دفع الأميركيون 76 مليون دولار لمشاهدة «ستار ترك» في أيامه الثلاث الأولى، فيما حاز الفيلم على 35 مليون دولار في 54 سوقاً سينمائية عالمية خلال الفترة ذاتها، ليفوز بالمرتبة الأولى في 23 منها والثانية في معظم الأسواق الأخرى، متفوقاً على «وولڤرين» بعد أسبوع من انطلاقته.أقبل موسم الصيف مبكراً هذا العام وقوامه إنتاجات كبيرة تصل إلى 15 فيلماً. لكن «ستار ترك» يختلف عن معظمها لأنه تقليد غارق في ثقافتي الصورة المضيئة والخيال اللامحدود. انطلق هذا العمل أوّل مرّة كمسلسل تلفزيوني عام 1966، وكتبه أحد أساتذة الرواية الخيالية- العلمية جين رودنبيري. وبعد النجاح الكبير الذي أنجزه «ستار وورز» نُقل العمل الى فيلم سينمائي، ثم توالت الأجزاء التي تصل مع الفيلم الجديد الى 11 جزءاً. ناهيك عن أن المسلسل لم يتوقّف. فبعد الحلقات الرئيسة منه والتي امتدت من 1966 الى 1969 أُطلقت حلقات أخرى بعنوان «ستار ترك: الجيل التالي»، واستمرت الى عام 1994، وقبل الانتهاء منها أنتج الصناع مسلسلاً منفصلاً بعنوان Deep Space Nine حيث المغامرة الفضائية تنتقل مع مجموعة جديدة من الممثلين الى عمق الأعماق على بعد ملايين السنوات الضوئية. استمر الأخير إلى عام 1999 وقبل نهايته بأربع سنوات، بدأ فيلم آخر بعنوان «فوياجر»، وبين 2001 و2005 انطلق Enterprise، بالإضافة إلى سلسلة كرتونية بُثّت عام 1973.يحتل «ستار ترك» في الثقافة الشعبية الأميركية حيّزاً أكبر من ذلك الذي احتلّه إلى الآن «ستار وورز» منذ انطلاقته الأولى. وفيما اعتمدت أفلام جورج لوكاس الستّة التي تتألّف منها مجموعتا «ستار وورز» (الأولى: 1977 - 1983، الثانية: 1999 - 2005) على سينما الحركة والمغامرة القائمة على مشاهد الحركة والقتال، كان السائد في حلقات «ستار ترك» اعتمادها على حبكة تبحث عن نوعية مختلفة من المغامرات، تتداخل فيها التنبؤات المستقبلية بالأبعاد الميتافيزيقية والرسائل الضمنية، مع قليل من المغامرة المباشرة.تدور أحداث «ستار ترك» ما بعد عام 2063، أي بعد نحو 10 سنوات من دمار الأرض في حرب كونيّة، وانتقال ميزان القوى في الكون الفسيح الى مجموعة «ڤولكونز» شبه البشريّة التي تنجح في تشكيل قوّة مؤلّفة من الكواكب المسكونة بالأجناس أسمها «الإتحاد الفدرالي للكواكب» United Federation of Planets. وتجوب مركبة ضخمة الفضاء باحثة عن إجابات كونية، ومتعرّضة لمجابهات معادية، في محاولة لإيجاد الحياة المنشودة. وفعلاً، بحسب كتابات رودنبيري، لا يتمحور العالم المقبل حول المال والماديات، بل حول العلم والبحث المعرفي.مشاهدة فيلم يدور حول فلسفة الحياة والحياة ما بعد الموت قد تبدو أمراً مملاً، إلا أن الأميركيين رحّبوا وما زالوا بتلك الأفكار والأبعاد على نحو ينزع عنهم صبغة عشقهم الترفيه والمتعة. وشكّلت السلسلة بحراً من القصص الخيالية المناط بها الحفاظ على هذه الأبعاد، فحازت نجاحات كبيرة على الشاشتين الصغيرة والكبيرة.لم يهدف المؤلف إلى تصوير المستقبل البعيد، بل تناول مسائل متعددة، من بينها حقوق الإنسان والعنصرية والمجتمعات القائمة على الطبقية ومفهوم الجنس والديانات والفكر الشمولي...عناية فائقةانطلق Star Trek: The Motion Picture سينمائياً عام 1979 بإخراج روبرت وايز الذي أخرج عدداً من أفلام الخيال العلمي مثل The Day The Earth Stood Still وThe Andromeda Strain، وبقيادة الأدميرال كيرك مركبة مهمّة لإنقاذ الأرض من سحاب كثيف مليء بشحنات حرارية وكهربائية وجّهه الأعداء إلى الأرض. أدّى الممثل وليام شاتنر دور الأميرال كيرك، قبل أن يتحوّل اليوم، الى مقدّم إعلانات لصالح وكالة سفريات. ويسانده غير البشري مستر سبوك (ليونارد نيموي)، والفريق المتفاني المؤلف من ديفورست كيلي، جيمس دوهان، جورج تاكاي، ونيشيل نيكولز.أخرج نيكولاس ماير الجزء الثاني «ثورة الخان»، الذي يحكي قصّة رحلة أخرى لسفينة انتربرايز بقيادة الأدميرال كيرك. تواجه المركبة حرباً ضارية يشنها حاكم أحد الكواكب خان سينغ، الذي يسعى إلى تسوية خلاف عمره 15 عاماً مع كيرك. وعلى رغم أن موضوعه بدا مجيّراً لخدمة وجهة نظر عنصرية، إلا أن الفيلم نجح في مهمته الترفيهية.بدوره، سعى الجزء الثالث «ستار ترك: البحث عن سبوك» إلى توسيع مداركه الزمنية، مسنداً بدايات الحياة الى الشخصية غير البشرية. وعلى رغم وفاة ليونارد نيموي الذي يؤدي دور مستر سبوك، أدرك كيرك وطاقمه الطريقة لإحياء الميّت عبر سرقة جسده وشحنه بروح هائمة. يُذكر أن الممثل ليونارد نيموي تولى إخراج هذا الجزء.تراجع الإيراداتالممثل نفسه أخرج جزءاً رابعاً عام 1986 بعنوان «الرحلة الى الوطن»، وفيه يتوجّب على الطاقم العودة الى الأرض مجدداً كي يمثل قائده أمام المحكمة الفدرالية بسبب سرقته جسد مستر سبوك. مع هذا الجزء بدا الترهل مبكراً على أجزاء شكّلت دعايات شخصية، ولم تصوّر أبعاداً فلسفية مختلفة. وبقيت الحال على ما هي عليه حين استلم الممثل وليام شاتنر دفّة الإخراج في الجزء الخامس «الحدود الأخيرة» عام 1989. المشكلة أن الأخير استمر أيضاً في تعزيز البحث في أصل سبوك بعد أن أغدق عليه الجزء الثالث بمواصفات «توراتية» قديمة، محوّلاً إياه إلى مخلوق مختار من الله. تظهر في الفيلم الجديد شخصية سيبوك شقيق سبوك. ويُشار الى أن الإقبال على هذه الأفلام بقي لا بأس به، لكنه لم يبلغ الشأن ذاته الذي حققته أفلام خيالية - علمية أخرى. فإيرادات الجزء الخامس، مثلاً، لم تتعدَّالـ 63 مليون دولار عالمياً، ما جعله نسبة إلى كلفته التي وصلت الى نصف المبلغ بأقل تقدير، عملاً خاسراً.من إخراج ماير أيضاً، ترك الجزء السابع The Undiscovered Country الديانات جانباً، وسعى إلى مغامرة يجد فيها قائد المركبة كيرك نفسه متّهماً بجريمة قتل فوق كوكب تسكنه مجموعة من المخلوقات غير البشرية. وبعنوان Star Trek: Insurrection تولى جوناثان فراكس، أحد أفراد طاقم المركبة، الجزء التاسع في السلسلة عام 1998، فكان الأخير الأفضل بين الأجزاء، إذ ارتفع فيه حس المغامرة مع الحفاظ على النوعية الفكرية، حتى إنه بقي أفضل من الجزء العاشر «ستار ترك: أعداء» من إخراج ستوارت بيرد عام 2002.عودة غير حميدةالضعف الذي أصاب الأجزاء كافة جعل النقاد والمتابعين والسينمائيين يعتقدون أن الحياة تسرّبت من جسد «ستار ترك» ولا يمكن إعادتها مجدداً. لكن كان لا بدّ من محاولة لإعادة إحياء سلسلة لا تزال تحتل جزءاً من الثقافة الشعبية لا يستهان به. Star Trek الجديد يكتفي بعنوان بسيط. وكما مسلسلات سينمائية كثيرة على غرار «باتمان» و{هالووين»... يعود الفيلم إلى الجزء الأول للاستعانة به. يبحث الجزء الجديد في جوهر الحياة، وفي العلم وثناياه والفلسفة الكامنة، وقد تولى كتابة السيناريو كل من روبرتو أورشي وأليكس كوتزمان، بقيادة المخرج ج. ج. أبرامز، ليتغيّر بذلك الفيلم الى نوع المغامرات الصاخبة ومشاهد الـ{أكشن» والضوضائية في الألوان والأشكال كما في الأصوات، لأجل جذب جمهور الشباب الذي لا يكترث للفكر (على أنواعه) بل للحركة والأسلحة والمركبات.يحق لصنّاع الفيلم الإستفادة من التطوّر التكنولوجي الذي أصاب السينما في السنوات الخمس الأخيرة، لكن تعرية الحكاية من مواقف كانت تقدّم العمل الفكري الى جانب المتعة البصرية لا يمكن تفسيرها إلا بالتقصير الواضح.يذهب الفيلم الى بدايات الحكاية الأولى، مقدّماً شخصياته من كيرك الى سبوك ومكوي وسكوت، بالإضافة إلى ممثلين شباب. فرحلات كهذه يستطيع من هم دون العشرين التحكّم بمقتضياتها وشروطها، فيشقّون الفضاء في مهمّة للنيل من متمرّد شرير أسمه كابتن نيرو (إريك بانا) ومستر سبوك الجديد موجود بين المخلوقات الشابّة، لكن وبـ{فذلكة» غير ضرورية، يظهر مستر سبوك الأول (ليونارد نيموي) الذي وصل عن طريق عربة الزمن. بكلمات أخرى مستر سبوك يزور نفسه! يحاول صنّاع الفيلم المستحيل لمنح الأخير مكانة واسعة إلى درجة أنهم يختلقون مشاهد لا ضرورة لها. المهم أن يعود وأن يقبض ثمن عودته.خيال واسعينتقل الفيلم من الخيال العلمي الى الخيال وحده. تصدمك المشاهد من حين إلى آخر بلامعقوليّتها. كيف يمكن، مثلاً، لمركبة الإنتربرايز الصغيرة الانتصار على مركبة فضائية تفوقها قوة بأضعاف.كذلك يشتمل السيناريو على ثغرات كثيرة، توضح أن المغامرة بالنسبة إلى الكاتبين لا يمكن معايشتها بطريقة الخيال، لذا كثُرت التجاوزات والسرعة في الإنتقال من مشهد إلى آخر.أخرج إبراهامز قبل هذا الفيلم الجزء الثالث من «المهمة المستحيلة» (بطولة توم كروز) وكان الأسوأ في السلسلة، ويبدو ألا شيء قد يدفعه إلى تغيير أسلوب عمله حتى لأجل عمل له تقاليد معينة. حركة سريعة تسيطر على الجزء الأخير كغيره من أفلام الحركة، إذ يركض المقاتلون وبحوزتهم السلاح، في الإتجاه الذي يعيّنه لهم المخرج، فيما تتعالى أصوات المتفجّرات. صنّاع الفيلم واثقون أنهم نجحوا في عملهم هذا وفازوا بإعجاب الجمهور، لكنهم في الحقيقة لم يقنعوا سوى عشّاق هذا النوع من الأفلام. وعلى رغم أن الخيال العلمي برمّته ليس نوعاً يشتاق إليه المشاهدون العرب كثيراً، الا أن متتبّعي السلسلة يدركون حين مشاهدة الفيلم الجديد، سواء أعجبهم أم لا، أنه لا يلامس الأفلام السابقة إلا بخيوط كخيوط عنكبوت.
توابل - Movies
الجزء 11 من مغامرات Star Trek... خيال السينما يتفوّق على العلم
15-05-2009