لفتتني بعض الكتب التي صدرت في مصر وفي الأصل مدونات لفتيات مصريات أردن التعبير عن أنفسهن من خلال الشبكة العنكبوتية، واللافت أسماء كتبهن وهي : {دي رقصتي انا»، «عايزة اتجوز»، «رز باللبن لشخصين». تعكس الكتب (المدونات) الواقع المصري أكثر من كتب عباقرة الرواية الذين يضجر القارئ من لعبة التخيّل عندهم.

Ad

حين كنت أبحث عن مدونات عربية أخرىـ لفتتني مدونة لفتاة سعودية اسمها سارة مطر، بعنوان «قبيلة تدعى سارة»، لم أكن مقتنعًا بثقافة المدونات، إذ كنت أعتبرها هواية عابرة لا تحقق أية إنجازات، لكن بعد الاطلاع على بعض كتابات المدونات(المصرية) لاحظت أن أكثر ما يميزها الحرية، وأكثر ما يسعى إليه كتّاب(كاتبات) المدونات هو تدوين الأفكار خارج إطار الرقابة. ما أود قوله إنني فوجئت بمدونة سارة مطر التي أصدرت أخيرا كتابها الأول «قبيلة تدعى سارة» عن دار فراديس البحرينية.

وضعت سارة في مستهل مدونتها عبارة «يوميات أنثى سعودية حرة»، أن تقول تلك العبارة فهي تعني أن الحرية ما زالت منبوذة في بعض المجتمعات، وهي تضع صورتها الصغيرة ترتدي نظارة شمسية كبيرة، كتلك التي نعرفها من موضة الستينات الى جانب الكوفية العربية الحمراء، وتتأمل في الأفق، فتاة كاتبة تبحث عن مسار لكتاباتها الحرة في عالم يضج بالممنوعات.

حين بعثت برسالة الكترونية الى سارة طالبًا منها إجراء مقابلة عن مدونتها، اعتذرت لأنها تنتظر إصدار كتابها الأول، وطلبت دار النشر منها التمهّل في ذلك، قلت في قرارة نفسي إن صاحبة المدونة، ربما ستنزلق الى موضة الرواية النسائية السعودية التي أصيبت بحمى الرداءة و{التمرد» على الواقع من خلال استعمال لغة الجسد والجنس وما شابه من مواضيع باتت مستنفدة، ولا تقدم الروايات الجيدة بل المواقف التمردية المستهلكة. لكن من يراقب كتاب سارة يلاحظ أنها آتية من ثقافتها ويومياتها بعيداً عن الادعاء والاستهلاك والشعارات.

تقول سارة في أحد أحاديثها: «بالنسبة إلي لا أعتبر الكتابة في المدونة هروباً من أي واقع أو فشل في علاقة عاطفية أو محاولة للولوج إلى عالم لا يشبهني. كل ما في الأمر أنني أكتب منذ طفولتي قصصاً قصيرة، وبعدها توقفت. لكني سمعت الأساتذة في قسم الصحافة في الجامعة يتحدثون عن المدونات، وشعرت بالحماسة الشديدة لأن زملائي البحرينيين كانوا في معظمهم صحافيين يدرسون في الجامعة ويملكون مدونات، ينشرون من خلالها ما يُنشر في الصحف التي يكتبون فيها!}.

سارة التي تتعلم في كلية الاعلام، في بداياتها وضعت رسائلها الالكترونية في المدونة وحذفت اسم المرسل إليه، بدت تلك الرسائل عبارة عن حكايات يومية وكانت تفريغا يوميا عن الأحداث اليومية التي تعيشها، وجدت أن حياتها مميزة بعض الشيء، فأحبت كل تفاصيلها بصورة مجنونة. الجنون هو الإبداع في مدونة سارة، إذ تقول: {لا أشبه أي سمكة، لكني أشعر بأني في الأصل كنت سمكة، ربما لهذا قررت أن أفر من جلدي، إلى أقرب جزيرة لأقضي فيها خمسة أيام وأتحول فيها إلى سمكة. لا أشبه الأسماك، رغم إني حينما غطست في المحيط الهندي، شعرت بأني كنت في الأصل سمكة».

أو تقول: {أفكر بالسيارة الجديدة وبالكعب الذي لم أستطع أن أمارس من خلاله أنوثتي وأنا أمشي به، فقد كان قاسياً، وما حدث في هذا المساء وأمام بوابة الجامعة، والفتيات يغادرن من حولي ولا أكاد أفهم من ثرثرتهن شيئاً، سوى تباعد السيارة من أمام ناظري، ولمبات الطريق وهي تومض وتختفي فجأة أمامي!

لماذا فجأة نشعر بالإنتماء لأشخاص لربما نراهم لمرة واحدة، ولن نعود نراهم مرة أخرى؟»

مناقشة

تبدو نصوص سارة متينة كأنها ليست مدونة في الأساس، بل يوميات كتبتها على الورق ثم نشرتها في المدونة، وهي إذ تضع نصوصها في المدونة تحظى بمناقشة من هنا وهناك. كان ينبغي لها أن توظف تلك المناقشة في كتاب يومياتها الذي أصدرته، ربما تستطيع من خلالها أن تنسج رواية غنية بالمعاني والتفاصيل والأبطال، فهي تكتب عن عيد ميلادها وطبخ والدتها وجامعتها وصديقاتها، والأرجح أنها تكتب عن أشخاص وأفلام مثل فيلم «في بيتنا رجل»، وهو مقتبس عن رواية لإحسان عبد القدوس الشهير في تناول قضايا المرأة، او تضع عنواناً لصفحة «عبدالله القصيمي» المفكر السعودي الذي كان ممنوعا في بلده، او هي تقول: {أنذا أدعوكم لشقتي، وأسمها «شقة الحرية»، أتعجب من علاقات تحيا وتموت وتتغذى على/ بـ مكالمات تليفون! يعشقون أصواتاً، ويعيشون بأوهام حتى أنهم يجهلون أشكال بعضهم البعض، ولو سألتهم ان يَصِفوها... لما استطاعوا ويسمونه حب»!! وللعلم «شقة الحرية» اسم رواية لغازي القصييي، حظيت باهتمام كبير في السعودية والعالم العربي.

تكتب سارة عن علاقتها بمسرحية «شاهد ما شفش حاجة» لعادل إمام، وعن والدها تقول: «مشكلتي التي ستدوم معي، هي معنى علاقتي بوالدي، لا أعرف كيف يمكنني أن أصف علاقة أي فتاة بوالدها، أشعر كثيراً بمزيد من التأثر، والدي في عمر السبعين، ولا أذكر منه سوى لغته التي يمارسها بهدوء شديد، حديثه الذي لا ينتهي عن السياسة، الطقس، سياسة جورج بوش التي يكرهها، يتحمس لهيلاري كلينتون، وأتحمس أنا لباراك أوباما، لم أكن يوماً عنصرية»... تدوّن يومياتها عن رموز حياتها، من الأصدقاء الى الأدباء والأفلام والأسرة على أن نصها عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أحدث صدمة من خلال التعليقات التي كتبت حوله، وهو نص جريء وكوميدي إذا جاز التعبير.

تضع سارة بريدها الإلكتروني في مدونتها، فضلا عن معظم المقالات التي كتبت عنها أيضاً، والمدونات المفضلة بالنسبة إليها.

أن نكتب عنها هو أن نعرف أنها كاتبة سعودية وقد يصيب كتابها حمى الشهرة التي بدأت مع رواية «بنات الرياض» لرجاء الصانع، تلك التي جعلت القارئ يقع أسير «الميديا»، أو ربما تبقى كاتبة عابرة من دون ضجيج.

من المدونة: سيجارة واحدة فقط..! (الاحد 18 نوفمبر 2007)

حاولت أن أدمن تدخين السجائر ولم أفلح، عجزت أن أكون مثله، أدخن مائة سيجارة في اليوم من دون قلق أو خوف من حدوث أية مضاعفات طبية لجسدي الذي لم يعد يتفاعل مع الأحداث اليومية كما كان يحدث من قبل؟

وبت أتساءل..

هل ما عدت سارة التي تستطيع أن تحرك الكرة الأرضية بإصبع قدمها الصغيرة؟

هل فقدت حماقاتي والحب على إيقاع التانغو، وضحكاتي الزرقاء التي لا أفقه كيف لي أن أعلنها بطريقة صحيحة، هل فقدت فعلاً بكارتي الأولى والثانية، وماعاد لي أي بكارة أستطيع أن أنفضها من جديد!!

عرفت من سكرتيرته التي لم تدمن القهوة المُرة يوماً، لكنّ المفكر اعتاد على وجودها فوق طاولته في التاسعة صباح كل يوم، حتى وإن لم يتذوق طعم النوم في الليلة السابقة، وجود فنجان القهوة فوق مكتبه في الوقت المعتاد، يجعله يشعر بالنشوة الكبيرة وهي تتمدد داخل أوردته، التي حكى عن أنها دماء مسيحية. ذات دهشة طرق بقبضة يده الضئيلة على طاولة مكتبه الخشبية، وقال: ألم تتمعّني مرة في إسمي، ولتسألي كيف استطعت الحصول على مثل هذا الأسم إلا ليكن جدي مسيحيا؟! خشيت أن أقول له إنني لم أتمعن يوماً في إسمي، حتى استدل على مسميات حياتي، فلماذا أتمعن بأسمه وأنا أكتفي به، به فقط في حياتي دون أحد آخر!

لماذا كل الذين يدمنون على السجائر يصبحون فلاسفة، أريد أن أكون مثله دون وجود شارب ولحية كثيفة مهملة على ذقني، أريد أن أكون فيلسوفة فتكرهني صديقاتي لأني بت أمنطق كل الأشياء، وأمي تصبح تبحث عن مقرئ جيد، كي ينفخ في صدري ويطرد كل الشياطين التي تعبث برأسي، وأصبح معقدة ومفرق شعري ينضح بالبياض، وبعدها أفقد عقلي. كانت لدي صديقة مجنونة، لم ينقصها سوى أن نكتب على قميصها هنا العصفورية، كانت أمنيتها أن تكون ابنة رجل فرنسي، ذي أنف ضخم، وشعر أشقر، ويأكل الجبن الأبيض مخلوطاً بالنبيذ. صديقتي هذه تعشق السيارات الحمراء السبورت، وكانت لديها فلسفة غريبة تجاه السيارات الحمراء ومن يركبها، لكنها وللأسف كانت تخشى ركوبها، وكلما مرقت سيارة حمراء سبورت أمامنا في الطريق، تقص الكثير من القصص عن راكبها، حلمه وأمنياته، وتصر دائماً على أن راكبها يفتقد إلى وجود حب حقيقي في حياته، ولكني لم أملك في حياتي سيارة، وكنت أخشى إن ملكتها تكون حمراء، حدثتها مرة عن المطربة الشابة ذات الأنف اليوناني، كنت مغرمة بها وبفساتينها القصيرة التي ترتديها في حفلاتها الصيفية على شاطئ البحر، كانت شهية دائماً وهي تغني من قلبها، وأصبح الجميع يتنبأون بأنها ستموت مبكراً، إذا ظلت تعطل قلبها بالغناء به، وحينما طلقت الفنانة لمرتين، عرفت بالمصادفة أن الفنانة تركب سيارة حمراء سبورت، بكت صديقتي، وأمضت أياماً وحيدة في غرفتها، تتعلم فيها كيف تنفخ السجائر من صدرها، حينما انتهت من بعثرتها، كانت قد أصبحت فيلسوفة، دون وجود سيارات حمراء، رغم أني من كنت مغرمة بالفنانة!