تأليف: ربيع جابر

الناشر: دار الأداب

Ad

صدرت حديثاً عن دار {الآداب} - بيروت و{المركز الثقافي العربي} رواية {الاعترافات} لربيع جابر. في 142 صفحة، هي بمثابة تناول جديد لفترة الحرب الأهلية اللبنانية وويلاتها (1975 – 1990) يبدو بطل ربيع جابر فرداً يمثل جماعات ويتحوّل رمزاً يمتلئ اللاوعي لديه بآلام الحرب وويلاتها ولامعقوليتها.

فاز اللون الأسود بنصيب الأسد في الرواية، بل هو {الشخصيّة} الرئيسة فيها: الغلاف أسود، الذكريات سوداء، الصورة على حائط الصالون بطرفها شريط أسود، العالم أسود، الحرب سوداء طبعاً... يحكي جابر فترة القتل على الهوية، فلا يركز على أسباب الحرب، لأنه لم يحمل إلى القارئ تأريخاً ولا تحليلات اجتماعية، بل سيكولوجية.

يذهب الروائي في سرده الى أبعد من العالم المرئي بعيني طفل، الى الذاكرة والمنام والصورة الأولى، الصورة المشوشة. سرد ذاكرة الحرب وتثبيتها بكلمات، فينسج السرد من المنامات: {وصرت أرى منامات أقل وأرى منامات لكنها لا تتعلق بزمن الطفولة. مرت السنوات وبيت الذاكرة تكاثرت غرفه. ذكريات جديدة ترقد فوق ذكريات قديمة. طبقة تدفن طبقة. مناماتي تغيرت}.

يجهد الطفل في الرواية لمعرفة السر وتثبيت الحلم الذي يراوده أكــثر من سواه، وهو وجه أمه الحقيقية: {وقت طويل مر وحتى الآن لا أدري كيف أحكي قصتي. كل هذا صعب. كل هذه السنوات مــرت ولا زلت لا أستطيع، ما زلت أحجز. كأن الحكي يسد زلعومي. أشعر بالكـلمات وهي تصعد من بطــني، من قــلبي، كأن الوحل يخرج مـني وأنا أحكي. لكنه ليس وحلاً}.

يرى الإبن في الرواية اغتصاب والده أرواح الآخرين: {أبي كان يخطف الناس ويقتلهم. أخي يقول إنه رأى أبي يتحول في الحرب من شخص يعرفه إلى شخص لا يعرفه. هذا أخي الكبير. أخي الصغير لم أعرفه، أعرف صورته، أعرف وجهه، يشبهني في الصور كان يشبهني، أكثر مما يشبه أخي الكبير. أسميه أخي الصغير وكنا كلنا في البيت نسميه في رؤوسنا نسميه، حتى من دون أن نذكره ونحن نحكي كانت صوره تملأ البيت، ماذا كنت أقول؟ أسميه أخي الصغير ولم يكن أخي الصغير، لكنه صغير لأنه ظل صغيراً لأنه لم يكبر لأنهم قتلوه وهو صغير}.

هكذا بين زحمة الأحداث نقف في حالة ضياع، نتأمل واقعنا وصورتنا ونسترجع ذاكرتنا المريرة العابقة بالأحداث المريرة. يصارع الروائي نفسه: {زمن طويل مرّ وأنا لا أعرف كيف أتنفس. إثنان يتصارعان في صدري لا أعرف من هما لا أعرف أين النهاية. أحاول أن أخبرك وأعرف أنني أعجز}، تلك هي حال واقعنا الأبدي الذي لن نعرف له بداية من نهاية (المعركة الذاتية) خليط روحاوني، عقلي، نفسي يتمازج ويتخابط في دنيا التناقضات {وإذا سألتني ما الحقيقي وما المزوّر من ذكرياتي أشعر بالخوف: أخاف ألا أميّز أن أضيع بين شخصين}.

رجل يصارع نفسه في الرواية، ونحن مثله دائماً ننفصل إلى اثنين، يدين، رجلين، عينين، بالشكل كما هو في المضمون في الحرب كما هو في السلم كيفما كانت حالنا معلومة أم مجهولة دائماً وأبداً اثنين، كل شخص فيه شخص آخر، كل حاضر فيه ماض، كل بياض يسترجع السواد، كل ذاكرة فيها منامات كثيرة.

يبيّن جابر في اعترافاته، ليس المكبوت في الحياة الشخصية التي تتناول الجنس وأموره، بل يتطرق الى المكبوت العام الأشد فتكاً، هو واقع الحرب والقتل وصورته في الذاكرة، يدخل في تفاصيل هستيريا الحياة الخارجية والصراع النفسي الداخلي. يبين كيف يتوازن الإنسان ويكمل طريق الأيام بسهولة أو بصعوبة حتى بجهله أو معرفته لماضيه أو لحاضره، فهدف الروائي والرواية أننا في النهاية نكمل الدرب وكيف للإنسان أن يكمل الدرب الدنيا ويتعايش في ظل حياة وهوية كان يعتبر أنه ينتمي إليها فيكتشف لاحقاً أنه لا هو منها ولا هي منه.

{اعترافات} سلسلة ببناء بسيط، نندمج فيها فتأخذنا أحداثها وتفاصيلها... رواية {من نسج الخيال وأي شبه بين شخصياتها وأحداثها وأماكنها مع أشخاص حقيقيين وأحداث وأماكن واقعيّة هو محض مصادفة ومن الغرائب ومجرد عن أي قصد} بحسب تأكيد الكاتب بالصفحة الأولى من الرواية.

البيت والصدفة والخيال في الرواية، ما هي، للأسف، إلا الحقيقة المطلقة التي عاشها لبنان خلال فلسفة السلام أثناء الحرب والحياة بين أحضان الموت إلى الوراء، التفاصيل والذكريات أعادتنا إلى الوراء إلى الأمس البعيد وكل بعيد قريب كقرب الذكرى التي تتمحور حولها مصطلحات ترجمت واقعاً، منها: {قصف}، {خط تماس}، {حرب الستين}، {حرب الجبل}، {خطف}...

نبذة

ولد ربيع جابر عام 1972 في بعقلين في لبنان ودرس الفيزياء في الجامعة الأميركية. في أقل من عشر سنوات كتب عشر روايات، في العشرين من عمره، عام 1992، نُشرت روايته الأولى {سيد العتمة} ونالت جائزة {النقاد للرواية}.

بعد ثلاث سنوات صدرت روايته الثانية {شاي أسود} التي أودعها بعض أسرار أعماله التالية ومفاتيحها. عام 1996 نشر باسم نور خاطر (اسم مستعار) رواية {الفراشة الزرقاء}.

خاض جابر غمار الرواية التاريخية فكتب {كنت أميراً} 1997، و{نظرة أخيرة على كين ساي} - 1998، و{يوسف الإنكليزي} - 1999، و{رحلة الغرناطي} - 2002. اهتم كثيراً ببيروت فنشر ثلاثية {بيروت مدينة العالم}، و{بيروتوس مدينة تحت الأرض}، {تقرير ميليس}، كتب أيضاً رواية عن رالف رزق الله بعنوان {رالف رزق الله في المرآة}.