تحت عنوان «الصراع غير المتكافئ بين القضاء والسلطة التشريعية» قلت في مقال الاثنين الماضي إن مراجعة المحكمة الدستورية لأعمال السلطة التشريعية، وهي سلطة منتخبة من الشعب، قد أقحم المحكمة الدستورية في مصـر في الدرب الصعب الذي تخشاه أي رقابة قضائية، بحكم أن الصراع بين السلطتين القضائية والتشريعية، سوف يكون صراعاً غير متكافئ لمصلحة الأخيرة، واستعرضنـا في ذلك أحكام المحكمة التي كفلت حريـة الصحافـة وحرية التعبير وحرية تكوين الأحزاب والحريـة النقابية، وأرست أحكام الدستور، بإبطال قانون الانتخاب بالقائمة، مما أدى إلى حل مجلس الشعب، وهي أحكام لم تقلق النظام كثيراً، لأنه استطاع أن يحد من آثارها، عندما أعادت الانتخابات مجددا الحزب الحاكم، بالأغلبية نفسها التي كانت له قبل حل مجلس الشعب، وبالرموز نفسها، وأن شيئاً ما لم يتغير من ناحية الحفاظ على السلطة واستئثار الحزب الحاكم بها، كما لم تقلق النظام كذلك الأحكام العظيمـة التي أصدرتها المحكمـة بإبطال القوانين التي انطوت على مصادرة حق الملكية الخاصة أو عدوان عليه، فقد كانت هذه الأحكام تسير في تلاق تام مع سياسة الانفتاح وتشجيع الاستثمار، إلا أن ما أقلق النظام هو الأحكام الصادرة بعدم دستورية القوانين المالية بفرض ضرائب وأعباء مالية على المواطنين، ومنها الحكم الصادر بعدم دستورية الضريبة على الأرض الفضاء غير المستغلة، وعدم دستورية ضريبة الدمغـة المفروضة على الأسهم والسندات، وعدم دستورية الضرائب التي تفرضهـا السلطة التنفيذية بتفويض من السلطة التشريعية ولو أجازتها الأخيرة، وعدم دستورية الأثر الرجعي في الضريبة.

Ad

لهذا كانت خاتمة المطاف لهذا السيل المنهمر من أحكام المحكمة الدستورية، أن قامت السلطة التنفيذيـة بإصدار قرار جمهوري بقانون رقم 168 لسنة 1998، بعد فض دور انعقاد مجلس الشعب، سلب ولاية المحكمة في تقرير الأثر الكاشف لأحكامها بالنسبة إلى القوانين الضريبية التي تقضي بعدم دستوريتها بحيث لا يفيد من الحكم عن الفترة السابقـة على صدوره إلا أطراف الخصومة في الدعوى الدستورية وإلى جعل الأصل في بقية أحكامها صدورها بأثر مباشر، ما لم تقضِ المحكمة في حكمها بتطبيقه بأثر رجعي.

وقد تعرض القرار الجمهوري بقانون سالف الذكر لانتقادات شديدة، من أنه لم يصدر ملتزماً بالضوابط الدستوريـة المقررة له، فلم يحدث في غيبـة مجلس الشعب أمر طارئ استوجب الإسراع في تعديل قانون المحكمة الدستورية، باعتباره تدبيراً لا يحتمل التأخير، وتضمينه أثراً رجعياً لا تملكه إلا السلطة التشريعية الأصيلة وبأغلبية خاصة، وباقتحامه، مجالاً من المجالات المحجوزة لهذه السلطة، وهو تنظيم ولاية القضاء، باعتبار أن القوانين التي تنظم هذه الولاية من القوانين المكملة للدستور والتي يجب أن تصدر من السلطة التشريعية الأصيلة، الأمر الذي أهدر هذا القرار بقانون مبدأ الفصل بين السلطات، فضلاً عما يترتب على هذا القرار بقانون من مفارقة، أن يعتبر القانون غير دستوري اعتباراً من تاريخ الحكم بذلك، بالرغم من أن العوار الدستوري كان لصيقاً به منذ صدوره، ومع ذلك يعامل القانون على أنه كان صحيحاً في الفترة السابقة على صدور الحكم.

وهكذا انتهى هذا الفصل من الصراع غير المتكافئ بين المحكمة الدستورية والسلطة السياسية لمصلحة الأخيرة.