ليس مستحيلاً أن يكون بول سيزان، ذلك المسن المنطوي على ذاته الذي رفض مغادرة بروفونس حتى مماته في عام 1906، ابتكر أكثر فن تأثيراً وتعقيداً في الغرب. ففوضى فن بيكاسو التكعيبي، جمال فن موندريان التجريدي، حرارة فن بكمان التعبيري، حتى صور جيف وول الأخيرة التي تمتاز بإضاءتها الخلفية، تعود كلها إلى سيزان. يشكل تأثير سيزان المنقطع النظير موضوع Cezanne and Beyond (سيزان وما بعده)، معرض ضخم في متحف فيلادلفيا للفنون في الولايات المتحدة يستمر لغاية 17 مايو (أيار). وعلى محبي هذا الفنان ألا يفوّتوا أيضاً زيارة مؤسسة بارنز في الضواحي لأنها تملك 69 لوحة لسيزان. ولأن المؤسسة ترفض الإقراض، لم يشمل المعرض هذه اللوحات.يضم المعرض 59 لوحة لسيزان و118 لوحة لتسعة عشر فناناً عاشوا بعده. رُسم بعضها بعد موته مباشرة فيما أُعدت إحداها خصوصاً للمعرض. ويشمل أتباع سيزان فنانين يبدو تأثرهم به جلياً، مثل بيكاسو وماتيس وألبرتو جياكوميتي وجاسبر جونز. فتعجز لوحات هؤلاء الفنانين عن إخفاء ما تدين به لسيزان. أما الأعمال التي قد تستغرب تأثرها بهذا الفنان الفرنسي، فتشمل شخصيات شبيهة برجال فرناند ليدجر الآليين، ميول شخصيات مارسدن هارتلي الغريبة، وأرواح تشارلز ديموث الخانعة الجامدة.صحيح أن الأعمال المعروضة قد لا تذكّرك بسيزان مباشرة، لكن المعرض يبرهن كم تدين له هذه اللوحات. حتى أنه يبرز لمسات سيزان في مساحات إلزويرث كالي ذات اللون الواحد وخطوط برايس ماردن المتعرجة. فقد تعمّد كلا الفنانين تضمين لوحاتهما المجردة شيئاً من هذا الفنان الفرنسي.جلساتعلى رغم ذلك، يقصّر هؤلاء الفنانون التسعة عشر عن تجسيد الآفاق كافة التي فتحها سيزان. كان بإمكان القيمين على المعرض مثلاً رد فيلم أندي وارهول، الذي يصور فيه صديقه النائم طوال خمس ساعات، إلى هوس سيزان بالتأمل. فقد احتاج سيزان 115 جلسة لرسم نصف إحدى لوحاته. كذلك يمكن ربط توثيق هاميش فالتون لرحلاته في الطبيعة بانغماس سيزان المتواصل في الريف المحيط به.ما كانت عبثية دوشان لتظهر لولا جرعة التصميم التي تتخلل لوحات سيزان كافة. فعندما عُرضت للمرة الأولى، بدت أعمال الأخير خالية من أي مبدأ واستفزازية من دون أي هدف، تماماً كما أي عمل دادائي (Dada) لدوشان. حتى قيل إنك تعجز عن تمييز تفاحة سيزان من الوجه الذي يرسمه. وقد اعتبر كثر أنه يضع كامل العالم، فضلاً عن تاريخ الفن كله، في خلاط، فيما أن كل ما فعله دوشان قلب كرسي حمام رأساً على عقب.غابت عن المعرض أعمال مارسيل دوشان، لكن أبرز الغائبين سيزان نفسه بفنه القائم بذاته. فعندما ترى في الغرفة لوحة لسيزان، لا تهدر وقتك على أي لوحة أخرى. كذلك تكتشف أن رؤية أعماله من خلال أعمال فنانين أقل إبداعاً، وإن كانوا عباقرة، تبدو تافهة مقارنة بأعماله الأصلية. نتيجة لذلك، تشعر بعد زيارة Cezanne and Beyond أن سيزان هو الدليل الوحيد الذي يُعتمد عليه للتعرف إلى سيزان.
توابل - ثقافات
118 لوحة في فيلادلفيا تدين بالفضل لـ بول سيزان
22-03-2009