استضافت مدينة لوس أنجلس الأميركية النسخة الثالثة والعشرين من الألعاب الصيفية وسط مقاطعة سياسية جديدة قادها الاتحاد السوفييتي مجدداً، ومعه دول كانت يومذاك تدور في فلكه السياسي، وجاء ذلك رداً على المقاطعة الأميركية لأولمبياد موسكو 1980.

Ad

افتتح البطولة الرئيس الأميركي رونالد ريغان وردد القسم الاولمبي لاعب ألعاب القوى الأميركي ادوين موزس، وأضاء الشعلة رافر جونسون لاعب ألعاب القوى.

«أولمبياد أميركا» هي التسمية المنطقية التي يجب ان نطلقها على دورة لوس انجلس التي افتتحت في 28 يوليو واختتمت في 12 أغسطس 1984 في استاد ميموريال كوليزيوم.

فقد طغى الطابع الاميركي على كل شيء حتى على النتائج الفنية، فلولا بعض الميداليات القليلة التي ذهبت الى بعض الدول الاخرى، لكانت الولايات المتحدة حصدت كل شيء، إذ لم يكن يظهر على منصات التتويج إلا أبطال اميركيون على رغم من ان عددا من أولئك الإبطال لم يكن على مستوى يؤهلهم لقطف الميداليات.

ولم يكن «الغياب الشرقي» وحده السبب في هذه السيطرة الاميركية على الألعاب، بل كانت هناك أسباب خفية، لم تلبث ان تظهر بوضوح، وهي التحيز الفاضح من قبل الحكام والقضاة في مصلحة الاميركيين، بل ان المنظمين أنفسهم عملوا في هذا الاتجاه وهيأوا الفرص المناسبة لأبطال بلدهم! ففي الملاكمة مثلا، نال معظم الابطال الاميركيين ميداليات ذهبية، على رغم ان المجريات الفنية لا تؤهلهم لذلك. وبعدما تكررت «الانتصارات المزيفة»، وقعت حادثة مضادة كان بطلها حكما يوغوسلافيا أعطى الفوز لملاكم نيوزيلاندي ضد اميركي علما بأن الأخير كاد ان يكون الوحيد بين الاميركيين الذين يستحقون الفوز عن جدارة.

وكانت ردة الفعل عنيفة، إذ قدم الاتحاد الاميركي للملاكمة شكوى إلى الاتحاد الدولي يتهم فيها الحكم بتخسيره ملاكمه عمدا.

وفي نهائي فردي الجمباز للسيدات، كان تفوق الرومانية ايكاترينا زابو واضحا منذ البداية، إلا أن الحكام منحوا الفوز للاميركية ماري لو ريتون المميزة جدا، لكنها لم تكن أفضل من منافستها الرومانية التي أخذت تبكي ولم تكترث للميدالية الفضية.

الألاعيب الأميركية تشمل المنشطات

وسال حبر كثير حول الألاعيب الاميركية المتعلقة بالمنشطات، إذ استخدمت للمرة الأولى اجهزة تستطيع كشف رواسب المواد المنشطة في جسم الرياضيين حتى ولو كانوا تناولوها قبل ثمانية أشهر، إلا أن الذي لم يحصل هو معاقبة الاميركيين إذ تمكنوا من اجتياز الفحوصات، وكشف الدكتور روبرت كير ان نحو 12 لاعبا متنشطا فازوا بميداليات بفضل حقن مضادة أعطاها لهم تمنع ظهور المواد الممنوعة خلال التحاليل.

ودفعت شركة «أي بي سي» نحو 250 مليون دولار في مقابل حق نقل المباريات والمسابقات، وكانت المفاجأة بأنها لم تنقل إلا الألعاب التي يفوز فيها الاميركيون، وان البث تركز بل اقتصر على الابطال الاميركيين. ولعل اغرب ما حصل في هذا المجال، هو ان نقل مباريات كرة القدم توقف منذ أن أقصى المنتخب المصري نظيره الاميركي!

نظمت لوس انجلس الألعاب الاولمبية وهي المدينة الوحيدة التي ترشحت لاحتضانها، وسبق لها ان نافست موسكو على دورة 1980.

مقاطعة سوفييتية

وردت «الكتلة الشرقية» بزعامة الاتحاد السوفييتي، وباستثناء رومانيا، التحية للمقاطعة الغربية، الاميركية تحديدا، لدورة موسكو، وجاءت الحجة المعلنة قبل أشهر من موعد الألعاب انه لا توجد حماية كافية للرياضيين.

قاطع الاتحاد السوفييتي «الاولمبياد الـ23» ، فحذت حذوه 13 دولة في مقدمها ألمانيا الشرقية وبلغاريا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا وكوبا وإثيوبيا... وبدأ العدد هزيلا قياسا بالمقاطعة الغربية قبل أربعة أعوام، لكن المحصلة الرياضية للواقع الجديد ان 58 في المئة من «قوة الميداليات» في دورتي 1976 و1980 غابت عن الساحة.

شارك في دورة لوس انجلس 6797 رياضيا بينهم 1597 امرأة يمثلون 140 بلدا وهو رقم قياسي من ناحية الدول، وتباروا في 221 مسابقة ضمن 22 لعبة هي: ألعاب القوى، التجديف، كرة السلة، الملاكمة، الكانوي، الدراجات، الفروسية، المبارزة، كرة القدم، الجمباز، رفع الأثقال، كرة اليد، الهوكي على العشب، الجودو، المصارعة، السباحة، الخماسية الحدية، الكرة الطائرة، الرماية، القوس والسهم واليخوت، فضلا عن البيسبول التي أدرجت استعراضيا.

ماراثون السيدات جديد الألعاب

وللمرة الأولى يدرج الماراثون للسيدات وتعتمد المسابقة السباعية بدلا من الخماسية ضمن مسابقات ألعاب القوى، والجمباز الإيقاعي والسباحة التوافقية، وسباق الدراجات على الطريق للسيدات، ويسمح لمحترفي كرة القدم الذين لم يسبق لهم أن شاركوا في كأس العالم، خوض الاولمبياد. وعلى رغم الملاحظات الكثيرة على حفلة الافتتاح، فقد جاءت هوليوودية صرف، واشرف عليها المخرج ديفيد والفر.

ونقلت الشعلة إلى الاستاد جينا همفيل، حفيدة جيسي اوينز، وأوقدها في المرجل بطل المسابقة العشارية في دورة روما 1960، رافر جونسون. وأدى القسم الاولمبي بطل سباق 400 م حواجز أدوين موزس.

وكان موزس فاز في دورة مونتريال 1976، ومنعته المقاطعة الاميركية من الدفاع عن لقبه في موسكو، لكنه استعاده على أرضه، وجاء إنجازه من ضمن سلسلة الانتصارات الـ122 المتتالية التي حققها.

وحصدت الولايات المتحدة 174 ميدالية بينها 83 ذهبية، في مقابل 53 لرومانيا (20) ذهبية، و58 لألمانيا الغربية (17)، و32 للصين (15).

ذكريات جيسي اونيز

استعاد الجميع عن طريق كارل لويس ذكريات جيسي اوينز، إذ جمع مثله أربع ذهبيات في سباقي 100 و200 م والبدل أربع مرات 100 م والوثب الطويل، وكانت بداية مسلسل جمعه الميداليات الاولمبية التي بلغت تسع ذهبيات حتى دورة اتلانتا 1996.

ديكر أسوأ الأميركيات حظاً

كانت حادثة اصطدام العداءة الاميركية ماري ديكر بالبريطانية المجنسة زولا باد وسقوطها أرضا خلال سباق 3 آلاف متر من أبرز الحوادث التي شهدتها الدورة.

والواقع أن ديكر (26 عاما) من أسوأ الأميركيات حظا، ولا يمكن اعتبارها فازت أو فشلت، لأنها لم تصل إلى خط النهاية، وهي لم تشارك في دورة ميونيخ عام 1972 نظرا إلى صغر سنها، وفي دورة مونتريال لعدم بروزها، وعندما تهيّأت للمشاركة في دورة موسكو اتخذت السلطات قرار المقاطعة.وحين سقطت ديكر أرضا في لوس انجلس أخذت تجهش بالبكاء. ونجم الوقوع عن ارتطام عقب باد بفخذ ديكر الأيسر قبل النهاية بثلاث لفات، ولما همّت بالنهوض لتتابع السباق لم تستطع التحرك وخُيِّل إليها أنها مقيدة إلى الأرض وبيدها اليمنى الرقم الملصق على ظهر باد، وكل ما كانت تستطيع القيام به في تلك اللحظة هو مشاهدة الأخريات وهن يتابعن السباق!.

وكان ذلك من حظ الرومانية ماريسيكا بويكا والبريطانية ويندي سلاي اللتين حلّتا في المركزين الأولين.

وأثيرت ضجة بشأن هذه الحادثة، إذ شطبت باد التي حلّت سابعة، وهذا ما أثار حفيظة الإنكليز فاعترضوا واتهموا ديكر بالخطأ. وقُبِل الاعتراض وأعيدت باد، التي تأثرت كثيرا لسقوط ديكر لأنها تعتبرها مثلها الأعلى وكانت تحتفظ بصورتها على حائط غرفتها.

إنجازات العرب

للمرة الأولى، اعتلت فتاة عربية افريقية أعلى منصة، وهي بطلة سباق 400م حواجز المغربية نوال المتوكل، إنجاز انسحب على القارة الإفريقية كلها أيضا، وتوج مواطنها «الظاهرة» سعيد عويطة بطلا لسباق 5 آلاف م. وإلى جانب الذهبيتين المغربيتين، حصد العرب فضيتين بواسطة السوري جوزيف عطية في المصارعة اليونانية- الرومانية، والمصري محمد رشوان في الوزن المفتوح للجودو، الذي كان بمقدوره نيل الذهبية، لكنه فضل الا يؤذي منافسه الياباني ياشوهيرو ياماشيتا المصاب في يده، واستحق لاحقاً جائزة «الاونيسكو» للأخلاق الرياضية. وأحرز لاعب كرة السلة المصري محمد سليمان «سلعوه» فوزا معنويا، تمثل في احتلاله المركز الأول في قائمة الهدافين.

سيؤول: 1988 فضيحة بن جونسون تعكر صفو «أرض الصباح الهادئ»

سيؤول تسعة ملايين نسمة، عاصمة كوريا الجنوبية، بلاد بعيدة للغاية يقطنها شعب غريب، استضاف حدثا كبيرا جدا هو ألعاب الاولمبياد الرابعة والعشرين.

وفي كوريا الجنوبية «أرض الصباح الهادئ» كانت الأغلبية العظمى من المواطنين مصممة على إظهار أفضل وجه لبلادها أمام العالم، وفي حفلة الافتتاح تجلى تاريخ البشرية كله في الاستعراض الذي أقيم في الاستاد،

وتسلم خلاله كل متفرج جهاز استقبال صغير تمكن بواسطته متابعة وقائع الاحتفال بثماني لغات.

وللمرة الأولى في تاريخ الألعاب، بدأت مراسم المهرجان من خارج الملعب وتحديدا من مياه نهر هان المجاور حيث كانت سفينة كبيرة تتقدم أسطولا من خمسة آلاف زورق وتقوم باستعراضات رائعة.

وحمل الشعلة إلى الملعب الكبير بطل ماراثون دورة برلين سون كيتي (سون كي شونغ) وسلمها إلى العداءة لي شام هاي، الفائزة بثلاث ذهبيات في الدورة الآسيوية 1986، التي أوقدت شعلات ثلاثة أشخاص يمثلون الأكاديميين والفنانين والرياضيين، فأوقدوا بدورهم الشعلة العملاقة وفق طريقة مبتكرة.

وتلت قسم المتبارين لاعبة كرة السلة هيوغ جاي.

خاض المنافسات 8465 رياضيا بينهم 2184 امرأة من 159 بلدا وهو رقم قياسي، وغابت تضامنا مع كوريا الشمالية كوبا واثيوبيا ونيكاراغوا.

وشملت الدورة 237 مسابقة في 23 لعبة هي: ألعاب القوى، التجديف، كرة السلة، الملاكمة، الكانوي- كاياك، الدراجات، الفروسية، المبارزة، كرة القدم، الجمباز، رفع الأثقال، كرة اليد، الهوكي على العشب، الجودو، المصارعة، السباحة، الخماسية الحديثة، كرة المضرب، كرة الطاولة، الرماية، القوس والسهم، الكرة الطائرة والألواح الشراعية.

وسجلت عودة كرة المضرب للمرة الأولى منذ 64 عاما، ودخول «اللعبة الدبلوماسية» كرة الطاولة.

وكانت بعثة الولايات المتحدة الأضخم (722 شخصا)، تلتها بعثة الاتحاد السوفييتي (655).

وفي ثاني مدينة آسيوية تستضيف الألعاب بعد طوكيو عام 1964، وتحسبا لأي ردات فعل بعد التظاهرات الطلابية التي قمعتها السلطات قبل الدورة، خصصت تدابير أمنية غير عادية.

33 ميدالية لكوريا

 

وشهد أسبوعا المنافسات حصد الاتحاد السوفييتي 132 ميدالية بينها 55 ذهبية، وجاءت ألمانيا الشرقية ثانية بـ102، (37 ذهبية)، والولايات المتحدة ثالثة بـ64 (36). وكانت المفاجأة الأبرز حلول كوريا الجنوبية رابعة بـ33 ميدالية (21).

وبذلك كرر الاتحاد السوفييتي إنجاز الصدارة للمرة السادسة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

أما المحصلة العربية الإجمالية، فقد بلغت ست ميداليات هي: ذهبية المغربي إبراهيم بو الطيب في سباق 10 آلاف متر، وبرونزيات المغربي سعيد عويطة في سباق 800م، الذي اعتبر من كبار الخاسرين في الدورة، ومواطنه الملاكم

عبدالحق عشيق في وزن 57 كلغ، والجيبوتي أحمد صلاح أحمد في الماراثون.

لويس وجونسون في سباق القرن

 

وسجلت الدورة عودة علنية للمحترفين، ففازت الألمانية الغربية شيتفي غراف بذهبية كرة المضرب، ووصلت المنافسة بين الاميركي كارل لويس والكندي بن جونسون في سباق 100م إلى القمة، فأطلق عليه «سباق القرن».

وفاز جونسون مع رقم عالمي جديد مقداره 73.9 ث في 24 سبتمبر، ثم انفجرت أشهر فضيحة في التاريخ الاولمبي بعد ثلاثة أيام حيث تبين أن العداء الكندي تناول منشطات فقدمت الذهبية إلى غريمه وشطب الرقم.

واللافت في هذه الدورة تبادل الألقاب في ألعاب كانت حكرا على دولة دون غيرها، إذ دخل لقب كرة القدم في جعبة الاتحاد السوفييتي بعد مضي 32 عاما، أي منذ عام 1956، وأسقط السوفييت الاميركيين للمرة الثانية بعد الأولى عام 1972. في المقابل، انتقل لقب الكرة الطائرة إلى الاميركيين للمرة الأولى، وخرجت اليابان إمبراطورة الجودو بذهبية واحدة، وانتزع الكينيون «عداؤو السافاري» معظم سباقات الجري من الـ800 إلى 5000 م بفضل بول ايرينغ وبيتر رونو وجون نغوجي وجوليوس كاريوكي، ولم يصل أي صيني إلى الدور نصف النهائي في فردي كرة الطاولة.

وعلى صعيد الأرقام القياسية، تسجل 27 رقما عالميا في ألعاب القوى والسباحة ورفع الأثقال والرماية، وكانت هناك ميزة خاصة هي تحطيم بعض هذه الأرقام بالجملة، لا بل من دقيقة إلى أخرى.

ونال 34 لاعبة ولاعبا ميداليتين ذهبيتين على الأقل، والأوفر ألقابا بين الرجال هو السباح الاميركي مات بيوندي الذي أحرز سبع ميداليات منها خمس ذهبيات في سباقات 50 و100 م حرة، والبدل 4 مرات 100 م و4 مرات 200 م حرة و4 مرات 100 م متنوعة.

دراما مباراة الملاكمة

 

وإذا كانت لا تمر أية دورة من دون مفارقات، يسجل في سيؤول بعض الاتهامات للتلاعب في نتائج الرماية والملاكمة، والتهجم على الحكام وضربهم، ومن أبرزها تحول حلبة الملاكمة التي كانت تقام عليها مباراة الكوري الجنوبي بيون يونغ والبلغاري ألكسندر خريستوف إلى مسرح لفوضى كبيرة واشتباكات عدة.

ففي مناسبات عدة فصل الحكم بين الملاكمين ووجه اليهما إنذارات وعندما تلقى يونغ إنذاره الثالث طلب الحكم الرئيسي من زميله على الحلبة اعطاءه نقطة جزاء، وأضيفت إلى رصيده أخرى في الجولة الأخيرة، ما منح الفوز لمنافسه البلغاري، فصعد مدرب يونغ وعدد من مواطنيه إلى الحلبة للاعتداء على الحكم الذي حماه زملاؤه. وانضم أعضاء أجهزة الأمن الكوري الجنوبي إلى المعتدين ووجهوا ضربات إضافية إلى الحكم.

وبمجرد انتهاء الاشتباك صعد يونغ إلى الحلبة وجلس فوقها رافضا التحرك احتجاجا على قرار الحكم. وبقي في مكانه 67 دقيقة، وهو رقم «قياسي اولمبي» في الاعتصام لم يحطم حتى الآن.