في مؤتمر الدوحة اندمجت قمتا الدوحة والقارة الجنوبية معا، فكان لقاء تاريخيا مهما يؤكد ضرورة التحام مصالح الجنوب في عصر لم تعد القارة اللاتينية مظلمة فيما وراء المحيط، ففي عصر الانتقال السريع بالطائرات النفاثة العملاقة يصبح عالمنا أكثر تواصلا وتشابكا في المصالح الاقتصادية والتقارب الثقافي بين البلدان والشعوب.

وكعادته التقى شافيز العرب بعد انتهاء قمتهم الحادية والعشرين، وهو في حماس منقطع النظير، فقال ما يجب قوله وما خجل العرب بدبلوماسيتهم قوله فغضوا الطرف عنه، ففاضت أريحيته وتمددت!! وانبعثت من لسانه ألفاظ تطرب الشارع العربي، فكان لمذكرة البشير صداها في نفسه، معلنا بأن من ينبغي محاكمتهم في المحكمة الجنائية الدولية هما الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش وشمعون بيريز، فهما من تلطخت أيديهما بدماء الشعوب، وهما من مارسا إبادة واضحة لبلدان وأبرياء، فوجد في البيت العربي مساحة وحوشا واسعا لكي يحوم ويجول، فنحن كثيرا ما نثمن القدرات اللاتينية في التهديف، ليس بأرجلها وحسب إنما بقدراتها اللسانية المتسعة التي لا يلجمها عازل ولا حدود.

Ad

اليوم يحاول الرئيس شافيز في القارة اللاتينية أن يكون بطل المسرح هناك، محاولا أن يملأ المكان الفارغ لفيديل كاسترو العجوز المعروف بقدراته الكلامية ومكانته الشخصية لدى شعوب العالم الثالث تحديدا، بل الأكثر خصوصية لدى الشعوب اللاتينية.

وعندما دخل شافيز في مواجهة ساخنة مع الإدارة الأميركية، ارتفع رصيده الشعبي وصارت كل جولاته السياسية في الخارج أو في خطبه العصماء، وموضوعه المحبب بترديد نفس اللازمة السياسية، التي بات يعرفها العالم وهي هجومه على هيمنة الإدارة الأميركية على مصالح البلدان وثروة الشعوب، بل استخدام كل قدراتها العسكرية والمالية في هاتيك المجالات، فيما ترزح الشعوب تحت مظلات الشقاء والفقر والأمية والجوع والأوبئة والبطالة.

ما قاله الزعيم الفنزويلي في اجتماع قمة العرب والجنوب اللاتيني يفتح آفاقا جديدة للتعاون، خصوصا أن هذا اللقاء مع تكتل قاري مهم وصاعد يأتي في ظل ظروف دولية حيوية ومتغيرات جديدة في سياسة البيت الأبيض والاتحاد الأوروبي، وفي أجواء أزمة عالمية جديدة لا تحتمل الصدامات والتصعيد بين حضارات وشعوب العالم.

وقد أبدت قمة العشرين في لندن رغبتها في الخروج من قفص الماضي بإعلان سياستها الجديدة، المالية والاقتصادية والسياسية التي وضعت أسسا جديدة لتغيير مرحلة ما قبل الحرب الباردة الثانية، إذ لا يمكن للعالم وأي نظام دولي أن يواجه الأخطار والمشاكل بمفرده، سواء كان ذلك على مستوى الاقتصاد والسياسة، أو كان ذلك على مستوى البيئة والثقافات والحضارات المتباينة.

وقد بدت قمتا الدوحة، العربية والعربية اللاتينية وكأنهما تستكملان ما يواصل ويسعى إليه العالم الشمالي القوي في قمة لندن بتكملة إطار التعاون بينهما، إذ يشكل اللقاء في الدوحة طاقة هائلة من الشعوب والثروات، وإذا ما تم استثمار وتطوير تلك الطاقة بشكل دائم وصحيح، فإن التقارب ما بين الجنوب والشمال كما هو حاليا بين الجنوب والجنوب سيدفع عربة العالم في القرن الحادي والعشرين نحو آفاق أفضل.

ولن يحتمل قرننا مزيدا من المشاكل التي تعطل التنمية والاهتمام بمزيد من حاجات الإنسان الأساسية والالتفات إلى المعارف الإنسانية الجديدة، التي ستشكل مرتكز القرن الحادي والعشرين، غير أن العثرات والمشاكل الكبرى بحاجة إلى معالجة جادة لكي تمضي العقود القادمة على أساس متوازن بين البلدان وشعوب العالم، فما لم ينجز في القرن الماضي من حقوق ومسؤوليات يحتاج عصرنا إلى إنجازه دون تأخير للتنمية، ودون إدخال عالمنا وشعوبنا في حروب داخلية وخارجية مدمرة، قائمة على نهج التمزيق والتفتيت والتفرقة العرقية والدينية والعنصرية والتفاوت الاجتماعي العميق، بين الأغنياء والفقراء في عالمنا المرعب بمظاهر الحرب والثروة.

* كاتب بحريني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء