رواية «مورفين» للكاتب الروسي ميخائيل بولغاكوف ليست رواية بالمعنى المتخيل لبناء عمل روائي، لأنها في واقع الأمر تحكي تجربة حقيقية مرت في مرحلة من مراحل حياة الكاتب، حين كان يعمل طبيبا متطوعا في الصليب الأحمر على الجبهة مع زوجته الأولى تاتيانا، التي تعمل كممرضة معه، ومن تلك الحياة المثقلة بالعمل المرهق، وبأعداد هائلة من المرضى، ومن عمليات بتر الأقدام والعمليات الجراحية المستمرة من الصباح إلى المساء، ومع كل هذه الضغوط في هذه الظروف الصعبة، يصاب الكاتب بنوع من الحساسية، أثناء معالجته لأحد الأطفال هناك، حيث استعمل في العلاج مادة تسمى «خزع الرغامي»، وهذه الحساسية ليس لها علاج إلا بحقن المورفين، وبسبب هذه الحادثة أصبح مدمنا للمورفين. بدأ كالعادة بحقنة مخففة، ثم بحقنتين، وبعدها تطورت إلى ثلاث حقن، ومن ثم تواصلت مسيرته في طريق الانحدار السريع إلى هاويته. البطل في الرواية ينتهي دربه في الحياة بإطلاقه الرصاص على نفسه، أما في الواقع فالكاتب الطبيب، يغير عمله وينتقل إلى مستشفى آخر، ويواصل علاجه حتى يشفى من الإدمان. الرواية هي يوميات لتلك الأيام القاسية التي مرت على الطبيب، وخوفه وخجله من انكشاف أمره، ومن تعاطيه للهروين... وكذلك هي تسجيل لتردي حالته الصحية، ولتلك الهلوسات العقلية والبصرية التي يمر بها متعاطو المخدرات، رأيت أن أنقل شيئا من هذه اليوميات الرهيبة، ليقرأها الشباب وليتعظ من مغبة هذه المتعة الواهمة التي لا تقدم إلا الموت على طبق من ذهب. وهذه بعض من مقتطفات الألم من يوميات الطبيب الكاتب بولغاكوف:

* «بعد حقنة ذات وحدة من المحلول بمعدل 2 في المئة، تشعر رأسا بإحساس بالطمأنينة سرعان ما يتحول إلى حالة من النشوة والغبطة. يستمر ذلك لدقيقة أو اثنتين على الأكثر، ثم يختفي كل ذلك من دون أن يترك أثرا، كأن شيئا لم يكن. يجتاح الألم والرعب والظلمات كل شيء. يزمجر الربيع، تطير عصافير سوداء من غصن إلى آخر، وفي البعيد، تظهر غابة شائكة، سوداء الأغصان، مكسرة متجهة نحو السماء، وخلفها بعد أن تكون قد اجتازت ربع الأفق، يشتعل أول مغيب للشمس الربيعية».

Ad

* «الموت من العطش نعم إنه موت سعيد مقارنة بالموت عطشا إلى المورفين. بدون شك، هذا ما يتطلع إليه، شخص دُفن حيا، حين يمتص من قبره آخر جرعات الهواء وحين يفرك صدره بأظافره. بهذا الشكل أيضا يتحرك الهرطوقي، ويصارع النار، حين تبدأ ألسنتها بلمس قدميه... الموت الجاف، الموت البطيء».

* «لقد تهت لا أمل لي. أصبحت أخاف من أقل ضجة، يتراءى لي الناس مرعبين، حين أكون في لحظات الامتناع هذه أخاف منهم. في لحظات السعادة أحبهم كلهم وإن كنت أفضل الوحدة».

* «الشكل الخارجي: ضعيف شاحب مثل شمعة. أخذت حماما ومن ثم زنت وزني فوق ميزان المستشفى، في العام الماضي كنت أزن 65 كلغ ونصف، أما اليوم فستة وخمسون كلغ. ارتعبت حين شاهدت إبرة الميزان، من ثم مضت الفكرة. ثمة دمامل لم تتوقف عن الظهور على ترقوتي كما على ساقيَ. لا أجيد تحضير المحلول بطريقة معقمة، زد على ذلك، أنني حقنت نفسي لثلاث مرات على الأقل بإبرة لم أغلها، إذ كنت مستعجلاً على الخروج».

* «أصابتني الهلوسة التالية: أتوقع، عبر النافذة السوداء ظهور كائنات باهتة. أمر لا يحتمل، لا توجد غير ستائر معدنية. أخذت غازا من المستشفى ورششته على النافذة. لم أجد تفسيرا لهذا الأمر. ليذهبوا إلى الجحيم بكل الأحوال. لقد أصبح الأمر نوعا من العذاب، لم تعد حياة».