يبدو أن وداع الرئيس الأميركي للبيت الأبيض وختام السنة وأعيادها الميلادية لم تحفل بكل الأمنيات الطيبة، خصوصاً ما قدمته له بغداد من اتفاقيات مهمة أهم بكثير من حذاء الزيدي، إذ مكسب الاتفاقية الأمنية والعسكرية سيحظى به أوباما والإدارة الأميركية فيما ذكرى الحذاء ستظل في ذاكرة الرئيس وذاكرة الأرشيف الأميركي وإعلامه.

من دون شك فإن طريقة قذف الحذاء على وجه رئيس دولة عظمى يعتبر إهانة كبيرة للشعب الأميركي وليس لنظامه السياسي أو إدارتة التي لا نفهم مغزاها بقدر ما نفهم الحالة الاستعراضية التي حاول بها صحافي مغمور أن يصبح واجهة الحديث الإعلامي العالمي في تلك اللحظة، وهذا ما كان يطمح إليه استعراض الصحافي منتظر الزيدي، الباحث عن بطولة فردية في لحظة إخفاق تاريخي وهو يشهد تبادل العناق والمصافحة بين المالكي والرئيس بوش، وهما يتبادلان متعة الابتسامات حول إنجازهما التاريخي لكل بنود الاتفاقية.

Ad

من حق الزيدي أن يفتش عن بطولته في الشارع العراقي وفي ثقافة ذلك الشارع، الذي كان جزء منه يعيش لحظة الهزيمة، فيما كان هناك جزء سعيد بأن الاتفاقية ستنتهي مع عام 1211، ويستلم الشعب العراقي مهماته في إدارة بلاده عسكريا وأمنيا، فللعراقيين ثقافتهم الخاصة مع «القندرة»، إذ من النادر أن تجد شعبا يشتم بعبارات «القندرة»، فيما العراقيون حالما يغضبون لا يجدون أمامهم إلا عبارة «يا القندرة» و«ألعن أبوك يا القندرة» وهنالك سيل كبير من عبارات «القندرة» انطلاقا من تلك الثقافة التحتية، فيما حظي العقال بثقافة العلو والفخر، ولا يُلقى إلا إذا تم الشعور بالخزي، فيبدأ إلقاؤه في الأرض مع البدء بشتائم «نزلت عقالنا يا ابن القندرة» وهلمّ جرا.

ولهذا سيكون كل الحفاة في العالم سعداء بتلك الخطوة، فيما سينقل الأمن الأميركي الحذاء للمختبرات لفحصه، فربما فيه حمض نووي منذ فترة البحث عن أسلحة الدمار الشامل مرة أخرى.

ستكون لرحلة الحذاء من بغداد إلى البيت الأبيض حكايات كثيرة من الفانتازيا من بداية وضعه في المتحف إلى قصة مصانع إنتاج الأحذية والبحث عن نوع الماركة التي كان يحملها الحذاء، ولكل النكات الممكنة والقصص التي كنا نحن نتداولها يوميا، وربما يبقى الزيدي لأيام طويلة سعيدا ببطولته وهو يتلقى الصفعات خلف الجدران، ويسمع الشتائم من رجال الأمن العراقي «فشلتنا يا القندرة مع الناس!!» وسيقدم إلى القضاء تحت مواد عدة، وسيبدأ المحامون بالتفنن في البحث عن مواد ممكنة لتخفيف الحكم، فلا يوجد في القانون العراقي قصة الحذاء والرئيس الأجنبي.

لو عاش الدكتاتور يا تُرى قبل الإعدام ماذا سيفعل به؟ هذا إذا سلمنا أنه كان بالإمكان الوصول إليه بكل سهولة، كما هو ممكن مع رئيس أميركي تصور العراقيون أن الصحافي كان في ولاء كامل للنظام الجديد... من حق الديمقراطية الجديدة في العراق أن تفتخر بأنها باتت تحظى باحترام في الغرب بعد حكاية الحذاء، غير أنها داخل العراق ستُدخل جهاز الأمن في ربكة جديدة، وسيزيد من قبضته على الإعلام والصحافة في كل لقاء صحفي، فهل سيكونون سعداء بهذا أم سيصابون بخيبة أمل ومضايقات بسبب حذاء أحمق اعتبره المعادون للنظامين دلالة عظمى ورمزاً للفخر الساذج؟!

لكل حكاية وجوه عدة، وسيبدأ الشارع العراقي جداله في الحدث، وسيبحث دعاة النكتة عن كيفية سردها في المقاهي، ففي لحظة حدوثها سيبدأ التعليق والجدال المتناقض حول كل ما نتج من عملية قذف الحذاء الذي لم يحقق أي تغيير على المستوى السياسي والعسكري، ولكنه سيتفاعل بطريقته الخاصة، وسينسى الناس مع الوقت حذاء الزيدي كما نسوا «حكاية حذاء الطنبوري» بينما يخرج الزيدي من السجن إلى الشارع رافعا رأسه حافيا عقاباً له، وقد فتحت له كل دكاكين الأحذية أبوابها، فيما بدت رجلاه من الضرب داميتين.

كل تلك القصص ممكنة في سجون العراق وأقبيته، فليس للتصريحات في الصحف عن الديمقراطية أحيانا كل معاني الحقيقة، فما يقال للإعلام لا يعكس ما يدور خلف الكواليس، ومهما حدث من عقاب شديد فلن يبلغ عقاب صدام لو أنه كان على قيد الحياة، بل لم يكن مثل الزيدي أو غيره يجرؤ في رفع حذائه فوق رأسه.

ولكن كابول كانت تستقبل الرئيس بوسام رفيع امتص حزنه، وهو في الفضاء قادما من عاصمة الرشيد، فاستمع الأفغان وإدارة كرزاي من الرئيس كل التطمينات، بأن أوباما سيكمل نهج أميركا في ملاحقة الإرهاب والدفاع عن أفغانستان، وإدارة كرازي التي تعثرت في القضاء على حركة طالبان بالسرعة المطلوبة.

أخيرا عاد الرئيس بذكريين: حذاء الزيدي ووسام كرازي، ولا يعرف كيف يتعامل معهما في لحظة واحدة؟!

* كاتب بحريني