خلّف الشاعر الراحل محمد الفايز اثني عشر ديواناً، جسّد من خلالها حياة البحر وصراع الوجود والعيش. وتمثل قصائده امتداداً لتيار قصيدة التفعيلة العربية التي انتشرت إبان فترتي الستينيات والسبعينيات. أقيم ضمن فعاليات مهرجان القرين الثقافي الخامس عشر جلسة نقاشية بعنوان «منارات ثقافية للاحتفاء بالشاعر محمد الفايز»، تحدث خلالها الباحثان عبدالله خلف ود. فايز الداية، واستهلت الجلسة بكلمة للشاعر صلاح دبشة تلاها فيلم وثائقي عن حياة الفايز وعن مسيرته الأدبية التي امتدت إلى ما يقارب الثلاثين عاماً.الباحث عبدالله خلف استعرض بعض الجوانب الاجتماعية في شعر الراحل محمد الفايز عن طريق تقديم بحث عن حياته، والذي اكد من خلاله أن الفايز قد سجل اسمه خالداً في ديوان الشعر الكويتي، وذلك بما تميز به من وفرة الإنتاج وجودته، فقد انتج مجموعة من الدواوين بلغت اثني عشر ديواناً مع ديوان «خرائط البرق» الذي تركه ضمن اوراقه قبل رحيله، مشيراً الى أن الفايز بدأ في كتابة القصة القصيرة تحت اسم مستعار هو «سيزيف»، وكان لذلك أثر في بناء النص الشعري في «مذكرات بحار» التي جاءت كملحمة قصصية تروي حالة الإنسان الكويتي الذي شيد في الماضي وجوداً وتاريخاً في محاولة من الشاعر لجمع الكثير من تراث الإنسان الكويتي في الغوص والسفر، إذ يعد ديوانه «مذكرات بحار» سجلا حافلا بتاريخ مجتمع واجه تحدي الأقدار من شظف العيش وجوع وضعف، مضيفاً أن الراحل تناول حالة البحار النفسية في معاناته من اجل لقمة العيش في لوحة فنية صاغها بإبداع، وذلك ما ميز شعر الفايز بين كل ما كتب عن البحار في الخليج العربي بل إنه تجاوز ذلك السبق إلى الوطن العربي كله على الرغم من أن أغلبية الدول العربية تقع على البحر ولها معايشة في تاريخها القديم والحديث مع البحر، وعلى الرغم من إنتاج الفايز الغزير والمتميز، فإن الناس دائماً تذكره مقروناً «بمذكرات بحار»، فقد اشار خلف الى أن محمد الفايز قدم ديوانه «من بلاد الهولو» امتداداً لملحمة «مذكرات بحار»، وهو نشيد وطني رفيع جاء فيه: كثبان رملك واحة معطاروأجاج بحرك سكر وبهاريا موطن الهولو الذي غنت لهمن امس امس سواحل وبحار يا ساحل الفيروز حيث سفينةملء البحار كأنها الأقمارواستطرد خلف بالقول: «وعلى الرغم من بطولة السندباد الخيالية التي هام بها الكثير من الناس فإن محمد الفايز لم يعر هذه القصة اهتماماً، لأنه وبحسب قوله قد رأى البطولة الحقة في البحر الذي وهب الحياة لأرض قاحلة وأغناها، ولأنه صاحب البطولة الحية لا الخيالية».القصة والشعروعن كتابته للقصة أشار خلف الى أن محمد الفايز كتب ابداعاته الأدبية في الصحف، ولم يطبعها في كتاب لتكلفة الطباعة في ذلك الوقت، لكنه قام بعرضه على وزارة الإرشاد والأنباء فأجل امر طباعتها وانشغل في نشرها في الصحف، وكانت اول قصة نشرها بعنوان «أم عبدالله» في 10 فبراير 1963 في مجلة الرسالة لصاحبها جاسم المبارك، واستمر ينشر قصصه إلى تاريخ 30/4/1967 في مجلات وصحف مختلفة إلى ان هجر الفايز القصة إلى الشعر، وكانت قصته الأخيرة هي رقم 34 وعنوانها «السمكة» ليرفع بعدها لواء الشعر عالياً.الأسلوب والتجربةالباحث د. فايز الداية قدم ورقة بحثية تتعلق بالأسلوب والدلالة في رحلة محمد الفايز الإبداعية، وأطلق عليها «موانئ السندباد» يقول: «نسعى في هذه الرسالة إلى تتبع مسار القصيدة والوعي عند محمد الفايز وإضاءة اسلوبية عبر قراءة جديدة لدواوينه العشرة، ذلك ان مضي سنوات يتيح تأملاً موضوعياً وتحليلاً يربط خيوطاً كثيرة قد لا تكون ظاهرة ابان حياة الشاعر»، مشيراً إلى ان النقاد يتساءلون عن هذه التجربة الشعرية التي كانت وامضة في الساحة الكويتية بتباشير نضج وفاعلية سواء في رؤاها الفكرية والاجتماعية أم في طرائف الخطاب الحداثي، عندما اتخذت نهج قصيدة التفعيلة، وما اقترن بها من معجم دلالي يتواصل مع التلقي المعاصر.صيغة التفعيلة وأوضح الداية أن خيار شعر التفعيلة في المذكرات يصبغ بنيتها الفكرية في زاويتي التعبير والتوصيل، وهذا ما اعتمد عليه الشاعر محمد الفايز -رحمه الله-، فالتشكيل الموسيقي للشعر جزء من حركة النهوض العربي وحداثته للتغيير نحو الأفضل والأعمق في صياغة العالم المعاصر، مؤكداً أن الأسلوب لا ينفصل عن الغاية والمسار فالخطاب يضمن التاريخ، لكنه يتوجه إلى الحاضر وأيام قادمة وآمال ومطامع تبصرها عيون تخترق الضباب، وتستشعر ما وراء المنعطفات، مشيراً إلى ان مذكرات محمد الفايز جاءت تعرض لحظات التوتر العالية سواء بانفعال الحماسة او بنشوة تفتح الحياة، وذلك في سطور حرة تمتد او تقصر، تماثل اختلاجات لا تحكمها الرتابة، اضافة إلى استفادة من نهج عدد من قصائد التفعيلة العربية عندما اتخذت لها مقاطع مختلفة في تشكيل ممتد مع خطوط درامية تعرض حدة الصراع في الحياة الجديدة وتفاعلاتها، كما تناول د. الداية العديد من السمات الملحمية في «مذكرات بحار» واستعراضه للعديد من دواوين الراحل الفايز وصولاً إلى ديوانه الأخير «تسقط الحرب».
توابل - مسك و عنبر
محمد الفايز... تجسيد لرحلة السندباد وصراع الحياة مهرجان القرين ناقش أعماله في جلسة منارات ثقافية
06-01-2009