من منّا لم يقرأ شيئاً من كتاب «كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس» لمؤلفه ديل كارنيغي، أو لم يسمع عنه على أقل تقدير، لقد أحدث بعد ترجمته دهشة للقارئ العربي، وأصبح من أكثر الكتب مبيعاً ولسنوات متتالية. لا يمكن لنا أن نفهم سر نجاحه إلا في إطار نظرة شمولية تأخذ بالاعتبار الموضوع والسياق الثقافي والاجتماعي الذي يأتي فيه. يندرج هذا الكتاب ضمن قائمة كتب «تطوير الذات» التخصص الذي نفتقر إليه، بل إن شريحة كبيرة من قراء العربية لم تتعرّف على هذا المجال إلا في أواسط الثمانينات، حين ترجمت بعض الكتب المعنية، وعودة بعض المبتعثين القلائل إلى الجامعات الغربية والأميركية في مجال الإدارة وتطوير الذات.

Ad

حين تخرُج في رحلة «تنزّه» إلى إحدى المكتبات الكبرى، للاطلاع على الإصدارات وجديد الكتب، لا يمكن لك أن تقي نفسك من الوقوع في «الفخ» الذي يرسمه لك جناح «تطوير الذات»، بالتأكيد ستتصفح كثيراً من هذه الكتب واقفاً قبل أن تستجمع قواك لاقتناء كتابين أو أكثر منها. تتمثل جاذبية هذه الكتب في أنها تأتي بعناوين مباشرة وصريحة، لا تحتمل المواربة أو التشبيه والخيال. ولعل ذلك ما يميّزها عن كتب الأدب والخيال العلمي. كذلك تأتي عناوينها في الغالب بصيغة الأمر، بحسب موريس غيلتزمان، مؤلف كتاب «بعيداً عن كتب تطوير الذات».

ويمكن لنا أن نتحقق من هذه المعلومة، من دون تعب أو عناء وبمجرد إلقاء نظرة سريعة على بعض عناوين هذه الكتب التي تقع في أيدينا، ومنها: «غيّر تفكيرك غيّر حياتك» و»حلول غير تقليدية لمشاكل الحياة اليومية» و «الأسرار السبعة للزواج السعيد» و«العادات السبع للأسر الأكثر فاعلية» و«التفكير الإيجابي»... وتتمثل جاذبيتها في أمر آخر وهو اتساع أفقها وتنوع مجالاتها. فمنها ما يتحدث عن الحياة الزوجية الناجحة، ومنها ما يتحدث عن الصداقة والأصدقاء، وكذلك عن مشاكل الأسرة وتربية الأبناء، بالإضافة إلى مجال العمل، والارتقاء بأداء الشركات والأفراد سواء كانوا مديرين أو موظفين، أو حتى ما دون ذلك. ألم أقل إن هذه الكتب تصنع «فخاً» للأفراد، فالناس إما موظفون أو مديرون أو طلاب أو ربات بيوت. جميع هؤلاء يجدون مآربهم، وبُغيتهم منها. لقد صنعت ما يمكن تسميته بـ«القراءة النفعية» في العالم العربي، أي بمعنى أن أقرأ الكتاب كي أنتفع به في مجال عملي، ولأصبح موظفاً أو مديراً ناجحاً، لا سيما وأن هذه الكتب تضعك في الطريق الصحيح، وبصيغة مباشرة، تستند على فعل الأمر.

وأحب أن أتوقف لبرهة هنا عند الكاتب الأميركي جاك ويلش، المدير التنفيذي والرئيس السابق لشركة «جنرال إلكتريك» الذي حقق أرباحاً كبيرة لشركته ونقل خبرته الحياتية، في مجموعة مؤلفات أبرزها كتاب «الفوز» الذي ألفه بالإشتراك مع زوجته «سوزي ويلش». يخبرنا هذا الكتاب أن أي إنسان يمكن أن يكون مديراً ناجحاً، كذلك فإن أية خبرة حياتية حقيقية يمكن أن تترجم في ثنايا كتاب يستفيد منه الجميع، فالكتابة والتأليف لم يعودا مقتصرين على الأدباء وأساتذة الجامعات.

تنطوي قراءة هذا النوع من الكتب على حسنات كثيرة منها أنها لا ترتبط بطائفة أو دين أو عقيدة معينة. كذلك ليست مرهِقة من الناحية الذهنية، وليست لها علاقة بصراع الحضارات أو الأديان؛ لذا تسهل ترجمتها إلى اللغات كلها، ويتداولها الناس في بقاع الأرض من دون «رقابة» أو حيطة وحذر. وفي رأيي أنها أعادت شيئاً من الاعتبار إلى القراءة في العالم العربي، وبالطبع يمكن أن نضيف إليها ظاهرة ازدهار الرواية التي بدأنا نلحظها أخيراً وإن على استحياء. المهم في الأمر أن يقرأ الناس. وأهلاً بالكتاب أياً كان شكله.