924، وبناءً عليه انتظر الحلم الأميركي اثني عشر عاماً لاحتضان أكبر تظاهرة عالمية، أي عام 1932 في النسخة الأولمبية العاشرة عددياً والتاسعة فعلياً، وأقيمت الدورة وقتها ما بين الثلاثين من يوليو والرابع عشر من أغسطس 1932 مدة ستة عشر يوماً بحضور رئيس اللجنة الأولمبية البلجيكي هنري دي باييه لاتور، وافتتح الدورة نائب الرئيس الأميركي شارل كورتيس، أما قسم الرياضيين فردده لاعب السلاح الأميركي جورج شارل. في كاليفورنيا «بلاد السعادة والمستقبل وقبلة أنظار الكثيرين»، «موطن صناعة السينما وعالم الشهرة والأضواء والنجوم»، « مكان الطبقة الميسورة وسهولة تحقيق الأحلام» حطت الألعاب الاولمبية رحالها عام 1932 في مدينة لوس انجلس، «عابرة» للمرة الثانية منذ إعادة إحيائها المحيط الأطلسي.كانت المدينة ومحيطها «غير متفقة» والأزمة الاقتصادية منذ انهيار بورصة نيويورك أواخر العشرينيات، فجسدت عالما آخر وفتحت آفاقا جديدة واعتبرت المكان المناسب لتمجيد الرياضة والاحتفال بعظمتها، «على الطريقة الاميركية طبعا».وإذا كانت اللجنة الاولمبية الدولية «شمّرت عن ساعديها لضمان مشاركة جيدة من الدول البعيدة التي وجدت صعوبة في إيفاد بعثاتها نظرا إلى ارتفاع التكاليف بالدرجة الأولى، فأسهمت في نفقات النقل والإعاشة، فان اللجنة المنظمة أرست عددا من الأسس الجديدة لطقوس الألعاب وحسن سيرها إداريا وفنيا.فقد شيّدت الاستاد العملاق الذي يتسع لـ105 آلاف متفرج، وبنيت القرية الأولمبية على بعد نحو 20 كلم من المدينة وفق مقاييس غير معهودة وأساليب في تشييد البيوت الجاهزة وتشييدها، فضلا عن إقامة المنشآت الكبيرة فإلى الاستاد العملاق بنيت قاعة للملاكمة تتسع لـ10 آلاف متفرج، وشيدت مدرجات لـ17 ألف متفرج على طول حوض التجديف، ومدرجات لحوض السباحة تتسع لـ12 ألفا.أقيمت الألعاب من 30 يوليو إلى 14 أغسطس، وامتلأ الاستاد عن آخره في حفلة الافتتاح التي أدّى خلالها قسم اللاعبين بطل السلاح الاميركي جورج شارل، وشهدت استعراضا شارك فيه 150 مغنيا و300 عازف، ورفعت آلاف البيارق والأعلام، وأطلقت آلاف طيور الحمام، فكتب المؤرخ اوجين ماير «انه باختصار عيد أميركا».وتبارى 1429 مشاركا بينهم 127 لاعبة من 40 دولة، وحضرت الصين وكولومبيا للمرة الأولى، وضمّت المنافسات 119 مسابقة في الملاكمة والمصارعة والدراجات والجمباز والفروسية وألعاب القوى والمبارزة ورفع الأثقال والرماية والخماسية الحديثة والتجديف وكرة الماء والسباحة والغطس واليخوت والهوكي على العشب، ولم تشهد مباريات في كرة القدم.وفي النهاية بلغت حصيلة الولايات المتحدة في صدارة الترتيب 41 ميدالية ذهبية و32 فضية و30 برونزية، وحلت ايطاليا ثانية (12-12-12)، وفرنسا ثالثة (10-5-4)، وألمانيا رابعة (4-12-5).وتسجل 18 رقماً أولمبيا و8 أرقام عالمية، وقطف الاميركيون 11 ذهبية من 23 في ألعاب القوى.فرض الاميركيون نظامهم على الجميع إعدادا وإخراجا إذا صح التعبير، حتى إن بعض المدربين المواكبين لرياضييهم من خلف المحيط، رفضوا في البداية فكرة الاختلاط في القرية الاولمبية خشية ان يفسد ذلك خططهم ويكشف أسرارهم الفنية، ولا عجب أيضا من ذكر ان بعض الأرقام القياسية المسجلة من قبل الأوروبيين تحديدا لم «تحظَ باحترام» المضيفين، وشككوا في صحتها، فتجاهلتها الصحافة في تحليلاتها واستعراضها لموازين القوى والتوقعات بشأن المسابقات والأسماء المرشحة لألقابها!.وفرضت السيدات وجودهن في «العالم الجديد» وبرهنت الاميركيات والبولنديات والكنديات وألمانيات أنهن لسن جميلات فقط بل يستطعن الجري والوثب والرمي، وكانت أفضلهن صبية في سن الثامنة عشرة قادمة من تكساس تدعى ميلدريد ديريكسون، وتنادى تحببا «بيبي» وهي أحرزت لقب سباق 80 م حواجز وسجلت رقما عالميا مقداره 11،7 ثانية، ونافست الألمانيتين إيلين بروميلر وتيلي فلاشر في رمي الرمح، وتفوقت عليهما في المحاولة الأخيرة برمية عالمية مقدارها 43.68م.هدف بيبي العظمةكانت أمنية «بيبي» وهدفها الأسمى أن تكون أعظم رياضية، وعلى رغم إيقافها لاحقا من قبل الاتحاد الاميركي لألعاب القوى بـ«تهمة» استخدام اسمها في إعلان للسيارات، إلا أنها احترفت الرياضة وبرعت خصوصا في المباريات الاستعراضية في ألعاب البيسبول وكرة السلة وكرة المضرب، وتفوقت في الغولف فحصدت ألقاباً عدة، وأسست رابطة اللاعبات المحترفات.وكانت «بيبي» تزوجت عام 1938 من المصارع اليوناني الأصل جورج زاهاريس، ولم تقف إصابتها بالسرطان حجر عثرة أمام طموحاتها، إلى أن قضت نحبها سنة 1956 وعمرها 48 عاما.وفي الميدان والمضمار لم يغب الذهب عن الاميركيات إلا حين خاضت البولندية ستانيسلاوا والاسبوتيش التي عرفت بـ«ستيلا والش» سباق 100م، وحققت رقما قياسيا مقداره 11.59 ثانية.وأحدثت ساعات التوقيت الميكانيكية التي أطلق على مقاساتها باللغة الفنية اسم «التوقيت الكهربائي» ثورة في مفهوم الأرقام المسجلة، فها هو الرقم العالمي لسباق الجري 100م يتحطم سريعا ويتدحرج من 10.8 إلى 10.3 ثوانٍ، وبطله الجديد الاميركي أيدي تولان، النموذج الذي حصد أيضا سباق 200م، وتمكّن ومواطنه رالف متكالف من تحقيق الزمن عينه في الـ100م، غير ان صورة خط النهاية حسمت الموقف في مصلحة تولان.سباقات السرعة التي أطلقت «الهيمنة الاميركية السوداء» نظرا إلى كثرة المواهب والأسماء في العدو، حتى أن فريق البدل 4 مرات 100م الذي سجل رقما عالميا جديدا مقداره 40 ثانية لم يضم تولان أو متكالف، وتألف من كيسل وديير وتوبينو وويكوف.وفي سباق 10 آلاف متر غاب الاحتكار الفنلندي للمرة الأولى منذ 1912، وتوّج البولندي يانوس كوزوسنسكي بطلا.كما أحرز مواطنه لوري لهتينن لقبه 5 آلاف متر (14.30 دقيقة) متقدما بفارق ضئيل على الاميركي هيل رالف، وأثارت النتيجة احتجاجات باعتبار أن لهتينن أعاق «ابن البلد». وسوى الأمر لاحقا بكثير من الود والروح الرياضية وآداب الضيافة.نجوم هوليوود تابعوا المنافساتولأن المسابقات كانت تُجرى على إيقاع «أشرطة هوليوود» لم يغب نجومها عن المدرجات أمثال غاري كوبر وتشارلي تشابلن وهارولد لويد الذي شتت خصوره تركيز حكام وسباق 3000م موانع ومراقبيه، فوقع العدّاءون في الارتباك وركضوا لفة إضافية (460م)، ودفع الثمن الاميركي جوماك كلوسكي إذ حّل ثالثا، علما بأنه كان متصدرا حتى النهاية الأساسية للسباق، في المقابل توّج الفنلندي فولماري ايزو هولو.اليابان تفرض نفسها في السباحةأما «الانجازات اليابانية» فكان مسرحها سباقات الحوض، والحصيلة خمس ذهبيات، وبروز يوشييوكي تسوروتا بطل 200م صدرا في أمستردام 1928، إذ احتفظ باللقب وأسهم بحصد بلاده سباق البدل 4 مرات 200م.ولفت اليابانيون الأنظار لأن نجومهم من صغار السن أمثال كومو كيتامورا (14 عاما) بطل 1500م، وياسوجي ميازاكي (16 عاما) بطل 100م حرة، وماساجي كيويكاوا بطل 100م ظهرا، كانوا «خارقين».وأدرك اليابانيون أهمية التفوق الرياضي واقترانه في عكس مدى القوة الاقتصادية والتأثير السياسي فنسجوا على منوال الاميركيين منذ أن قامت فرقهم الجامعية بزيارات للولايات المتحدة عام 1925، ونقلوا عنهم العناية والرعاية بهذا القطاع فأنشأوا وحدات رياضية نموذجية في ست جامعات للإعداد على مستوى عالٍ.أفلت لقب 400م حرة فقط من بين سباقات السرعة من قبضة السباحين اليابانيين وحفظ من خلاله الاميركيون ماء الوجه بفضل بوستر كرابه الذي تفوق على الفرنسي جان تاريس حامل الرقم القياسي العالمي بنحو عشر من الثانية، ودفع الأخير ثمن تركيزه على الممرات التي ضمت يابانيين، فغافله كرابه في الممر الأول وفاجأه عند خط النهاية.وعموما، وكما أسلفنا، لم يكن اسم تاريس متدوالا من قبل الصحافة، ولم يدرج في قائمة المرشحين إلا بعد تجاوزه التمهيديات، ورسم الاميركيون علامات استفهام كثيرة حول رقمه العالمي!.يتذكر تاريس في فيلم وثائقي أعد من مسيرته ان «اجتيازنا المحيط استغرق خمسة أيام ونصف اليوم، لم يكن هناك على متن السفينة حوض لأتدرب فيه، لذا اكتفيت بالتمارين السويدية والجري الخفيف. وقتلت البعثة وقت السفر بتنظيم اللاعبين عروضا ومباريات في الملاكمة والمصارعة والمبارزة، وعند الوصول إلى نيويورك فضّلت التوجه إلى الحوض المتوافر للتدريب على حضور الاستقبال الذي نظمته السفارة الفرنسية، وكان ممثلها خلاله الشاعر بول كلوديل.ومن خلال ألعاب لوس انجلس، تفتحت العيون أكثر على أن الرياضة باتت صناعة يكرّس لها الوقت والجهد والمعدات وتستثمر الأموال، ودرجت موضة تخصيص مدرب لكل رياضي وذلك للمزيد من الثاني في التحضير المناسب.من هناك، بدأ يبزغ تهديد العملقة والمال للألعاب الاولمبية، وستدخل مسرحها السياسة، بعد أربع سنوات في برلين. الظهور الأولمبي الأولشهدت دورة الألعاب الأولمبية في نسختها العاشرة عام 1932 بروز العديد من الأمور لأول مرة، إذ تم اعتماد التوقيت الإلكتروني الذي يقيس الوقت بواحد على مئة من الثانية، كما استعملت الـ«فوتو فينيش» لأول مرة في سباقات السرعة في ألعاب القوى، وجرى إطلاق فكرة تتويج الفائزين على منصة خاصة مع رفع أعلام الدول الفائزة، وعزف النشيد الوطني خلال مراسم التتويج، وباتت عملية التتويج منذ ذلك الوقت تجرى مباشرة بعد الانتهاء من المنافسة بلعبة ما، وليس كما كان معهوداً من قبل إذ كان التتويج وتسليم الميداليات للفائزين يجرى في الحفل الختامي للألعاب، كما رسا في هذه الدورة عدد اللاعبين الذين يحق لكل دولة إشراكهم في مسابقة ما على ثلاثة.القرية الأولمبيةشهدت هذه الدورة بناء أول قرية أولمبية حقيقية جاز تسميتها بذلك، إذ إن فرنسا في دورة 1924 أنشأت غرفاً خشبية حول استاد كولومب الاولمبي مخصصة للرياضين كي يكونوا على مقربة من مكان الحدث، لكنها افتقدت الكثير من وسائل الراحة والمستلزمات الخاصة، فاعتبرت محاولة جيدة وكانت الفكرة وقتها للبارون بيار دو كوبرتان، وقد استمد الأميركيون فكرتهم من التجربة الفرنسية لكن بشكل أكثر تطوراً، فاختلفت الأمور في لوس أنجلس 1932، وأقيمت قرية خاصة مؤلفة من مئات الغرف مع توافر وسائل راحة وغرف طعام ومستشفى وحراسة دائمة ومركز بريد ومركز إطفاء للحرائق وإلى ما هنالك. شوي نامبو (1904 - 1997) لاعب ألعاب قوى ياباني، شارك في دورة الألعاب الاولمبية عام 1928 في أمستردام بثلاث مسابقات، فحل تاسعاً في الوثب الطويل، ورابعاً في الوثب الثلاثي، وعدا في سباق البدل 4×100م مع منتخب بلاده، وفي دورة 1932 شارك وهو يحمل الرقم القياسي العالمي لمسابقة الوثب الطويل، لكنه حل ثالثاً في هذه المسابقة، بعدها نافس في الوثب الثلاثي، ففاز بالذهب محققاً رقماً قياسياً عالمياً جديداً، طور أداءه بنفسه من خلال مراقبته لعدة أمور طبيعية، فطور تقنية ركضه من خلال مراقبته الأحصنة، وحسّن ميكانيكية حركة ذراعيه من خلال تدقيقه في حركة عجلات القطارات، كما استفاد من القردة والضفادع لتنمية تقنية قفزه، عمل بعد اعتزاله محرراً رياضياً ومدرباً للمنتخب الياباني لألعاب القوى في أولمبياد طوكيو 1964، كما عمل أستاذا مدرسيا. هيلين ماديسون (1913-1970) سباحة أميركية من مواليد ماديسون ويسكونسن، فازت بثلاث ميداليات ذهبية في أولمبياد 1932 في السباحة الحرة، مئة متر، 400م، والبدل 4×100م. حطمت ستة عشر رقماً قياسياً عالمياً في سباحات ومسافات مختلفة في غضون عدد مماثل من الأشهر ما بين عامي 1930 و1931، دخلت عالم التمثيل بعد أولمبياد 1932، فاعتبرت أنها محترفة، ومنعت من المشاركة في أولمبياد برلين 1936، بعد الاعتزال عملت في التدريب وبائعة في مخزن تجاري، وممرضة، توفيت بسبب مرض عضال عن عمر 57 عاماً، وتم تدوين اسمها وسجلها في المتحف الأولمبي الأميركي عام 1992.برلين 1936: جيسي أوينز يقهر الدعاية للعقيدة والحزب بعدما عجزت ألمانيا عن استضافة الألعاب التي كانت مقررة على أرضها عام 1916 بسبب الحرب، عادت ونجحت في الفوز بشرف استضافة الألعاب عام 1936 بنسختها الحادية عشرة التي نظمتها ما بين الأول من أغسطس حتى السادس عشر منه في ظل أجواء مشحونة ومتوترة على خلفية حكم النظام النازي لألمانيا الذي عمل من خلال شخص أدولف هتلر على استغلال تنظيم برلين للألعاب للترويج لأفكاره وتطلعاته السياسية الأمر الذي ولّد رهبة لدى العديد من المشاركين خصوصاً في ظل التعصب العرقي الذي كان سائداً، مما جعل العديد من الأصوات تنادي بالمقاطعة، إلا أنه رغم ذلك كانت الدورة على مستوى عال من التنظيم من ناحية المنشآت أو المشاركة أو المستوى الفني، أو الحضور الجماهيري إذ بيعت ما يزيد على أربعة ملايين تذكرة لحضور المسابقات المختلفة.لفت عدد كبير من المؤرخين إلى ان برلين في تلك الحقبة كانت آخر مكان يمكن أن يستضيف الألعاب الاولمبية، نظرا الى موجة العنصرية التي كانت سائدة في ألمانيا، وهي طبعا عكس المُثل الاولمبية ومبادئها السامية.أقرت اللجنة الدولية منح برلين تنظيم ألعاب الاولمبياد الـ11 عام 1932، لكن الحزب النازي بقيادة أدولف هتلر تسلّم مقاليد حكم ألمانيا العام التالي، واتخذ من إقامة الألعاب عنصر دعاية مهما ودعما وإلهابا لحماسة الشعب وتقوية روح الاعتزاز بالعنصر الآري لدى أفراده، مما جعلها تفقد للمرة الأولى غايتها المثلى وتحيد عن هدفها الحقيقي الذي أراده باعثها البارون الفرنسي بيار دو كوبرتان، وهو دعم روح الصداقة بين الرياضيين المشاركين لنشر السلام العالمي. وللمصادفة، فان دو كو برتان توفي في العام التالي لاختتام الاولمبياد.يذكر ان دولا عدة سعت الى نقل الالعاب الى مدينة برشلونة الاسبانية، التي زاحمت برلين عند الترشح، غير ان الحكم الفاشي الذي ساد إسبانيا وقتذاك عمل على أن تبقى المنافسات في برلين، وهي أقيمت بين 2 إلى 16 أغسطس، بمشاركة 4973 رياضيا بينهم 328 لاعبة من 49 دولة.وحضرت للمرة الأولى بعثات من أفغانستان وجزيرة برمودا وبوليفيا وكوستاريكا وليختنشتاين وبيرو.كرتا السلة واليد دخلتا الألعابوشمل برنامج المسابقات كرة السلة والملاكمة والمصارعة والدراجات وكرة الماء وكرة اليد واليخوت والسباحة والغطس والبولو والخماسية الحديثة والرماية ورفع الأثقال والجمباز والتجديف والفروسية والمبارزة والهوكي على العشب وكرة القدم وألعاب القوى، وأصبحت كرتا السلة واليد للمرة الأولى ضمن البرنامج الرسمي.وتصدرت «القوة الألمانية» ترتيب الميداليات بـ33 ذهبية و26 فضية و30 برونزية، إمام الولايات المتحدة (24-20-12) وهنغاريا (10-1-5)، لكن نجم الدورة التي حظيت بحضور مكثف (نحو ثلاثة ملايين شخص) لم يكن ألمانيا إنما جيسي اوينز (23 عاما) القادم من الاباما في الجنوب الاميركي والذي انتزع أربع ذهبيات في الـ100 و200 م، والبدل 4 مرات 100 م، والوثب الطويل، ومنح الرباعون المصريون بلادهم الميداليات من المعادن المختلفة، إذ فاز خضر التوني بذهبية وزن المتوسط، ومحمد مصباح بذهبية وزن الخفيف، وصالح سليمان بفضية وزن الريشة، وابراهيم شمس ببرونزيته، وإبراهيم واصف ببرونزية خفيف الثقيل.وعكست الدورة في بعض فقراتها الصورة الايجابية لـ«العنفوان الألماني»، إذ اضطر الملازم كونراد فون فانغينهايم إلى المشاركة رغم إصابته بكسر في ترقوته خلال سقوطه عن صهوة فرسه أثناء القفز على الحواجز في المسابقة الكاملة للفرق لان انسحابه سيقصي منتخب بلاده.وقد شارك فانغينهايم في المسابقة لكن فرسه تعرضت للسقوط في احد الحواجز، وهو «تدحرج» من فوقها... ونهض معتقدا أنها ماتت، لكنها وقفت بدورها، وتابع الفارس والفرس المسابقة من دون أن يرتكبا أي خطاء في باقي الحواجز. وتوجت ألمانيا بطلة اولمبية، وصفق مئة ألف متفرج بحرارة للملازم الشجاع.رفعت ألمانيا سقف التحدي عاليا، فشيدت في اشهر معدودة استادا عملاقا يتسع لمئة وعشرة آلاف متفرج، ولايزال صامدا حتى الان شاهدا على عصر الهندسة والتصاميم النازية.. وخصصت للرياضيين قرية اولمبية مترامية الإطراف وسط غابة ومناظر خلابة، واعتمد حوض سباحة اولمبي تحيط به مدرجات تتسع لـ20 ألفا.واستاد برلين كان أصلا معلما معماريا أنجز عام 1912، ويتسع لـ30 ألفا، ويضم مضمارا للجري بلفة طولها 600 م بطلب من الاتحادات الرياضية وقتذاك.السياسة تطغى على الأولمبيادوعهدت السلطة إلى البروفيسور مارش نجل مهندس الاستاد بتوسعته، ولما دخل هتلر بعد انتهاء الأعمال وجده صغيرا من وجهة نظره في ما يتعلق بأنشطة الحركة النازية وشبيبتها وتجمعاتها، إذ لم تكن للرياضة الأفضلية والأهمية في هذا الإطار، لكن الغاية تبرر الوسيلة، فمن اجل أفضل إخراج للألعاب يعكس الصورة الايجابية للنازية و«تسامحها» وترحيبها، طُلب من وزير الدعاية والأعلام جوزف بول غوبلز أن يحّول برلين إلى واحة تسامح والفة.. وكان يجول معه وبصحبة قائد الطيران هيرمان غورينغ متفقدين مرافق الدورة ومطلعين على تطور الاستعداد لها... فلا عجب أن علقّت اعلام عملاقة تحمل شعارين متناقضين الصليب المعكوف والحلقات الاولمبية، ولم يعد غريبا سماع صيحات الشبيبة النازية تحيي الشعلة والألعاب وهي ترتدي زيا واحدا، و يرافق أفرادها الوفود!الألمان ارتاحوا في منافسات القوةوقد ارتاح الألمان عموما وهتلر وأركانه خصوصا لنتائج منافسات القوة التي أظهرت أن الشعب يسير إلى الامام، ففي دفع الكرة الحديد رمى الشرطي هانس وولكي الثقل مسافة 16.2 م معززا الرقم الاولمبي ورقي إلى رتبة ملازم، وحطم مواطنه كارل هاين الرقم الاولمبي لرمي المطرقة مسجلا 56.49 م ، وحلّ مواطنه أرفين بلاسك ثانيا (55.04 م). ونال ذهب رمي الرمح غيرهارد شتوك (71.84 م)، وكان حلّ ثالثا في دفع الجلة.وفي سباق البدل 4 مرات 100 م كانت الألمانيات المرشحات البارزات للفوز، إذ حطمن الرقم العالمي في نصف النهائي، وتقدمن في المواجهة الحاسمة بعشرة أمتار على باقي المنافسات، غير أن المفاجأة فعلت فعلها حين سقطت عصا البدل من يدي ايليزي دورفلت فاستبعد الفريق، وطار اللقب إلى الاميركيات، غير أن الآتي أعظم من بعثة الولايات المتحدة وتحديدا السود من أفرادها.فللمرة الأولى في الألعاب الاولمبية يرتفع حاجز الوثب العالي إلى مترين، وقد اجتازه الاميركيان الأسود كورنيليوس جونسون والبيريتون. وعاد جونسون وتجاوز 2.03 م وهو رقم اولمبي جديد صمد 16 عاما. وبات أول اسود يقطف الذهب في برلين تحت أنظار هتلر.كما شهد سباق 800 م ، صراعا بين عدائين أسودين هما الكندي فيليب ادواردز والاميركي جون ورودورف الذي فاز مسجلا 52،9،1 دقيقة.« نجحت» الألعاب وتلقى الفوهر الشكر من رئيس اللجنة الدولية الكونت باييه لاتور، وطلب من الرياضيين الاستعداد للاولمبياد الـ12 بعد أربعة أعوام في طوكيو، لكن شعلة الحرب وأعلامه تقدمت كل ما عداها من جديد وحرقت المثل والأهداف النبيلة، ومثلما ألغيت ألعاب طوكيو 1930، حذفت ألعاب لندن 1944، فلا وقت إلا للقتل والدمار. جيسي أوينز «1913 - 1980» عداء أميركي لامع، من عائلة متواضعة تعمل في الزراعة، لفت الأنظار بشكل كبير في الخامس والعشرين من مايو 1935 حين حطَّم خمسة أرقام عالمية وعادل سادساً في غضون 45 دقيقة، واحد من هذه الأرقام صمد فترة 25 سنة هو رقم الوثب الطويل 8,13م، في أولمبياد برلين عانق الذهب أربع مرات، كسب محبة الجماهير فبات نجم البطولة الأول رياضياً وشعبياً، لم يخض أي أولمبياد آخر خصوصاً أن دورتي 1940 و1944 ألغيتا بداعي الحرب العالمية الثانية، كما انه اتهم بالاحتراف.في نصف نهائي سباق الـ100م خطف أوينز البريق والاهتمام كليهما، إذ سجل 10،2 ثوان، لكن الزمن القياسي العالمي الجديد لم يعتمد بسبب تجاوزه سرعة الريح المعدل.انتقل اوينز إلى الدور النهائي ليواجه العداء الألماني بورش ماير الفائز في نصف النهائي الثاني ومحط أنظار مواطنيه، لكن فتى الاباما عادل الرقم العالمي 10،3 ث، وحل مواطناه رالف متكالف (أسود أيضا) ثانيا 10.4ث، ثم فاز اوينز في سباق الـ200م (20.7ث). وفي البدل 4 مرات 100م، أعطى اوينز العصا لزميله الرابع متكالف الذي هب كالريح إلى خط النهاية، والحصيلة رقم قياسي عالمي جديد من صنع أميركي (39.8ث).كظم هتلر غيظه لعل وعسى يتمكن لوتس لونغ من النيل من اوينز في الوثب الطويل. وبدأ لونغ المنافسة مسجلا 7.54م في المحاولة الأولى، فرفع اوينز سقف التحدي مسجلا 7.74م، وسارع الألماني إلى بلوغ مسافة 7.84م، فحاصره الاميركي بـ7.87م، ولم يستطع لونغ أكثر من معادلة هذا الرقم في محاولته الأخيرة مسجلا رقما أوروبياً جديداً، لكن اوينز استجمع قواه ليقول كلمته في مسك الختام ووثب 8.60م... رقم عالمي صمد 24 عاما... وغادر هتلر الاستاد على الفور في حين كانت ترتفع على السواري اعلام الولايات المتحدة وألمانيا واليابان التي حلّ مواطنها ناوتو تاجيما ثالثا... اعلام دول أركان في حرب بدأ الاحماء لها. تحية «أولمبية غير مألوفة» في 2 أغسطس 1936 استعرض هتلر في الاستاد 4 آلاف رياضي ممدودي الأيدي في تحية «أولمبية غير مألوفة» وبعضهم تصرّف على طريقته وبينهم الاميركيون الذين ساروا أمام المقصورة الرئيسة وقبعاتهم ملصقة بصدورهم، وفاقت الهستيريا الجماهيرية كل حد، وكانت لها ردة فعل معاكسة على الأبطال الألمان المطالبين بالفوز، ولا شيء غيره ما ولّد ضغطا كبيرا على كاهلهم، فكانت الصيحات ترتفع من كل صوب توجّه وتحفّز، كما حصل مع رامي القرص ويلي شرودر إذ نافس وأذناه تضجان بجملة واحدة «وأنت ترمي فكّر في وطنك وزعيمك»، لكنه خسر بفارق أكثر من متر أمام الاميركي كين كاربنتر، غير أن هتلر سُرّ من الألمانيات تحديدا، إذ سجلت جيزيلا مورماير رقما عالميا في رمي القرص (47.63م)، وهزمت لويز كينجر بطلة رمي الرمح البولندية ماريا كاوسنيكايا (43.23 م في مقابل 41.83م)، لكن تيلي فلايشر خطفت الأضواء الأخيرة بتسجيلها رقماً أولمبياً مقداره 45.18م. النقل المباشر تعتبر الدورة الحادية عشرة في برلين الأولى التي تم نقلها عبر التلفزيون على الهواء مباشرة في خطوة تطويرية متقدمة ونقلة نوعية مميزة، وقد تم نشر خمس وعشرين شاشة عملاقة في مسارح مختلفة من برلين، سمحت لعامة الناس بمتابعة الألعاب من دون دفع أي مبلغ مالي مقابل ذلك، بالإضافة إلى بعض الشاشات الخاصة، وتم نقل وقائع سبعين ساعة من أحداث البطولة، استعملت فيها معدات شركة تليفونكين وهي محطة إذاعية وتلفزيونية ألمانية أسست عام 1903. الشعلة الأولمبية لأول مرة في التاريخ الأولمبي جرت عملية الجري بالشعلة من جبل أولمبيا مهد الألعاب الأولمبية القديمة، وصولاً إلى الملعب الاولمبي في برلين بعد مسار طويل حمل خلاله ثلاثة آلاف عداء الشعلة عبر عدة دول، وكانت اللجنة الاولمبية الدولية في مؤتمرها السنوي عام 1934 وافقت على الفكرة التي طرحها السكرتير العام للجنة المنظمة لاولمبياد برلين كارل ديام القاضية بتبادل حمل الشعلة انطلاقاً من اولمبيا، وقد مرت الشعلة في عواصم اليونان، وبلغاريا، ويوغوسلافيا، والمجر، والنمسا، وتشيكوسلوفاكيا وألمانيا، وقد أضاء الشعلة في الافتتاح لاعب ألعاب القوى الألماني فريتز شيلغن.
رياضة
لوس أنجلس 1932: ألعاب في عصر هوليوود... وأول ظهور للمنصات المختلفة الارتفاع لتتويج الفائزين
21-07-2008