منذ أول أزمة أوراق مالية شهدتها الكويت عام 1977، وصولا إلى أزمة معسري القروض الاستهلاكية والمقسطة، لم يتغير نمط وأسلوب معالجة الأزمات المالية في البلاد، إذ تتم المعالجة من خلال تدخل الدولة مستخدمة المال العام لإنقاذ المعسرين. حدث هذا في عام 1977 عندما كانت تكلفة الأزمة آنذاك لا تزيد على 150 مليون دينار كويتي. وتكرر أيضا في عام 1982 عندما حلت أزمة سوق المناخ وكانت تكلفتها أكبر من قدرة الدولة على المعالجة الفورية لها، إذ بلغت نحو 28 مليار دينار كويتي، وهذا مبلغ يزيد حينئذ على كل دخل البلاد من عوائد النفط منذ بدء تصديره في عام 1946 حتى وقت حدوث الأزمة، وقد أطلقت الدولة حينئذ صندوق صغار المدينين واضطرت في نهاية المطاف إلى شراء مديونية المواطنين مقابل سندات الخزانة العامة.

Ad

ومنذ 5 سنوات بدأت أزمة الديون الاستهلاكية الحالية بالتشكل ووصلت قيمتها إلى أكثر من 5 مليارات دينار كويتي، قبل أن يتم الاتفاق على معالجتها من خلال صندوق المعسرين، هذه الأزمات المتكررة والمكلفة للمال العام، والتي يشكل القطاع المصرفي محورها الرئيسي بوصفه مصدر السيولة النقدية في البلاد، تدل على درجة واضحة من الضعف في بنية وسلوكيات بعض الوحدات المصرفية في البلاد وتطرح علامات استفهام ضرورية عن مدى التزام هذه الوحدات بفحوى ومضمون التوجيهات الصادرة لها من قبل إدارة الرقابة المصرفية في البنك المركزي. لقد تبيّن خلال الأزمة الأخيرة أن عددا من البنوك قد تجاوز سقف المدة الزمنية للقرض الاستهلاكي، كما تجاوز السقف الأقصى لما يمكن استقطاعه من راتب المدين وهو %50 من دخله، وهي تجاوزات نتجت في أغلبيتها عن ارتفاع أسعار الفوائد على القروض، ويدل هذا على أن إدارة القروض في بعض الوحدات المصرفية لم تكن على قدر كافٍ من الحنكة عند قيامها بعمليات الإقراض، إذ لم تأخذ في اعتبارها احتمالات ارتفاع أسعار الفائدة أثناء المدى الزمني للقرض وهو أمر يستدعى توفير قروض أقل في أحجامها من تلك التي كانت تلك الوحدات المصرفية توفرها للمواطنين.

وتؤكد أزمات ائتمان مصرفي أخرى تعرضت لها بعض البنوك المحلية في السنوات الماضية، ومن أمثلتها وصول نسبة القروض غير المخدومة في بعض البنوك المحلية إلى نحو %15، أي ما يزيد بنحو %12 على المعدل المقبول عالميا، تؤكد وجود خلل ما في إدارة الائتمان المصرفي في هذه البنوك. وحيث إن للبنك المركزي صلاحيات واسعة من خلال أدواته الرقابية على النشاط المصرفي في الكويت فإن هناك ضرورة لأن يقوم البنك المركزي بممارسة هذه الصلاحيات بدرجة أكبر من الضبط والإحكام، فالاقتصاد الكويتي ما زال مهيأ، في ظل ثقافة المعالجات المشار إليها آنفا، للانزلاق مجددا في مستنقع أزمات مالية أخرى، وربما تكون أشد خطورة وأعلى تكلفة.

* أستاذ الاقتصاد في جامعة الكويت