منذ عامين تقريباً انشغل المسلمون في العالم أجمع بأزمة مفتي استراليا الشيخ تاج الدين الهلالي (المصري الأصل) والحملة الضارية التي تعرض لها عندما هاجم العري ودعا المسلمات هناك إلى الالتزام حتى لا يصبحن مثل اللحم المكشوف. تضاربت الأقاويل حول قضية الشيخ الهلالي، لذا كان ضرورياً أن تلتقيه «الجريدة» أثناء زيارته أخيراً إلى القاهرة ليتحدث عن هذه الأزمة وقضايا أخرى عديدة.● ماذا عن أوضاع المسلمين في استراليا وهل مازلتم تعانون من تداعيات أحداث 11 (أيلول) سبتمبر التي ألقت بظلالها القاتمة على الأقليات المسلمة في الغرب؟- معلوم أن هناك تأريخاً لمرحلتين: ما قبل 11 (أيلول) سبتمبر 2001 وما بعدها, وأنا سميت هذا الحادث أم الشرور لأنه فتح أبواب الشر على مصراعيها على العالم كله وليس على العالم الإسلامي فحسب فقد ضيقت أحداث أيلول على الدعوة في الداخل والخارج وأعطت الفرصة لوحيد القرن الأميركي ليصول ويجول ويدمر كما يشاء كما أنها أتاحت مناخاً مناسباً للنظرية التشاؤمية وصراع الحضارات.كما تسببت في وجود مرض عابر للقارات مثل مرض الإيدز اسمه «الإسلاموفوبيا» أي الخوف من الإسلام وهو مرض عصري أصيب به الغرب حينما أراد قادته إيجاد عدو تقليدي يكملون به حلقة الصراع في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي فوجدوا ضالتهم في الإسلام, ونحن لا نقول أبداً بصراع الحضارات بل نؤمن بتعاون وتفاهم الحضارات. لاشك أن وضع الجالية المسلمة في استراليا والتي يزيد تعدادها الآن على سبعمائة ألف نسمة ليس أحسن حالاً مما كانت عليه قبل أحداث أيلول الأسود التي فتحت علينا أبواب الشر, ولكن مع ذلك فالإسلام في انتشار وأتباعه في زيادة مستمرة, رغم حملات التشويه والكراهية والحصار لأنه دين الله والجالية عندنا تتمتع بحرية كبيرة ولديها 376 مركزاً إسلامياً ولها تأثيرها واحترامها عند الشعب الاسترالي وحكومته.● ما هي الأنشطة التي تمارسها بخلاف منصب الإفتاء والخطابة, وما مدى تواصلك مع العالم الإسلامي؟- أنا عضو في أكثر من ثمانية مجمعات عالمية إسلامية، مثل المجلس العالمي للدعوة لإسلاميين بليبيا، والمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب في طهران ومجلس الشورى الإسلامي، وأكثر من منظمة إسلامية في ماليزيا وأندونيسيا, وأشارك في الكثير من المؤتمرات الإسلامية في مختلف أنحاء العالم.السنة والشيعة● ما يحدث في العراق من سفك دماء واعتداءات مستمرة على المساجد بين السنة والشيعة أمر مؤلم ينذر بكارثة, ما تقييمك لهذا الوضع المأساوي وكيف ترى المخرج منه خاصة أنك عضو في مجمع التقريب بين المذاهب؟- الصراع الحادث بين السنة والشيعة في العراق أمر مستحدث لأنه ظهر فقط بعد الاحتلال الأميركي فمنذ مئات السنين والشيعة والسنة يتعايشان من دون إثارة نعرات مذهبية، ولكوني عضواً في مجمع التقريب بين المذاهب (مقره طهران) أؤكد لشبابنا أن هناك حالة تجهيل عامة تجاه فقه آل البيت من ناحية السنة, وهناك أيضاً معلومات خاطئة لدى المتعصبين من الشيعة وبحكم معايشتي للسنة والشيعة في استراليا أرى أنه لا توجد أي نعرات مذهبية ولا توجد فروق ولكن في النهاية نحن مسلمون, لذا فأنا مفتي السنة والشيعة في استراليا. نحن لواء واحد وشريعة واحدة مهما اختلفت مذاهبنا, فالعقيدة واحدة، ولكن ما يحدث بالعراق مصيبة كبرى تهدد العراق برمته وهو أن الفكر التكفيري الذي يستحل به قلة من هذا الطرف دماء الطرف الآخر والعكس هو الخطر الداهم بعينه ما يستوجب وقفة حاسمة من جميع العلماء والمرجعيات الدينية لمواجهته والعمل على وأد الفتنة قبل أن يستفحل خطرها.● ما هو رأيك في قضايا الحجاب التي تثار بين الحين والآخر؟- من المؤسف أن يتم تفجير قضية الحجاب في أوقات معينة في بعض الدول العربية فهذا شئ لم يكن متوقعاً، وكأنه لم يبق إلا الحجاب لنشغل وقت الناس به، وأنا أصف وضع الأمة في هذه القضية بأنها رقصت رقصة «الاستربتيز» التي يتعرى فيها الراقص من ملابسه قطعة بعد أخرى حتى يصبح عارياً تماماً فكأن الأمة رقصت هذه الرقصة, ولم يبق مما يربطها بالإسلام سوى نصف متر من القماش يغطي رأس المرأة فاستكثروه عليها، مع أنه كان الأولى تشجيع الحشمة والحجاب والعفة، خاصة ونحن أمام عري في كل شئ، فالانشغال بقضية حجاب المرأة هو ملهاة يُراد بها صرف المسلمين عن قضاياهم الكبرى وأمراضهم المستعصية لينشغل الناس بالفرعيات عن الأصول.فتوى اللحم المكشوف● ما حقيقة الحملة الشرسة التي تعرضت لها خلال السنوات الأخيرة وماذا عن محاولات إبعادك عن العمل أو منحك إجازة مفتوحة بسبب وصفك للنساء العاريات باللحم المكشوف الذي يغري القطط الجائعة بالتهامه؟- الشئ الذي أود أن أعلنه أن الشعب الاسترالي من أعظم شعوب العالم حضارة وانفتاحاً على الآخر. إن هذا البلد، كما أن تربته خصبة للزراعة فهي خصبة بعقول أبنائها العقلاء، وأن العنصرية هناك لا تمثل شريحة من مجمل الشعب الاسترالي المسالم والمتفاهم, ولذا قلت في أحد البرامج إن ما سمعته عن هجوم البعض على حجاب المرأة المسلمة في مصر لا يجرؤ وزير استرالي أن يتفوه به، في حق المرأة المسلمة. حجاب المرأة محترم في استراليا وخصوصيتها مقررة والمسلمات المحجبات يعملن بكامل حريتهن في كل الأماكن ومختلف الوظائف. استراليا بلد دستوري تحكمه قوانين تراعي حق كل مواطن، ولكن ليس صحيحاً أن الحكومة منعتني من القيام بعملي في الإفتاء وأن وزيرة تطالب بسحب الجنسية وطردي من البلاد والحقيقة أن هذا كله لم يحدث ولا يجرؤ أحد في استراليا سواء كان مسؤولاً أو غير مسؤول على مجرد طرحه للنقاش.● إذاً ماذا حدث بالضبط؟- الحقيقة أنني وقفت أمام حملة إعلامية شرسة وراءها صهاينة فقد كانت حملة مدبرة استمرت ثمانية أيام وكانت كفيلة بإسقاط أقوى حكومة في استراليا أو خارجها ولكنني والحمد لله قوي باعتمادي على الله عز وجل وأنا أبلغ دين الله إلى الناس ولا أتلقى أوامر من جهة. كان ذلك سر صمودي أمام الحملة الشعواء التي تعرضت لها ووقفت بجانبي الجالية الإسلامية وساندتني وتمسكت بقيادتي في وقت الشدة، لذا فقد كانت هذه الهجمة باباً جديداً من أبواب الدعوة على الساحة الاسترالية، ما كان يمكن أن نحققه لو انفقنا الملايين, حيث جاء إلينا أناس ما بين سائلين ومستفسرين أو منشرحين لدين الله.
توابل - دين ودنيا
مفتي أستراليا الشيخ تاج الدين الهلالي: الانشغال بقضية حجاب المرأة هو ملهاة
21-09-2008