إن هذه الحكومة معنية بإنقاذ الكبار فقط؟! فلو كانت لنا حكومة محترمة ووزراء يتحملون مسؤولياتهم لقدم وزيرا المالية والتجارة استقالتيهما منذ مدة، الأول لأنه قال قبل شهر إن الوقت هو للشراء وليس للبيع، ومنذ ذلك التاريخ هبط المؤشر أكثر من ألفي نقطة، أما الثاني فيجب أن يستقيل بعد أن قامت الحكومة التي يشارك فيها بحماية المغامرين الكبار فيما رفض هو حماية المغامرين الصغار.

Ad

أعتقد أن من أسهل الوظائف في هذه الأيام هي الكتابة نظرا لكثرة القضايا المتناولة سواء المتعلقة بالشأن الداخلي أو الخارجي، وبشكل أكبر نظرا لكثرة أخطاء حكومتنا التي أبدت عجزا واضحا عن إدارة الكثير من الأزمات. ولذلك، بات مقال واحد في الأسبوع لا يكفي لتغطية جميع الأحداث وبالأخص زلات هذه الحكومة.

قبل أسبوعين ذكرت في هذه الزاوية بأن حكومتنا معنية فقط بإنقاذ البطون المنتفخة والشركات الفاشلة، وجاءت قضية بنك الخليج لتضيف دليلا آخر على ذلك، وتثبت من جديد ازدواجية المعايير لديها، فقبل أسبوعين قال الأخ وزير التجارة أحمد باقر إن الحكومة ليست ملزمة بإنقاذ المغامرين الذين باعوا بيوتهم أو رهنوها ليستثمروا في البورصة، لكن ما تقوم به نفس الحكومة اليوم هو مكافئة وحماية بنك غامر بأموال مساهميه؟!

البنك بالطبع يقول إن الخسارة لها علاقة بعملاء تعاملوا بالمشتقات وليس بعمليات واستثمارات البنك نفسه، ولكن طبيعة التعامل مع المشتقات تفرض على العميل أن يودع المزيد من الأموال في حال بلغت الخسارة كامل الهامش «أو المارجن» الذي دفعه مقدما، وإلا سيخسر جميع كل المال المستثمر بهذه المشتقات، أي أن المفروض ألا يتحمل البنك أي مخاطرة على الإطلاق عندما يقدم خدمة المشتقات لعملائه. لكن ما حصل هو أن البنك تحمل الخسارة الإضافية من هذه المشتقات بعد أن عجز العملاء عن ضخ المزيد من السيولة «على ما يبدو» ليزيدوا من «المارجن» حتى لا ينتهي العقد «default». وهذا يؤكد أن البنك أراد أن يتحمل جزءا من الخسارة موقتا معتقدا أن أسعار هذه المشتقات سترتفع من جديد ليكون ضمن نطاق المارجن الذي أودعه العملاء، وهو أمر لم يحصل. وبالطبع لم يقم البنك بخطوته المغامرة هذه إلا لحماية كبار عملائه، أي أن البنك غامر بأموال الصغار من أجل الكبار!

ثم تقوم الحكومة بمكافأة البنك على هذه المغامرة الطائشة بفتح خزائن الدولة له وعزمها على المساهمة بزيادة رأسماله، وهي بالطبع عملية تجميلية بحته سيتم عبرها طرح أسهم زيادة رأس المال بعلاوة إصدار مرتفعة حتى يقلل البنك من خسائره أو يحولها إلى ربح بسيط، وفوق هذا وذاك، يتم إيقاف سهم البنك عن التداول مع إنه المتسبب بزيادة الشائعات والخوف من وضع البنوك والشركات، بينما تتحمل باقي أسهم السوق تبعات هذا الوضع المخيف!

بالطبع ستقول الحكومة بأن هدفها هو حماية أموال عامة المواطنين المودعين، لكن هذه الخطوة يجب أن تكون بثمن باهظ يتحمله الكبار في البنك الذين تسببوا بهذه الخسارة الفادحة، لا أن تعطي الحكومة شيكا على بياض لهؤلاء المغامرين! وخير مثال على الإنقاذ الصحيح هو عندما قامت الحكومة البريطانية بإنقاذ بنك «نورثيرن روك»، حيث تحكمت الحكومة فعليا بالبنك، وهي التي أدارت عملية المزايدة عليه حتى تحفظ حقوق أموال الدولة من دون أن توكل إدارة البنك إلى نفس كبار المساهمين الذين تسببوا في إيصاله إلى وضعه الصعب!

ألم أقل لكم أعزائي القراء إن هذه الحكومة معنية بإنقاذ الكبار فقط؟! فلو كانت لنا حكومة محترمة ووزراء يتحملون مسؤولياتهم لقدم وزيرا المالية والتجارة استقالتيهما منذ مدة، الأول لأنه قال قبل شهر إن الوقت هو للشراء وليس للبيع، ومنذ ذلك التاريخ هبط المؤشر أكثر من ألفي نقطة، وتكبد صغار المتداولين المزيد من الخسائر بسبب أخذهم بنصيحة الوزير بعدم البيع! وأما الثاني فيجب أن يستقيل بعد أن قامت الحكومة التي يشارك فيها بحماية المغامرين الكبار فيما رفض هو حماية المغامرين الصغار، وبسبب إلغاء لجنة متابعة أحوال السوق التي كانت برئاسته بعد أن أشبعونا تطمينات وتصريحات فارغة لمدة شهر كامل ليتبين بأنها لم تنجز أي شيء! لكن كل هذا طبيعي في ظل الحكومة القرقيعانية التي تقوم بتدليل «آل كابون وربعه» وبسحق باقي مواطنيها!