إذا كان من المهم اليقظة لكل شيء في ظروف صعبة، فإن إخافة الآخرين وإدخالهم في حلقة الرعب ليست ظاهرة حميدة، فلكل دولة قناعتها وعلاقاتها بكيفية التعاطي مع الإرهاب الدولي وإيران والملف النووي، ولكن ليس لكل دولة وجهها الابتزازي والمراوغ في السياسة. لم تكن منطقة الخليج تتعاطى مع مسألة اسمها بيانات اليقظة والتحذير لمواطنيها والرعايا الأوروبيين المقيمين فيها إلا في أوائل التسعينيات، وتحديدا بعد الانتهاء من تحرير العراق، وبدء تصاعد لهجة التهديد بالضرب والتصعيد والملاحقات ومعاقبة كل الدول التي وقفت ضد جيش صدام المقبور. ومنذ تلك الحقبة ونحن نسمع بين شهر وآخر تحذيرات وروائح متصاعدة من أجهزة الأمن والإعلام تحذرنا من احتمال وإمكان حدوث أعمال إرهابية في هذا البلد أو ذاك.وازدادت تلك الرائحة مع تنامي ظاهرة الإسلام السياسي وبروز التيارات المتشددة، التي دشنت عصر المواقع الإلكترونية بثقافة الموت والدمار، فأخذت تبعث ببياناتها ومنشوراتها لكل جهة تقف ضدها وتنذر بملاحقتها. وقد برز بشكل واضح في الفترة ما بين عامي 1993-1994 مجموعة يقودها بن لادن، حيث أخذت تهدد بملاحقة الأميركان والمواقع العسكرية الغربية ومواقعها الحيوية كالقواعد ومناطق النفط، فكانت عملية الخبر باكورة كبيرة لتلك الأعمال. ولا يمر صيف إلا ونسمع بتحذيرات تبثها السفارات الغربية تحذر فيها رعاياها بعدم الاقتراب من الأماكن التي تهدد حياتهم، وعليهم اليقظة والحذر من تلك الأعمال الإرهابية، بل كانت توصيهم أحيانا بالمغادرة لكونها جمعت معلومات استخباراتية حول إمكان قيام التنظيمات الإرهابية بأعمال قتل وتخريب، فتزايد شعور الرعب والخوف بين مواطني تلك الدول خصوصا مواطني الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين بدأتا تتفننان في مستويات التحذير بتلك الخطوط والألوان الخضراء والبرتقالية والحمراء، فنتذكر مراحل بيكاسو اللونية الثلاث التي مرت بها لوحاته.وتصاعدت حدة ذلك الخطاب المرتجف بعد تشكل جماعة «القاعدة» وقيامها بالمزيد من الأعمال ابتداء من أعمال غينيا ودار السلام والبرجين في نيويورك، حتى أعمال مترو لندن وقطار مدريد. وانتقلت تلك الحساسية الأمنية والإعلامية لبلدان الخليج ومواطنيها، فوجدنا الصيف أكثر سخونة بالتحذيرات لمواطني هذه البلدان، كلما قرروا حمل أمتعتهم لوجهات صيفية، وكلما توترت العلاقات بين ذلك البلد الخليجي وتيارات إسلامية لا تخفي عداءها المقابل للولايات المتحدة وحلفائها في الغرب، وفي مقدمتهم بريطانيا، ووجدنا الإنذارات والتحذيرات المتلاحقة بعبارات تنصح المواطنين بـ«المغادرة وعدم الاقتراب واليقظة» إلى آخره من عبارات الفوبيا المفتعلة أو القائمة على حسابات سياسية بغطاء أمني وإعلامي مضخم، فمنذ صيف أغسطس وغزو الكويت حتى يومنا هذا ومناخ وروائح الإنذارات تلاحقنا وتلاحق مواطني سفارات غربية تعيش في بلدان الخليج، فنشعر من خلالها بأهداف ودوافع لا تسر كثيرا، إذ يتم زج البلدان في مشاكل وخلافات قائمة ومصالح عدة بين طرفين متنازعين حول قضايا خلافية، فلماذا صار صيفنا، الذي يبدأ من شهر يونيو إلى سبتمبر، مخيفا تتطاير فيه التفجيرات، وكأن الأعمال الإرهابية صارت موسمية وجغرافية وسياسية مرهونة بتوتر خفي ومعلن بين تلك القوى الكبرى والتيارات المتشددة، التي لا تخفي كراهيتها ومواقفها إزاء العالم جميعا، لمجرد تنديده بالأعمال الإرهابية، وتضييق الخناق على حركتها.ما أثار انتباهي هذا الصيف وهذه المرة ليس عادة التحذيرات الصيفية المرتقبة من بعض السفارات مع ابتداء تحضير الناس حقائب السفر فقط، بل تشكيل خطاب لا يعبر إلا عن روائح كريهة تنثرها وكالات الأنباء كلما أمعنا النظر فيه جليا. فنقلت لنا من موقع للسفارة البريطانية تعبيرا مفاده «نعتقد أن الإرهابيين ربما يخططون لتنفيذ هجمات في دولة الإمارات العربية المتحدة» وبذلك رفعت السفارة البريطانية درجة التحذير من «عام إلى عال» وهي بذلك تستخدم مصطلحات لغوية بدلا من الرموز الإشارية كالألوان، ونتيجتها في المحصلة واحدة، وفي الوقت الذي عودتنا السفارة البريطانية بلكنتها وغمغمتها الإنكليزية بعبارة ربما ومن المحتمل ومن المتوقع وعرضة للتغير في عملية مستويات التحذير في السفر وغيرها، نجد أن الطرف الآخر كالإمارات التي تمت عملية التحذير فوق ترابها تلزم الصمت كون أن للبريطانيين طريقتهم في الإجراءات الاستخباراتية. ولكن يبدو أن اللعبة أبعد من ذلك، إذ تم دس عبارات ملتوية تهدف إلى اتهام الإمارات بنوع من التواطؤ مع تنظيم «القاعدة» كنوع من اتفاق غير مكتوب، هو غض الطرف عنهم في تحركهم عبر الإمارات مقابل عدم مهاجمة تنظيم «القاعدة» لهم، ومن يقرأ بدقة ما جاء في البيان يكتشف بكل سهولة الرائحة الكريهة من ذلك، بل أبعد من هذا إعادة التذكير بأن الإمارات مركز لغسل أموال الإرهابيين، وكأنهم يشددون على الإمارات بضغوطهم تلك من أجل العمل حسبما يريدون بالكامل. والأبعد من ذلك أن هذا التحذير جاء مباشرة بعد الإعلان عن قرار أوروبي بتصعيد سقف العقوبات على إيران بتجميد ودائعها البنكية، في وقت تتصاعد في بلدان الخليج روائح الاحتمال الممكنة لضربات استباقية لإيران، وعلى مواطني المنطقة ومن يعيشون فيها الاستعداد لمثل ذلك الاحتمال، بل بإمكان إيران أن تمارس عبر خلاياها النائمة التي كنا نسمع بحكايتها بعيدا وقريبا، رد فعل لذلك الضغط الاقتصادي، وإمكان المواجهات العسكرية. ما تمارسه بعض السفارات وإعلامها على لسان حال رجال أمن سابقين مثل «كليف كنوكي» تكمن فيه رائحة خبيثة كالعادة. فإذا كان من المهم اليقظة لكل شيء في ظروف صعبة، فإن إخافة الآخرين وإدخالهم في حلقة الرعب ليست ظاهرة حميدة، فلكل دولة قناعتها وعلاقاتها بكيفية التعاطي مع الإرهاب الدولي وإيران والملف النووي، ولكن ليس لكل دولة وجهها الابتزازي والمراوغ في السياسة. * كاتب بحريني
مقالات
بيانات التحذير من الأعمال الإرهابية
22-06-2008