إذا كانت السينما مرآةً للواقع، فإن المرأة الفلسطينية تمثّل الواقع الفلسطيني بكل ما يحمله من تردٍّ وقسوة وإحباط ومأساة، فإلى أي حدٍّ نجحت المخرجات الفلسطينيات في رصد هذا الواقع وترجمته، بوصفهن الأكثر قدرة على التعبير عن المعاناة اليومية؟

Ad

السطور التالية محاولة لتأمّل تجربة «نون النسوة» في رصد الهم الفلسطيني وهموم المرأة الفلسطينية، خصوصاً أن هناك جيلاً واعداً من المبدعات الفلسطينيات المهمومات بمشكلات الوطن، بل إن بعضهن نجح في اقتحام المسكوت عنه.

حول واقع الأسيرات، قدمت بثينة الخوري فيلمها «نساء في صراع» والذي يروي تجربة أربع نساء داخل السجون الإسرائيلية وتعرّضهن للاغتصاب والإساءة الجسدية وسيرهنّ عاريات داخل زنازين السجناء الرجال. وقد عانت الخوري من رفض نساء كثيرات الحديث معهن عن فترة اعتقالهن، لكنها نجحت في النهاية في نقل هذه التجارب على الرغم من قسوتها وما تحمله من خصوصية.

لم تختلف الحياة داخل المخيمات عن خارجها، فالألم في الحالات كلها واحد وإن اختلفت أشكاله، وفي هذا الصدد قدمت المخرجة مي المصري فيلم «أحلام المنفى» الذي يحكي قصة امرأتين - منى ومنار- واحدة في مخيم «شاتيلا» في بيروت، والأخرى في مخيم «الدهيشة» في بيت لحم بفلسطين، ويصوّر أحلامهما ومعاناتهما عبر لقاءات متكررة على جانب الشريط الشائك الفاصل بين جنوب لبنان المحرر وشمال فلسطين المحتلة.

قهر وحلم

أما المخرجة الشابة ميس دروزة فقد وثّقت تاريخ المرأة الفلسطينية من خلال تاريخ نساء عائلتها «دروزة» في فيلم «خدني إلى أرضي» والذي يروي كيف صمدت نساء العائلة في غياب الرجال على رغم تعرضهن للسجن والنفي والشتات والغربة.

كذلك رصدت المخرجة علياء أرصغلي في فيلمها «بعد السماء الأخيرة»، ما تعرّض له سكان القرى الفلسطينية التي دمِّرت عام 1948 من معاناة، وذلك بعد أن هجِّر سكانها إلى داخل إسرائيل، فسكنوا بالقرب من منازلهم التي هجِّروا منها ولكنهم لا يستطيعون العودة إليها أبداً، بعدما أقيمت على أنقاضها مستوطنة يهودية.

أما حلم العودة فقد جسّدته المخرجة منى جريدي في فيلمها «أنا في القدس» الذي يحكي عن فتى فلسطيني في الثالثة عشرة من عمره يزور للمرة الأولى مدينة القدس المحاصرة والمحرمة عليه، فيكتشف حياتها اليومية وتقاليدها وطقوسها، وإجراءات التهويد المتصارعة فيها.

هذا الحلم رصدته أيضاً آن ماري جاسر في فيلمها «ملح هذا البحر» من خلال «ثريا» التي ولدت في نيويورك وعندما كبرت قررت العودة للإقامة في وطنها الأصلي، لكن بمجرد وصولها إلى المطار تكتشف معنى الحواجز والإغلاق على الرغم من أنها تحمل جواز سفر أميركياً، وحين تذهب لاستعادة حق جدها من الأموال التي أودعها في أحد المصارف قبل قيام إسرائيل، تفشل فتسطو مع بعض رفاقها على المصرف وتستعيد أموال جدها فحسب ومبالغ أخرى كفوائد.

في هذا الصدد قدمت ساهرة درباس فيلم «غريب في بيتي» والذي تلملم فيه أوجاع وطنها وحكاياته عن المنفى والأرض المسلوبة وتعيد طرح المأساة الفلسطينية من زوايا جديدة، فترصد قصة ثمانية فلسطينيين من القدس الغربية، أجبرتهم إسرائيل على مغادرة أراضيهم ومنازلهم خلال حرب 1967، وبعد أربعين عاماً تعود ساهرة درباس مع الفلسطينيين الثمانية إلى منازلهم القديمة ليستعيدوا ذكريات النكبة المؤلمة.

أما نجوى نجار فقدمت فيلم «المر والرمان» الذي يدور حول الفتاة قمر التي تعمل راقصة في فرقة للفنون الشعبية وفي يوم زفافها يُعتقل زوجها على خلفية نشاطاته السياسية ضد الاحتلال الإسرائيلي.

وحاولت المخرجة ليانا صالح في فيلمها «كرة وعلبة ألوان» التأكيد على فكرة الطائرة الورقية الملونة بألوان العلم الفلسطيني والتي تحلق فوق الجدار الفاصل رمزاً جميلاً لتجاوز حدود المحتل والتحليق في السماء.

معاناة مختلفة

ثمة قائمة طويلة من الأفلام لا يمكن حصرها لمبدعات قرَّرن التحليق بعيداً عن قضايا الحصار والمعاناة اليومية مع الاحتلال، بتعبير أدق حاولن رصد جانب إنساني في تلك المعاناة مثل بثينة كنعان خوري التي رصدت عبر فيلمها الوثائقي «مغارة ماريا» حكاية أربع نساء يواجهن ضغوطات المجتمع الذي يمنعهن من ممارسة حقهن في الحب بسبب ما تعانيه منه البلاد من حصار واحتلال. كذلك تغوص المخرجة زبيدة طيبي في المشاكل العاطفية التي تحدث بين الشباب من خلال فيلم «حب على الموبايل» والتي ترصد من خلاله كيف لا تستطيع أي فتاة فلسطينية بناء علاقة حب مع أي شاب علنياً، فتلجأ إلى الهاتف المحمول، فتحكي طيبي قصة فتاة جامعية حاول أحد الشبان التعرف إليها من دون أن تراه لكنه لم يستطع الانتظار، فحصل على رقم هاتفها النقال من إحدى صديقاتها.

أما فيلم «ليدي كل العرب» للمخرجة ابتسام مراعنة، فقد اقتحم عالم الفتيات الصغيرات اللاتي يخترن المشاركة في بعض برامج مسابقات الجمال، ويحلمن بالنجاح وتجاوز حدود البلاد إلى الخارج، لكن تتابع الأحداث اليومية يدفع البطلة للتراجع أمام رغبات المجتمع، فلم يعد حلمها الخاص سوى ذكريات فاتَ أوانها.

وأخيراً ترصد المخرجة جاكي سلوم في فيلم «سلينغشوت هيب هوب» كيف يستفيد الشباب من الموسيقى بوصفها أداةً للتعبير عن معاناتهم في مواجهة الاحتلال والفقر.