الأيام القليلة الماضية التي أعقبت افتتاح مجلس الامة أظهرت الصورة التي كان ينتظرها الكويتيون لمستقبل العمل السياسي الوطني، بعد احداث مارس الماضي التي ادت الى حل مجلس الامة على وقع خطاب من سمو امير البلاد، شخّص فيه الحالة وتداعياتها وعلاجها الذي أودعه سموه في عهدة الناخبين ، ولكن دعوات التنمية وتطوير البلد لم تجد صدىً بالزخم المطلوب، وان كن الكل استخدمها مرحليا وظرفيا شعارا لحملته، وانقلب عليها فور تأمين مقعده النيابي وعادت عناويين التأزيم، بين برنامج تلفزيوني وحفل خاص وحجاب الوزيرتين ومشاريع قوانين بمضمون خلافي أيدلوجي أو اقتصادي. أغلبية تمثيليةالإسلاميون في المجلس بكافة تلاوينهم التنظيمية والقبلية ما فتئوا يعلنون منذ اعلان نتائج انتخابات 2008 بانهم فازوا بأغلبية المقاعد البرلمانية، وفي النظم البرلمانية فإن اي برلمان تنسب انجازاته او اخفاقاته للاغلبية التي تحتل مقاعده، ولذلك فإن على الاسلاميين ان يتحملوا نتائج ما سيشهده المجلس الحالي من اداء، وان كان الاسلاميون يتحدثون عن الأغلبية فانهم يجب أن يعلموا بأن الاغلبية التي يتحدثون عنها هي اغلبية تمثيلية من وعاء الناخبين وليست فعلية تسمح لهم بتغيير هوية البلاد، وان نجحوا في العقود الثلاثة الماضية في تغيير غالبية مكوناتها، فنصف مقاعد المجلس الخمسين التي حصلوا عليها بأصوات مئة ألف ناخب تقريبا تمثل 33 بالمئة من مجموع الناخبين البالغ 360 ألف ناخب صوّت منهم 60 بالمئة في السابع عشر من مايو الماضي بواقع 216 ألف ناخب، أي أن الأغلبية البرلمانية التي تتحكم بمصير البلد وتوجه ومستقبله تمثل فعليا 10 بالمئة من مجموع المواطنين الكويتيين الذي يزيد عن المليون نسمة بقليل وتعتبر الشرائح الشبابية التي تقل اعمارهم عن الواحد وعشرين عاما الأكبر فيها والتي لا يسمح لها بالتصويت مع العسكريين.«صوت» الماضيلذلك، فإننا يمكننا القول أن من يرسم مستقبل الكويت هو «صوت» الماضي من جمهور متوسطي العمر والمتقاعدين والمسنين من الذين تتنازعهم في هذا العمر النزعات والتوجهات الاصولية المحافظة والتزمت، بينما يلعب الصوت القبلي والنسائي هذا الدور في الجامعات والمؤسسات التعليمية في الداخل، ولكنه على سبيل المثال يختفي في الاتحادات الطلابية الخارجية (الولايات المتحدة، مصر، الخ) ، وهو ما يفسر ايضا ما يلحظه العامة في الشارع والمجمعات والأسواق وحتى المؤسسات العلمية من شكل ومضمون للعامة من جمهور المواطنين من زي وسلوك منفتح وما يعكسه بصورة مغايرة ممثلوهم من النواب، فالبلد ترسم توجهات مستقبلها قلة العشرة بالمائة التي تضع البرامج التي تخصها وتفرضها على الجميع بحجة الديموقراطية التي يستخدمونها ببراعة ويستغلون لا مبالاة وقلة تنظيم الاغلبية المبعثرة جهودها، والتي ان نظم البعض منها تتبدد جهوده في التناحر ومواجهة السلطة التي تحالفت لعقود مع الأصولية المنظمة.الأصولية السياسيةبرنامج الإسلاميين والأصولية السياسية في الكويت معروف ومليء بالتناقضات واستنفاد الدولة جهودها، يغلف احيانا بشعارات التنمية والانتعاش الاقتصادي ولكنه لا يعرف كيف، وصلب البرنامج وجوهره هو ما اعلن عنه النائب من التجمع السلفي منذ أيام عبداللطيف العميري «هدفنا إقامة الحدود الشرعية، ونتحين التوقيت المناسب»، وتصريح زميله الإسلامي القبلي محمد الحويلة بمناسبة الجدل حول لجنة الظواهر السلبية الدخيلة على المجتمع «نبحث أدوات ضبط الشارع أخلاقيا»... هذا هو البرنامج وهدفه، وهو قابل للاستخدام لمن يشاء مقابل أن يحققوا هدفهم ، ففي مرحلة كان التحالف مع السلطة وما زال بصيغة أخف اليوم، وحاليا لمراكز القوى المالية الطامحة للمقاعد العليا في السلطة عبر التبرعات لها ولمراكز التحفيظ والحملات الاعلامية وتوجيه الزكوات لمواقعها الديني- سياسي.قضايا عبثية من يتابع برامج القوى الأصولية يجده يتكلم عن التنمية بعموميات وعناوين متداولة دون تفصيل، ولكنه عندما ينتقل لأجندته الخاصة يغرق في التفصيل من «البلوتوث» إلى التشبه بين الجنسين وضوابط الحفلات، وهي جميعا قضايا ستستنزف جهود الدولة وأجهزتها الأمنية في هوامش وقضايا عبثية ستسقط كما سقطت قضية منع «الستلايت» التي كانت معركتهم في التسعينيات من القرن الماضي وأصبحت نسيا منسيا لأن عجلة التكنولوجيا والاتصالات تسبقهم بمراحل ولا يستطيعون ملاحقتها.مثال آخرتناقضات برامجهم كثيرة ومميته لطموح الأمم، ومثال آخر... فالإسلاميون الذين يصرون على منع المرأة من العمل بعد الساعة الثامنة مساء هم أنفسهم من يمنع الرجال من العمل في بيع الملابس النسائية في المجمعات التجارية الممتد عملها مساء!، ومن يطالب بتعديل التركيبة السكانية ومنع ارتفاع نسبة النساء العازبات الوافدات من النمو في البلاد لمحاربة «الظواهر الدخيلة» هو نفسه من يسعى لدفع آلاف الكويتيات في مهن هامة وفنية للتقاعد المبكر، علما بأن غالبية العاطلين عن العمل الكويتيين (20 ألفاً) هم من غير المؤهلين واصحاب الشهادات الدنيا. وهنا وفي عدة مواقع تتضح مدى عبثية هذا البرنامج واستنزافه لجهود الدولة في ملاحقة ظواهر سلوكيات بشرية لن تختفي طالما بقيت البشرية بتناقضاتها وسلوكياتها الموجودة منذ الأزل والتي تتصدى لها القوانين ولا تختطف المجتمعات من حاضرها ومستقبلها للعيش في هواجسها.لا يعتقد أحد ان الإسلاميين الذين يلاحقون وزراء الداخلية المتعاقبين حول اجراءات وشروط بطاقات الزيارة للبلاد مؤمنون بمشروع المركز المالي والاقتصادي للكويت، فمن يعتبر كل زائر للبلاد مشروع ظاهرة سلبية دخيلة وكل زائر كذلك لا يمكنه أن يجعل من بلده منارة ومركزا ، ولا يمكن لمدن التزمت والخواء الثقافي والفني أن تصلح أن تكون مركزا لأي نشاط حضاري! بل إن الكويت ستظل في صراع بين نفسها تستره الوفرة النفطية ،يستنزف هذا الصراع والتناحر قواها ومقدراتها ولن يحسم حتى تواجه امتحانا سياسيا أو اقتصاديا عسيرا مجددا. انهيار الانضباطلذلك، فإن عنوان العمل الصحيح لمجلس الأمة 2008 و المحوري،و بصفة خاصة للقوى الوطنية الحية وقوى المجتمع المدني والسلطة إن ارادت أن تنضم وتكفّر عن خطاياها تجاه البلد ،هو ليس شعارات المال العام ولا المكتسبات الدستورية التي كانت مرفوعة منذ التحرير وما قبله بينما كانت اسس الدولة تنخر وهويتها تمسخ في مشهد مأساوي أدى الى انهيار الانضباط وقيم المواطنة والدولة لصالح كافة الأصوليات الدينية والعرقية لتمكين المشروع الديني المتزمت، بل هو المحافظة على الحريات وهوية الكويت المدنية المتسامحة والوسطية ودون ذلك أو الحديث عن خلافة هي مهادنة وفسح لمشروع الهيمنة الأصولية لتأخذ دورة الدمار في بلدنا كما حدثت من قبل في السودان وأفغانستان وتدور رحاها امامنا حاليا في العراق، فنواب التيار الوطني المدني عليهم أن يواجهوا ولا يجعلوا المشروع يمر على حساب دمار مستقبل الدولة ، وفي سبيل كرسي او منصب هنا او هناك، كما ان الحكومة عليها دور أكبر فالدستور يمنحها سلطة ارجاع القوانين وردها والتي لايجب ان تتوانى عن استخدامها لكل قانون يمسخ ويدمر هوية البلد ويتلاعب بمقدراتها حتى لا تصنع اغلبية العشرة بالمئة دولة «كويتستان» الإسلامية بكافة ما سينتج عنها من تداعيات واحداث نتمنى ألا نعايشها.
محليات
تقرير الحكومة مطالبة باستخدام حق الرد الدستوري للقوانين حتى لا نتحول إلى كويتستان برنامج أغلبية الـ 10% عبثي ويستنزف جهود الدولة وأجهزتها مدن الخواء الثقافي والفني لا تصلح مركزاً لأي نشاط حضاري
08-06-2008