أما وقد عاد سمو الشيخ ناصر رئيساً مكلفاً للوزراء، فإن كلمة حق يجب أن تقال للمعنيين وأمام الشعب الكويتي كي لا تتكرر التجارب المُرّة ولئلا نستفيق بعد فترة قصيرة على أزمة بين المجلسين ستكون هذه المرة بالتأكيد أزمة نظام وليست مجرد تأزيم في النظام. لم يختلف أحد في أن ما شهدناه قبل أيام عرس ديمقراطي كامل. فلا شبهات تزوير ولا مخالفات تُذكَر ولا طعون ذات بال، بل أكثر من ذلك: إنجاز كبير تجسَّد في انتخاب أربع نساء وكسر حاجز "المحرمات" الاجتماعية الموروثة وفتاوى التحريم المتخلفة التي ذهبت هباءً. لذا، من المعيب أن نحوِّل العرس الانتخابي الذي عشناه إلى مأتم سياسي يفتتحه تشكيل حكومة أقل من مستوى طموح الناس ورغبتهم في التغيير التي عبروا عنها في صناديق الاقتراع، أو أملهم الذي تشاركوا فيه على مختلف التوجهات من خلال تعبيرهم الحر عن خياراتهم وتطلعهم إلى حل المشكلات الجوهرية وعلى رأسها مشروع التنمية لتحقيق كويت المستقبل بدءاً من اليوم. لا نعفي مجلس الأمة من التبعات، إن تعسّف في استخدام الأدوات الدستورية أو تجاوز حدود الرقابة الى التدخل في صلاحيات مجلس الوزراء. لكن، وبصراحة مباشرة نقول، إن أي تأزيم يلوح في الأفق القريب تتحمل مسؤوليته الحكومة إن لم تتوافر فيها مجموعة شروط بديهية هي خلاصة التجارب السابقة، لئلا يلدغ الشعب من الجحر مرتين، ولئلا يسقط البلد مجدداً بين فكي المغامرة والاستهتار.هذه الحكومة يجب أن تكون أفضل من المجلس، لأنها ببساطة شديدة، نتاج اختيار وتعيين وليست قادمة بالاقتراع أو منبثقة من أكثرية نيابية تلزمها بالمواصفات. فلا يجوز أن توزِّر المرفوضين شعبياً أو الذين لاكتهم الألسن أو أولئك الذين شاركوا في الفرعيات، مثلما لا يجوز التذرع بضيق الوقت أو قلة الرجال لاستحضار وجوه من الأرشيف السياسي سيفشل في إصلاحها أي عطّار.نعم نريد حكومة أفضل من المجلس للسير بالكويت إلى الأمام ودفع المشروع التنموي بلا تردد ومن ضمن رؤية واضحة. لكن شرطها الأساسي أن تكون قوية. والقوة ليست صفة بلا مضمون، فقوامها الكفاءة ونظافة الكف، وعضدها الحقيقي إرادة سياسية لا تخشى المواجهات. بل على العكس من ذلك فإن حكومة واثقة بنفسها سترحب حتماً بالاستجوابات، وستتصدى للكيدي منها ولأي تحامل بشجاعة تحفظ حسن سير السلطة التنفيذية ومبدأ فصل السلطات... وحكومة قادرة لابدَّ من أن تتمتع بأغلبية مريحة تتعاون معها لإقرار المشاريع التنموية ولمواجهة الأفكار التخريبية التي تبدِّد الأموال العامة، ولن يكون أمامها مكان للأعذار والتذرع بالتأزيم لتبرير الشلل المتحكم في مفاصل الدولة في كثير من الميادين. نريد حكومة لا تخاف من المواجهة، ولا يخشى رئيسها الاستجواب. وسننظر بأسى وشفقة إلى أي تشكيلة تبحث في اللائحة عن مخارج لإجهاض الدستور. وسنرفض أي سلوك من هذا النوع لأنه هروب يلتف على الدستور.إن أي حكومة لا تستوفي ما ذكرنا من شروط تتحمل وحدها مسؤولية إجهاض المشروع التنموي، وستكون السبب الأول في مواجهة مبكرة مع المجلس لا ينفع معها التحريض على النواب المعارضين وتعليق الأخطاء على مشجب البرلمان. أما أي رهان على حل غير دستوري فهو مرفوض في الأصل والأساس.الحكومة المقبلة مطالبة بأن تكون حكومة وليست ظلاً لحكومة أو هيئة تصريف العاجل من الأمور في انتظار نضج أفكار لمستقبل النظام تهمس بها الكواليس بينما يفترض أن تكون ساحتها مجلس الأمة وفي وضح النهار. فلتُشكَّل حكومة قوية تملك ميزتي الكفاءة والشجاعة، فهما مفتاح ممارسة السلطة باحترام، وهما الباعث الحقيقي لاستقرار سياسي هو شرط ضروري للخروج من الأزمة المالية ومن كل الأزمات.
آخر الأخبار
نريدها حكومة أفضل من المجلس ولا تتذرع بالتأزيم
21-05-2009