تأليف: شيب هيت ودان هيت الناشر: الدار العربيّة للعلوم ناشرون. منذ وُجد كان الإنسان وهو يناضل لإثبات فكرة. لم يكن العالم يوماً أكثر من أفكار، فمن الناس مَن توفّق وتفوَّق بنشر فكرة ما واستطاع أن يمدّها بالحياة فنجت من الموت، ومنهم مَن لم يحسن إطلاق فكرته فسقطت عن شرفة الحياة وربمّا قبل سقوطه. لكن لموت الأفكار أسبابه مثلما لبقائها على قيد الحياة أسبابه، وإذا كانت الأفكار قديماً تثبت أو تزول ويردّ ذلك الى عبقرية أصحابها وقوّتهم ونفوذهم أو ضعفهم وقصر نظرهم وجهلهم، فإنها اليوم تخضع لمجهر البحث العلميّ عرضاً ونقاشاً وتحليلاً، كيف لا، والأفكار أمهر الأمور في صناعة العالم والإنسان، وطالما سقط شهداء لأجل فكرة ما لبثت أن استشهدت بعدهم، وطالما نجحت فكرة في البقاء بلا كثير من الشهداء. الأفكار متنوّعة، منها ما هو مجّاني يرتبط مباشرة بمخاطبة العمق الإنساني من أجل إنسان أفضل أو أسوأ، ومنها ما يبغي الربح والتجارة والتوسّع المادّي... والثابت في عصرنا أنّ العِلم بات يقف وراء كلّ شيء، والأفكار هي الكائن الذي دخل مختبر العلم كموضوع مستقلّ بذاته، وصار علم الأفكار قائماً، وبالإمكان توجيه الإنسان ليس الى طريقة الإتيان بالفكرة المناسبة بحسب معطيات معينة فحسب، إنما الى طريقة طرح الفكرة من خلال تعليمات وتقنيات ومواصفات لتستطيع الفكرة إثبات حضورها الفاعل ودخول عالم منافسة الأفكار أيضاً.«أفكار وُجدت لتبقى» لمؤلفَيه شيب هيت ودان هيت، كتاب يطرح واقع الأفكار ويدرسه علميّاً وصولاً الى إظهار سبب بقاء بعض الأفكار في مواجهة الحياة وزوال البعض الآخر. في المقدّمة تساؤل حول ولادة الأفكار «هل تولد الأفكار مثيرة للاهتمام أم تُجعل كذلك؟» وسرعان ما يأتي الجواب: التنشئة هي محقّقة النجاح. يبقى البحث والعمل لاكتشاف الطريقة الفضلى لإيصال الأفكار بالفاعليّة الأكبر وبالأداء المختلف. لا بدّ من التحليل حين نجد أنّ جيّد الأفكار يواجه صعوبات كثيرة ليصل الى تحقيق النجاح في العالم، في حين أن قصَّة سخيفة تنتشر بسرعة البرق وترسخ في عقول الناس وقتاً طويلاً بلا أيّ مساعدة أو مورد أو دعم يُذكر. السرّ هو في إيصال الفكرة بطريقة تجعل الإنسان يصغي ويهتمّ، فترسخ الفكرة في رأسه من خلال تذكّرها الدائم ويكون لها سلطة تصل الى تبديل الآراء والتصرّفات أيضاً.أما الشروط التي يحدّدها مؤلّفا الكتاب بغية الوصول الى حياة الفكرة فهي: البساطة، غير المتوقّع، الملموس، المصداقيَّة، العاطفيّ، القصص.فوضى• البساطة: تأبى الأفكار الرسوخ في بيئة الضجة والفوضى، والنجاح شرطه التحلّي بالبساطة. ليس المقصود بالبساطة الاقتصاد اللغويّ أو الصوتيّ، إنّما السعي الى العثور على أساس الفكرة الذي يتيح التعمّق في المعنى الأساسيّ. لهذه الغاية، لا بدّ من إزالة كلّ ما يدعو الى الالتباس. ربّما الأصعب يكمن في الوصول الى الأفكار التي قد تكون مهمّة بالفعل والتي قد لا تشكّل الفكرة الأكثر أهميّة. المطلوب من الذين يصمّمون الأفكار السهلة معرفة القدر الذي يؤخذ من فكرة ما قبل أن ينفد معناها.• غير المتوقّع: يرتكز لفت الانتباه على كسر النمطيَّة المعروفة والشائعة، وأحياناً ليس لنا أن نطلب الانتباه إنّما يجب أن نستقطبه بمبادرة منّا وهنا التحدّي الأكبر. لا بدّ من الإشارة الى أن الدماغ البشريّ متأهّب لمعرفة التغييرات من خلال تصميمه، وهذا الأمر لا يهمله مصمّمو المنتجات إنما يبنون عليه. يبقى السؤال: كيف آخذ انتباه الآخر، وكيف يمكنني المحافظة عليه؟ ولفهم هذا السؤال، علينا أن نفهم المفاجأة والاهتمام اللذين تأتي بهما الفكرة المؤهّلة للرسوخ. تحتفظ الأفكار المؤهّلة لأن ترسخ بشكل طبيعي بقدرتها على المفاجأة لأنها غير متوقَّعة.• الملموس: يصعّب التجريد الفكرة على مستوى الفهم والتذكّر، كذلك يصعّب تنسيق النشاطات مع نشاطات أخرى، إنّما هناك تفسير للتجريد بأكثر من طريقة، والملموس يقدّم المساعدة المطلوبة لتجنّب المشاكل. الحواسّ هي التي تثبت الملموس، ومعظم الأحيان يكون للملموس ارتباط بإنسان معيّن يقوم بأمر معيًَّن. تقدّم اللغة الملموسة لنا، لا سيما إذا كنا مبتدئين، مساعدة كبيرة لمحاولة فهم أيّ مفهوم جديد. يسهّل الملموس «بناء لمحات أكثر عموميّة، وتجريداً على أسس معرفتنا ومفاهيمنا الحاليّة». لا يمكن أن يُبنى التجريد إلا على أساس الملموس، وأيّ محاولة لفهم مبدأ تجريدي بعيداً من أُسس الملموس ضربٌ من الإبهام والاستحالة المنطقية التي تعطل كل الدروب الى الفهم. مصداقية• المصداقية: يعتقد كلّ منا أن الأهل والأصدقاء يصدقون، ونحن نصدق أيضاً بسبب تجارب لنا قادتنا الى معتقداتنا وثوابتنا، وبسبب الدين والثقة بالسلطات السياسية... يُذكر أن التفاصيل الحية واحدة من الطرق الى المصداقية الداخلية، وكذلك الإحصاءات وغيرها من الوسائل التي تضع المتلقّي أمام واقع قابل للتصديق مع إعمال الشكّ المباح حيث تقتضي الحاجة. لا بدّ، دائماً، من العثور على مصدر من مصادر المصداقية المناسب لاعتماده في المسألة المناسبة. علينا ألا ننسى مصداقيّة الجمهور بعد عملنا على المصداقيّة الخارجية والداخليّة لأيّ شيء. من غير الواضح أيّ مصدر مصداقية يمكن اللجوء اليه، وذلك في ضوء تجارب لا تحصى.• العاطفي: ليس المطلوب «إحداث مشاعر من حالة ليس فيها مشاعر»، إنّما يُلاحظ أن أفكارًا كثيرة تلجأ الى استراتيجية منحرفة لتربط نفسها بالمشاعر الموجودة أصلاً. التعاطف نابع من الطابع الخاصّ أكثر منه من الطابع العام، وهنا يحضر قول تيريزا: «إذا نظرتُ الى الحشد فلن أعمل أيّ شيء على الإطلاق، وإذا نظرت الى الفرد فسأعمل». على مُطلق الفكرة أن يدفع الآخر الى التخلّي عن أحكامه المسبقة وعليه أن يعلن تعاطفه مع أحد معيَّن، وأن يظهر أن ما يقدمه من أفكار يتصل مباشرة بما يهمّ الناس. لا بدّ أيضاً من مناشدة الهوية والانتماء في الآخر.• القصص: فاعلية القصة واضحة في توليد الحماسة في الناس ليكتشفوا بأنفسهم ما هو مناسب من أنواع التصرّف، وفي الإلهام الذي تقدّمه مجاناً للمتلقّي والذي تدريجيا يصير حافزاً، وذلك في سياق الاتجاه نحو الفعل، ولا ننسى حضور القصَّة ودورها في مجال الإعلانات. من القصص ما يلهم على مستوى الابتكار وذلك شأن نيوتن والتفاحة التي سقطت على رأسه، فكانت نظرية الجاذبية. للقصص القدرة على هزيمة «لعنة المعرفة» لأنّ معظمها ملموس وحسّيّ ويتّصل بالعواطف والحواسّ، فهي الأكثر قدرة على التعبير عن جوهر ما يراد قوله، وليس أكثر من القصة قدرة على تغيير مجرى حياة. «أفكار وُجدت لتبقى» منتَجٌ حديث في موضوعه، ومتقدّم عرضاً وشرحاً وتحليلاً، وهو غنيّ الى حدّ بعيد بالأمثلة والبراهين والاستنتاجات التي لم تأتِ إلاّ بعد عرض لأحداث واقعيَّة، ما يكسب الكلام مصداقية كبرى ويجعل أفكار هذا الكتاب موجودة لتبقى.
توابل - حبر و ورق
أفكار وُجدت لتبقى
26-09-2008