سلط «تمني» رئيس مجلس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة أنْ توافق الحكومة اللبنانية بالإجماع على أي طلب تتقدم به المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه لتسليمها الموقوفين رهن التحقيق في هذا الملف، سلط الضوءَ على ملف خلافي جديد يمكن أن يواجه لبنان في غضون الأسابيع القليلة المقبلة، وتحديدا بعيد بدء المحكمة الدولية لعملها مطلع شهر مارس المقبل.

Ad

والمعروف أن نظام المحكمة يقضي بأن يرفع القضاء اللبناني يده عن كل التحقيقات، ويسلم كل ما لديه من وثائق وموقوفين وإثباتات ومضبوطات الى المحكمة التي اتخذت من لاهاي مقرا لها، لتصبح كل المسائل المتعلقة بالنظر في هذه المسألة والبت بالطلبات الخاصة بمصير الموقوفين والشهود من صلاحياتها حصرا. وتبرز في ضوء هذا الاستحقاق وجهتا نظر:

- الأولى تقول بوجوب أن يكون أي قرار في هذا الشأن صادرا عن مجلس الوزراء باعتباره السلطة التنفيذية.

- الثانية تقول بأن القرار مسألة قضائية من غير الجائز لمجلس الوزراء أو لأي سلطة سياسية أو إدارية أو أمنية التعاطي بها على قاعدة استقلال السلطة القضائية ووجوب عدم التدخل أو التأثير على عمل القضاء من جهة، وعلى قاعدة التزام لبنان القانون الدولي الذي تشكل قرارات مجلس الأمن جزءا منه من جهة أخرى.

ومع الدخول في التفاصيل، فإن الاقلية النيابية في لبنان (قوى 8 آذار) تعتبر تسليم الموقوفين مسألة سيادية تتطلب قرارا حكوميا يتخذ بأكثرية ثلثي اعضاء الحكومة، علما بأن رافضي التسليم والمتحفظين عنه يملكون الثلث المعطل القادر على الحؤول دون صدور قرار بتسليم الموقوفين الى المحكمة الدولية. وتشير مصادر هؤلاء الى أنه حتى لو لم يتطلب قرار التسليم موافقة الثلثين وإنما مجرد أكثرية عادية تملكها قوى 14 آذار، فإن الاقلية ستلجأ الى تعطيل نصاب أي جلسة تخصص لاتخاذ قرار بتسليم الموقوفين الى أي جهة خارجية.

في المقابل، يتساءل قيادي بارز في قوى 14 آذار عن الأسباب التي تدفع الأقلية الى رفض تسليم الموقوفين وفي مقدمهم الضباط الأربعة: اللواء الركن جميل السيد المدير العام السابق للأمن العام، واللواء علي الحاج المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي، والعميد الركن ريمون عازار مدير المخابرات الأسبق للجيش، والعميد مصطفى حمدان القائد الأسبق للواء الحرس الجمهوري في عهد الرئيس السابق إميل لحود، مادامت قوى 8 آذار تؤكد أن الرئيس السابق للجنة التحقيق الدولية سيرج براميرتس، والرئيس الحالي دانيال بيلمار أوصيا القضاء اللبناني بإخلاء سبيل الموقوفين الأربعة لديه. ويوضح القيادي نفسه أن المحكمة الدولية، إذا صحت ادعاءات المدافعين عن الضباط، ستعمد بعيد تسلمهم الى تنفيذ توصية التحقيق الدولي بإطلاق سراحهم على نحو يؤدي الى توجيه صفعة قاسية الى مصداقية الأكثرية النيابية والى سقوط كل الشعارات التي نادت بها على مدى السنوات الأربع الماضية، مع ما يعنيه ذلك من هزيمة سياسية للأكثرية ومن انتصار للاقلية الحالية يترجم في الانتخابات النيابية المقبلة.

ويخلص القيادي البارز في قوى 14 آذار الى اعتبار أية مواقف يمكن أن تصدر عن رموز الأقلية وممثليها في الحكومة برفض تسليم الموقوفين الى المحكمة الدولية بمنزلة اعتراف ضمني بمسؤولية ما للموقوفين رهن التحقيق عن جريمة اغتيال الحريري ورفاقه، وسقوط لعناوين الحملات التي قادوها على مدى السنتين الماضيتين باعتبار توقيف الضباط إجراء تعسفيا يفتقد الأسس القانونية والدلائل والقرائن التي تبرر هذا التوقيف.