يقول محللون إن الانخفاض في أثمان مواد البناء الرئيسية قادم لا محالة؛ انطلاقاً من الهبوط الذي شهده سوق الاسمنت بعد تطبيق حظر التصدير عليها منذ أيام قليلة، معتبرين أن أهم ما يلفت النظر في قرار الحظر هو توجيهه مباشرةً إلى المنافذ الجمركية، وعدم احتوائه على أي استثناءات، ما يعني أننا في انتظار أثر مباشر وسريع على الأسعار.

Ad

تناقلت الأوساط الشعبية السعودية بارتياح كبير نبأ التوجيه الملكي الذي صدر لكل منافذ الجمارك بحظر تصدير مواد البناء الرئيسة (حديد، اسمنت، طوب)، متوقعين أن تسهم هذه الخطوة في كبح جماح الأسعار، وتمكين المواطنين من استئناف مشاريع مساكنهم الخاصة، التي تعاني التعثر أو التوقف الكلي منذ تزايد موجة الغلاء.

وتلقى الآلاف من مشتركي «جوال العربية» أمس الاول رسائل بهذا الخصوص، أعادوا بدورهم إرسالها إلى أصدقائهم ومعارفهم «تبشيرا» لهم بانخفاض قريب في سوق مواد البناء، حسب ما يرون.

حصار ثلاثي

وتعقيباً منه على خطوة إيقاف تصدير مواد البناء الأساسية، قال الخبير الاقتصادي فضل البوعينين: إن أهم ما يلفت النظر في الأمر الملكي هو توجيهه مباشرةً إلى المنافذ الجمركية، وعدم احتوائه على أي استثناءات حتى لمن يحملون «تصريحات رسمية» بالتصدير، ما يعني أننا في انتظار أثرٍ مباشر وسريع على الأسعار.

لكن الكاتب الذي كان ولايزال من أشد المطالبين بوقف تصدير مواد الإنشاءات، لم يشأ الخوض في التوقعات الرقمية، معتبرا أن الانخفاض في أثمان الحديد بالذات قادم لا محالة؛ انطلاقا من الهبوط الذي شهده سوق الاسمنت بعد تطبيق حظر التصدير عليه منذ أيام قليلة.

وتوقف البوعينين عند نقطة وصفها بالحساسة في مسألة منع تصدير الاسمنت، وهو أن هذا المنع في حقيقته لم يؤد إلى توفر سلعة كانت مفقودة بقدر ما غيّر في سلوك بعض التجار والموردين، الذين تقلصت «مناورة التخزين» لديهم إلى الحد الأدنى، ما جعلهم مجبرين على طرح بضاعتهم في السوق الداخلي بعد إقفال السوق الخارجي تماما.

ولفت إلى أن مشكلة تصدير مواد البناء لا تتوقف على التجار الكبار، بل إن هناك وسطاء لا علاقة لهم بالتجارة دخلوا على الخط، مسخِّرين شبكة العلاقات لديهم في إيجاد زبائن خارجيين يشترون منهم البضاعة على الحدود.

ورأى البوعينين في حديثه لـ«الأسواق.نت» أن سوق مستلزمات البناء في السعودية محاصر بثلاثي من التجار والمصانع والوسطاء، ضاربا مثلا بأحد مصانع الاسمنت الواقعة شرق البلاد، والذي كان حريصا على تصدير كل إنتاجه إلى دولة مجاورة، فقط لأنه يتقاضى أسعارا تعادل ثلاثة أضعاف السعر المحلي.

ما يصعُب ضبطه

وأعاد الكاتب الاقتصادي تأكيده على التفاؤل بفاعلية القرار، ولاسيما أنه جاء من رأس الهرم السياسي في المملكة، ما يوجب على مختلف الجهات الرقابية متابعة تنفيذه بدقة، كما أن القرار يمس جانبا تضرر منه معظم المجتمع وتعرقلت على إثره كثير من مشاريع التنمية الحيوية، وهذا محفز إضافي على التعاون في تطبيقه من قِبل الجميع ومنهم تجار مواد البناء، الذين لن يؤدي قرار وقف التصدير إلى كساد بضاعتهم، لأن لدى السوق قوة استهلاك هائلة تحركها طفرة عقارية شاملة.

وبشأن ما يثار عن ارتباط مصانع الحديد الرئيسية بعقود تصدير لا يسعها التنصل منها، قال البوعينين إن التزامات التسويق الخارجي لابد من تنفيذها مع مراعاة عدم السماح بتمديد عقود التصدير أو زيادة الكميات المنصوص عليها، وهي أمور يمكن السيطرة عليها وضبطها.

إلا أن الذي يصعب ضبطه والكلام للبوعينين هو الثغرة الموجودة بين المصانع ووكلاء التوزيع؛ إذ إن بعض الوكلاء لم يكن يسوق في الداخل سوى 25% من الكميات الموردة إليه، مقابل تصدير 75% إلى دول متاخمة، مشددا على أن ضمان بقاء المنتج الوطني من الحديد داخل السوق المحلي كفيل باستقرار الأسعار وتوازنها.

وإثباتا لصحة ما ذكره آنفا، نقل الكاتب الاقتصادي عن مطور عقاري كبير، عانى من أزمة الحديد أخيرا، أنه فوجئ بقريب له في دولة خليجية يعرض عليه كميات من الحديد سعودي الصنع وبنفس قيمته مقابل أن يتكفل بمصاريف الشحن! وعندما استفسر عن الأمر تبين أن هذه الكميات وغيرها كانت معدة للتصدير إلى بلد ثالث، لكن عراقيل عدة حالت دون ذلك.

وماذا عن السعر العالمي؟

ورفض البوعينين الربط المطلق بين أسعار الحديد محليا وسعره العالمي، مقدما مجموعة من التبريرات لرأيه منها أن جزءا غير قليل من الحديد السعودي يجري إنتاجه بالاعتماد على الخردة (السكراب) المتوافرة في السوق الداخلي، كما أن الرجوع بضعة أشهر إلى الوراء يثبت لنا عدم صحة نظرية الارتباط بشكلٍ كامل، حيث بقي طن الحديد في السعودية محافظا على مستواه، مقارنةً بالأسعار الدولية التي كانت تواصل الصعود.

وخلص البوعينين إلى أن ارتفاع سعر الحديد محليا راجع في أصله إلى ازدياد الطلب بالتزامن مع ممارساتٍ احتكارية، انطلقت شرارتها من تجار جعلوا من تضاعف الطلب شماعةً لمآربهم.

(العربية نت)

تجار الحديد الكبار... وسائل جديدة للتحايل

أشار المواطن سالم المبيريك إلى أن ما يعكر صفو تفاؤله إحساسه بأن تجار الحديد الكبار لن يعدموا وسيلةً للتحايل على القرار في سبيل إبقاء السوق «عطشى»، وعدم المساس بمعدلات أرباحهم العالية، مستشهدا بقراراتٍ إيجابية سابقة عطلها التجار والتفوا عليها فأفرغوها من مضمونها وهدفها؛ نظرًا إلى عدم كفاية إجراءات الرقابة والردع.

ولعل المبيريك كان يشير من طرفٍ خفي إلى ما نشرته الصحافة المحلية قبل يومين من أخبار حملة التفتيش على المخازن والمستودعات، والتي كشفت عن تلاعبات واضحة عبر تخزين كميات كبيرة من مادة الحديد والامتناع عن بيعها رغم حاجة السوق الماسة إليها، ما أسفر عن توجيه مجموعةٍ من التهم لأصحاب تلك المخازن.

قرار طال انتظاره

قال حبيب الشمري الذي علق بناء منزله الخاص منذ عدة أشهر: إن هذا القرار كان ينتظره أرباب الأسر والشباب السعوديون بفارغ الصبر، بعد أن تجاوزت تكاليف البناء كل حدود المعقول، فتركت هؤلاء بين ناري الإيجارات المرتفعة ونفقات التملك الباهظة لا يملكون خيارا وسطا.

وأضاف الشمري أن المواطنين يعوِّلون على قرار منع التصدير في خفض أسعار مستلزمات البناء بصورة ملموسة، ولاسيما الحديد الذي شهد قفزات جنونية خلال فترة بسيطة، متوقعا أن يهبط سعر الطن مبدئيا حوالي 500 ريال، علما بأن سعر طن بعض مقاسات الحديد مثل مقاس 8 ملم تجاوز 6 آلاف ريال.