اكتسب الإعلامي د. وليد عاهد السعدي خبرة مهنية وإنسانية من خلال تنقله في شتى الميادين الإعلامية ونجح في كتاباته الصحافية في جعل قضية الإنسان في العالم العربي في ماضيه وحاضره ومستقبله عنواناً عريضاً لمسيرته الإعلامية.شهد عن كثب معاناة المواطن العربي من جراء الحروب التي فرضت عليه وعايش حرب اليمن عن قرب، ما زاده إيماناً بضرورة أن يخدم الإعلام قضية المواطن الرازح تحت نير البؤس والحرمان.في لقائه مع «الجريدة» يتحدث عن عالم الصحافة والإعلام في الوطن العربي.نبدأ من المكان والبيئة، ما الذي دفعك إلى ولوج عالم الصحافة؟انتابتني في المرحلة الإعدادية في مدارس دمشق حالات كتابية، أشبه بإيحاءات داخلية، دفعتني إلى إطلاق العنان لقلمي، فكنت أدوّنها على وريقات صغيرة وأجمع شتات هذه الوريقات الى أن التأم شملها في دفتر مدرسي مازلت أحتفظ به. في مرحلة الدراسة الجامعية في كلية الآداب قسم الفلسفة وعلم الاجتماع، تنقلت بين صحف عدة ومجلات كهاوٍ، إلى أن سافرت إلى دولة الامارات عام 1990، بعد أداء الخدمة العسكرية الإلزامية، والتحقت بقسم التحقيقات في جريدة «الفجر» السياسية اليومية وتدرجت في العمل فيها من محرر صحافي إلى رئيس قسم، إلى سكرتير تحرير، إلى مدير تحرير لسنوات عدة، راسلت خلالها صحفاً عربية ومجلات داخل الإمارات وخارجها. من ثم توليت منصب مدير مكتب جريدة «السياسة» الكويتية في الامارات ومدير تحرير مجلة «الديوان» الاماراتية. كذلك أغواني العمل التلفزيوني والإذاعي، فساهمت في إعداد برامج اذاعية وتلفزيونية، خصوصاً في إذاعة mbc fm ومحطة الـmbc وقدمت تقارير تلفزيونية بالصوت والصورة، وأتولى حالياً رئاسة تحرير مجلة «المنارة».كيف ترى تطورات المشهد الإعلامي العربي اليوم؟يبعث المشهد الاعلامي على الفرح أحياناً وعلى الحزن أحياناً أخرى، من جهة نفرح نحن الإعلاميين لأن الفضاء فُتح لنا، بعدما استقطب الإنفتاح الاعلامي العالمي رؤوس الأموال، وحصلت ثورة إعلامية في السنوات العشر الأخيرة لم يشهد العالم مثيلاً لها منذ قرون. أما حزننا فيأتي من عدم استثمار هذه الثورة بالشكل الصحيح، وعدم تسخيرها بالشكل المطلوب لفائدة مجتمعنا العربي، وإذ بنا نشاهد بعض القنوات «الفضائحية» وبعض المجلات التي «لا تسمّن ولا تغني عن جوع»، كذلك بعض الصحف المسيّسة التي لا تفيد إلا صاحب المصلحة، على حساب الجمهور.كيف نحقق الخصوصية وسط هذا العالم لا سيما أن تشابهاً يظهر في مواضيع بعض المجلات خصوصاً الفنية منها؟أدى الإنفتاح الإعلامي العربي، ولو بشكل جزئي، إلى ظهور مجلات فنية منوعة بلا هوية ولا معنى، لمجرد حب الظهور واستحداث منبر إعلامي يمرر من خلاله صاحبه ما يريد وما يشتهي، من دون احترام أدنى المستويات المهنية. تكمن الخصوصية هنا في تفرد القيّمين على العمل، إختيار الأبواب الصحيحة وان كانت مكررة في بعض المجلات، لكن تختلف طريقة الطرح وكذلك المستوى، وتساهم خبرة العاملين في هذه المجلة في الارتقاء بها لتكون منبراً حراً من دون الإساءة لأحد.كيف بدأ إهتمامك بتراث الإمارات وما الترجمة لهذا الاهتمام؟ نبع اهتمامي بتراث الإمارات من إهتمام المغفور له صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بتراث وطنه وتعلقه به وعمله على إحيائه، بالإضافة إلى التغطيات الصحافية الخاصة بالتراث التي كنت أقوم بها واكتب عنها بشكل مسهب، ما شكل لدي الأرضية الصلبة التي انطلقت منها في إعداد كتاب «زايد... الاصالة والتراث» بمساهمة كبيرة من رجل الأعمال سالم ابراهيم السامان، كان مرجعي في المفردات البيئية القديمة وفي ما يتعلق بالحياة التي عاشها الأولون في هذه البقعة من العالم. ما زادني فخراً تقديم الفريق الركن الطيار سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، نائب ولي عهد أبوظبي ورئيس أركان القوات المسلحة لهذا الكتاب بكلمات كان لها الأثر البالغ في نفسي.أثمر عملك كمراسل حربي كتاب «حرب الانفصال في اليمن»، الذي يحتوي وصفاً وتوثيقاً لأحداث مررت بها بعيداً عن التحليل السياسي، لماذا؟لم اكن أعلم أن دعوة الرئيس اليمني علي عبدالله صالح لي لإلقاء نظرة قريبة على التوترات التي حصلت عام 1994 بشأن موضوع الإنفصال، ستتيح أمامي الفرصة أن أشهد الشرارة الأولى لحرب الإنفصال، فلم أكد أصل إلى صنعاء حتى اندلعت الحرب وقصفت صنعاء بالصواريخ ووقع أولها خلف فندق الشيراتون، الذي نزلت فيه، خلّف خمسين قتيلا، وحوصرت هناك أكثر من واحد وعشرين يوماً شاهدت خلالها أحداثاً كثيرة والتقيت المسؤولين. كانت تجربة فريدة ومثيرة حقاً، فارتأيت أن تسجل في يوميات مراسل حربي حوصر في الغرفة 702، رقم غرفتي في فندق الشيراتون في صنعاء، وكنت محايداً في تسجيل هذه اليوميات، بعيداً عن تقلبات السياسة ورجالها.ماذا عن الخطوط الحمر في مسيرتك الاعلامية؟«الخطوط الحمر» عنوان كبير لخط وهمي، يوهم كثر ويرهب آخرين، لست بحاجة إلى تجنب هذه الخطوط الحمر لأنني لا أراها على الإطلاق، لذلك لا ترهبني، وعندما يعي الصحافي أو الإعلامي مسؤوليته تجاه وطنه وأمته وتجاه جيله، يعرف كيف يستخدم الحرية الممنوحة إليه، ويحترم عادات البلد الذي يعمل فيه وتقاليده ولا يخلط الأهواء الشخصية بالعمل المهني العام.أين الإعلاميون العمالقة اليوم على غرار أولئك الذين اشتهروا في النصف الأول من القرن العشرين؟ هناك الكثير من الاعلاميين المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة الصحافية في عالمنا العربي الحالي، لكنني وبكل صدق لا أرى اليوم عمالقة أيام زمان أمثال محمد حسنين هيكل، مصطفى كامل، مصطفى أمين وغيرهم.ما اللقاءات المهمة والحوارات التي أنجزتها وأثرت فيك؟ التقيت خلال مسيرتي الصحافية شخصيات مهمة سواء سياسية أو أدبية أو ثقافية أو إجتماعية أو حتى نسائية. لا أنسى لقائي صاحب السمو رئيس دولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، نظراً إلى الرؤية الحكيمة والثاقبة التي يتمتع بها بالإضافة إلى نظرة مستقبلية للأمور وتواضع يزيدك إعجاباً به واحتراماً له.من الشخصيات التي أثرت بي عندما التقيتها، الرئيس حافظ الاسد وكنت في عداد مستقبليه في مطار أبو ظبي أثناء زيارة سريعة له لدولة الإمارات وتحدثت إليه بشكل سريع، الرئيس بشار الاسد عندما التقيناه كأعضاء في الجالية السورية في فندق الإنتركونتننتال في أبوظبي، وقد عبر هذا الشاب الطموح عن رؤية مستقبلية واعدة تنم عن تفتح ذهني كبير وانفتاح على العالم بشكل مدروس، سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد رحمه الله الذي التقيته بعد الغزو العراقي الغاشم للكويت، الأمير الوالد المغفور له الشيخ سعد العبد الله الصباح الذي التقيته أثناء تكريمي ومجموعة من الإعلاميين لوقوفنا الى جانب الحق الكويتي أثناء الغزو، الرئيس الاميركي الأسبق جورج بوش الأب لدى زيارته أبوظبي، الملك عبدالله بن الحسين والملكة رانيا، السيدة منى الهراوي زوجة رئيس الجمهورية اللبنانية الأسبق الياس الهراوي، ونائب رئيس دولة الامارات ورئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي، الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك الذي أهداني كتابه، الأمير تشارلز ولي عهد إنكلترا، اضافة إلى الشخصيات الأدبية امثال الشاعر عبد الوهاب البياتي والأديب علي عقلة عرسان والشاعر عبد الرحمن الأبنودي.
توابل - مزاج
الإعلامي د. وليد السعدي: الخطوط الحمر في الصحافة خطٌّ وهمي!


18-12-2008
