منذ عشر سنوات تقريباً، قال يحيى البشري إنه ضاق ذرعاً بالثوب الأبيض البسيط الطويل الذي يرتديه معظم الرجال في السعودية.

Ad

ابتكر البشري الذي صمم سابقاً أزياء للنساء، مجموعة من الأثواب للرجل تشمل أشكالاً هندسية مطرزة بدقة، أو لصوقاً من قماش الدنيم أو الجلد، وبعضها مصنوع بالكامل من القماش من اللون نفسه.

لكن يبدو أن المملكة العربية ليست جاهزة بعد للاقبال على تصاميم البشري.

يقول البشري: «أصيب كثر بالصدمة لأنني كنت أعمل على فكرة الثوب، الذي يعتبر الزي الوطني، فاتُّهمت بمحاولة تدمير ثقافتنا وبالترويج للمثلية الجنسية وجعل الرجال يشبهون النساء. قال البعض إن ما من شخص سليم العقل سيرتدي تصاميمي».

لبضع سنوات لم يفعل أحد ذلك. لكن تدريجيا أصبح زبائنه الرجال أكثر جرأة، وقد شجعهم على ذلك جزئياً رد فعل النساء الإيجابي على ارتدائهم تلك الأثواب.

يملك البشري (46 عاماً) اليوم متجراً راقياً في جدة، حيث يقيم، يتألف من طابقين يضمان أزياء للرجال والنساء، ومتجراً آخر في الرياض، العاصمة، وصالة عرض في باريس. أما زبائنه فهم من نخبة المجتمع الراقي في السعودية، من بينهم العاهل السعودي الملك عبد الله وأفراد آخرون، رجالاً ونساء، من العائلة المالكة.

اعتاد البشري، الذي كان في أواخر ثمانينات القرن الماضي من أوائل السعوديين الذين دخلوا عالم الموضة، على تخطي العوائق.

قطع والده الذي شعر بالصدمة وخيبة الأمل لاختيار ابنه لمهنته، علاقته به في بادئ الأمر آملاً أن يتحوّل إلى مسار مهني تقليدي، فتحمّل البشري أعباء دراسة تصميم الأزياء في إيطاليا وفرنسا لمدة سنتين ونصف السنة، بما في ذلك فترة من الوقت أمضاها في دار أزياء «جان لويس شيرير»، وذلك من خلال تأليف القصائد وبيعها، والعمل عن طريق الاكتتاب لحساب صحيفة محلية.

عاد البشري إلى المملكة العربية السعودية عام 1990 وافتتح متجراً صغيراً في شارع هادئ في جدة، فهاجمت الشرطة الدينية أو المطاوعون متجره ست مرات تقريباً، متهمةً إياه بانتهاك الحظر على اختلاط النساء بالرجال من دون رابط قرابة بينهم. كذلك، حُجِزَت مجلات الأزياء التي اشتراها أو مزِّقت في نقطة الجمارك في المطار، ودمرت الدمى التي تستعمل عادة لعرض الثياب في الواجهات (mannequins)، التي حاول استيرادها أو مُزقت بسبب الحظر الديني على التماثيل.

فرصة ذهبية

يقول البشري، وهو مطلّق وأب لولدين: «كنت أصاب بالاكتئاب لأسابيع وأحياناً لأشهر بعد كل حادثة، لكن حبي لتصميم الأزياء كان أكبر من التحديات التي كنت أواجهها، وكنت أعيد الكرة دائماً».

يشير البشري إلى أنه رفض الاستسلام لأنه أراد أن يثبت لوالده وللمجتمع السعودي أن تصميم الأزياء فن، ومهنة محترمة. حصل على فرصته الذهبية عام 1997، عبر اتصال هاتفي من البلاط الملكي. أراد الملك عبد الله رؤية تصاميمه، وبدأ البشري يستعد لذلك. في بحثه عن أزياء الرجال العرب، اكتشف أنه في أربعينات وخمسينات القرن الماضي، كان الملك عبد العزيز بن سعود، وهو مؤسس المملكة ووالد الملك عبد الله، يرتدي عباءات طويلة مزينة بدقة ومخصصة للمناسبات الرسمية.

يتابع البشري: «عرضت أمام الملك عبد الله الكتاب الذي يتضمن صوراً للعباءات التي كان والده يرتديها، وفسرت له أن اللون الأبيض الذي نرتديه الآن لم يكن جزءًا من تقاليدنا بل شيئًا جديداً بالنسبة إلى المجتمع، يعود إلى ثلاثة أو أربعة عقود فقط».

السبب برأيه هو أنه في ستينات القرن الماضي، أدت الثروة النفطية الجديدة في المملكة إلى نشوء دولة أكثر حداثة، وإلى نمط حياة أقل قساوة، فأصبحت الأثواب البيضاء، التي تعكس الحرارة، أكثر عملية وسهولة في التنظيف.

يضيف البشري: «عندما بدأ الناس يرتدون هذا النوع من الأثواب، كان الجميع مقتنعاً بأنه جزء من ثقافتنا، لكن آباءنا لم يرتدوه دائماً. بحثت عن الأزياء التي كانوا يرتدونها في الماضي لأنني عرفت أننا كنا نفتقر إلى الأدوات اللازمة ولم يكن لدينا قطاع صناعة ملابس هنا، فاكتفينا بالملابس التي نستوردها».

يُذكر أن البشري أخبر الملك عبد الله أن أزياءه مستوحاة من الفن العربي والإسلامي، لا سيما الرسوم الهندسية للمنازل في منطقتي وسط نجد وجنوب عسير، ومن الشعريات التي توضع على النوافذ والأبواب في المنطقة الغربية من الحجاز. يقول إن الملك طلب منه أن يصمم عباءات تشبه تلك التي ارتداها والده وأثواباً بأقمشة زاهية.

تميّز

نشرت الصحف صوراً للبشري والملك عبد الله في مهرجان ثقافي سنوي أوكل في خلاله إلى البشري تصميم ألف عباءة طويلة مزينة بدقة يرتديها الرجال في المناسبات الرسمية، لبرنامج يضم مجموعة من المغنين المشهورين، كذلك ثمة شريط تلفزيوني يظهر فيه الملك وهو يقدم البشري إلى السلالات الملكية في المنطقة. بعد وقت قصير، تلقى البشري اتصالاً هاتفياً من والده. عن الإتصال يقول: «لم يكن اتصل بي أبداً سابقاً. هنأني وقال إنه لطالما كان فخوراً بي، على الرغم من أقاويل الناس، وكانت تلك أكثر اللحظات التي افتخرت فيها بنفسي».

قبل حلول عطلة العيد، عندما يشتري المسلمون ملابس جديدة، يعج متجر البشري الجديد برجال يرتدون الأثواب ويتنقلون عبر الرفوف. منذ وقت قريب، كان البشري جالساً على كرسي من الجلد الأسود وهو يمرر قلمه على ورقة صفراء ويصمم مجموعة جديدة من الأثواب المزينة بقصاصات من الجلد لمجموعة من الزبائن الشبان.

في هذا الإطار يقول محمد عبد الغفر، 46 عاماً، «سئمت من الأثواب التقليدية، بالإضافة إلى أن تصاميم البشري مميزة وجذابة. ابتكر ثورة في أزياء الرجال، والآن ها هم أولادي يشترون أثوابهم من متاجره، لكنها أكثر جرأة من أثوابي».