لا يمكن للقضاء الكويتي وحده أن يعالج همومه وقضاياه الداخلية، فهو لا يملك الأدوات التي تمكّنه من مواجهة مثالبه الداخلية، وإذا كان القضاء هو الأقدر على تشخيص همومه وقضاياه الداخلية، فإنه لا يملك الدواء الشافي لتلك القضايا، وذلك كله في نظري يعود إلى تعامل السلطة التنفيذية مع القاضي الكويتي على أنه موظف شأنه شأن أي موظف آخر، فمن قال إن الحكومة تتعامل مع وكيل المحكمة الكلية كما تتعامل مع وكيل مساعد في أي وزارة حكومية، أو حتى انها تتعامل مع المستشار في محكمة الاستئناف كما تتعامل مع وكيل الوزارة... مع أن مجلس الخدمة المدنية الذي اجتهد في الأمس القريب لتخفيض المكافأة القضائية، هو من ساوى وكلاء المحكمة الكلية بالوكلاء المساعدين والمستشارين ووكلاء الوزارات، لكن هل تتعامل الدولة مع القضاء الكويتي على أنه سلطة؟ بالتأكيد لا وألف لا...!

Ad

يا سادتي، ما يحزنني شخصيا أن يُقدَّم وزير العدل في مقابلات سمو أمير البلاد، حفظه الله ورعاه، وسمو ولي عهده الأمين، على رئيس مجلس القضاء الأعلى، بل أنه حتى الوفود الرسمية من القضاء التي يوجد فيها وزير العدل، يكون الوفد برئاسة وزير العدل وعضوية رئيس المجلس الاعلى للقضاء، على الرغم من أن رئيس المجلس الأعلى للقضاء هو كرئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الامة، فكل منهم يترأس سلطة من سلطات البلد الثلاث، ولكن للأسف الوفود الرسمية بدلا من ان تصبح برئاسة رئيس المجلس الاعلى للقضاء تصبح برئاسة وزير العدل.

لا يمكن وصف تعاطي الدولة مع القضاء الكويتي سوى بأنه كتعاطي الدولة مع احد مرافقها متمثلا بقصر العدل، بل إن الدولة تتعامل مع باقي المرافق برقيّ وأفضلية اكثر مما تتعامل مع القضاء، فمثلا عندما طلب اساتذة الجامعه زيادة رواتبهم هبّ مجلس الوزراء لإنقاذهم، وكأن أغلبهم ليس لديه وظيفة أخرى يحصل منها على دخل آخر!... وعندما هدد أطباء الكويت المحترمون بالإضراب والامتناع عن العمل لان رواتبهم متدنية، سارع مجلس الوزراء إلى نجدتهم بالزيادة، على الرغم من أن أغلبهم كذلك يعمل في القطاع الخاص، أما القضاة فعندما يطلبون زيادة، يتعين إيصالهم إلى مرحلة من الإهانة في طلبهم «وتلوع جبودهم حتى يُستجاب إلى طلباتهم!»، لماذا؟... ألا يعمل هؤلاء الكويتيون أضعاف ما يعمله الأطباء والأساتذة في جامعة الكويت؟ وكيف تسمحون لأنفسكم بأن يشتكي القضاة من وضعهم المعيشي وأغلبهم يفصل خلال الشهر الواحد ما يزيد على 200 قضية؟

لا يمكن القبول بوضع العلاقة المهينة التي يتم التعامل بها مع القضاء الكويتي، ولا تلوموا بعد ذلك أن يعلن خيرة رجال القضاء الكويتي والمرشحين لقيادته في المستقبل، استقالتهم بسبب الوضع المحبط، ولماذا لا يستقيلون، فما الحوافز المقدمة لهذا الجهاز؟ هل هي سيارات «بي ام دبليو» تُمنح لهم عندما تكتب الصحف لمنحهم مركبات، لأنها تُمنح لوكلاء الوزارات وتُعطى لهم بعد مدة عمل تزيد على 20 سنة؟ وفي المقابل لا قانون يمنحهم الاستقلالية ولا نادي يمارسون فيه هواياتهم، ومحظور عليهم زيارة الدواوين ولا مميزات أخرى.

في الختام، أقول للسلطة التنفيذية «كثر الدق يفج اللحام»، وسيأتي يوم -إن لم تحرّروا القضاء وتسعوا إلى راحته- فلن تجدوا قاضيا كويتيا واحدا جالسا على المنصة.

اللهمّ إني بلغت اللهمّ فاشهد.