كثر في الآونة الأخيرة ظهور بعض المحامين بشكل منتظم على صفحات الجرائد بمناسبة وغير مناسبة، بحيث أصبحت ظاهرة لافتة للنظر بشكل كبير، والمقلق في الأمر أن هذه التصريحات بدأت تنحى منحى آخر بعيدة كل البعد عن التوعية الثقافية القانونية أو إبراز لمبدأ جديد أرسته محكمة التمييز بحيث يكون من المهم إعلام الآخرين به، أو غيره من التطبيقات القانونية الأخرى التي من الممكن عند قراءتها أن تنمي وعي القارئ، خصوصاً أن في الكويت عدداً كبيراً جداً من خريجي كليات الحقوق والمهتمين بالقانون، ولكن مما يحزّ في النفس أننا بدأنا نلاحظ أن أغلب هذه التصريحات أو البيانات لا تمت للقانون بأي صلة، وإنما تُنشر لأهداف أخرى قد تكون دعائية أو لمصالح أخرى، بل أصبح بعض الزملاء من المحامين بعد انفلات الضوابط وإهدار المبادئ المهنية يسعون تارة إلى التدخل في أعمال السلطة التنفيذية وتارةً في أعمال السلطة القضائية. وهو الأمر الذي يدخلنا في متاهة ومتاعب مهنية نحن في غنى عنها، كما أنها تترك انطباعاً لدى العامة من الناس- على غير الحقيقة- وهم الشريحة الكبرى من القراء، بأن المحامين يستطيعون فعل ما لا يستطيع رؤساء أعلى السلطات في الدولة فعله، وهذا تجنٍ غير مقبول، ويجب أن يكون لجمعية المحامين- وهي المرجعية الشرعية لهذه المهنة- وقفة جادة وصادقة للحفاظ على مكانة المحامي واحترامه فضلاً عن المحافظة على تقاليد المهنة العريقة، ليس باعتبارها شأناً من شؤوننا الداخلية بل باعتبارها أعرافا وتقاليد دولية تهم كل محامي العالم، كما يجب على المحامي الذي يسلك هذا الطريق للإعلام عن نفسه أن يعلم أن المسألة ليست فقط نشر خبر أو حكم ابتدائي لم يتحصّن أو يصبح نهائيا مع صورة شخصية قد تحقق له بعض الشهرة- بل عليه أن يعلم أن المهنة يجب أن يكون لها احترامها ووقارها وأن يترفع عن كل شيء من شأنه أن يحط من قدرها أو يفقدها هيبتها، ولا بأس أن تُنشر الأحكام بعد أن تتحصّن وتصبح نهائية للفائدة العامة بشرط أن يتضمن مبدأ جديدا لم يسبق للقضاء أن تصدى لمثله، أما الملاحظ حاليا فهو أن جميع ما يُنشر من أحكام عبارة عن مبادئ مستقرة في القضاء الكويتي منذ عشرات السنين، وليس هناك أي إضافة أو فائدة علمية أو عملية قد تعود على القراء من نشره.

ومن ناحية أخرى فإن الملاحظ في الآونة الاخيرة قيام بعض المحامين بالتصدي للأحداث السياسية أو الاقتصادية في الدولة، وإن كان هذا الدور محمودا وطيبا إلا أنه يشترط لذلك أن يكون وفق أسس قانونية سليمة لا شبهة فيها حتى لا يكون بابا مفتوحا للتعدي المرفوض الذي مآله فقدان الثقة بالمهنة والقائمين عليها، وإهدار كل مبادئها وأعرافها وتقاليدها، وهو الأمر الذي يقلل من احترام العامة لها ومكانة المحامي الكويتي أمام أقرانه في دول العالم، ومن ثم هدم ما تم بناؤه على مر السنوات الماضية.

Ad