يجتمع وزراء «أوبك» يوم الثلاثاء المقبل لإجراء عملية تقويم لحالة سوق النفط، واتخاذ القرارات التي من شأنها ضمان مصالح الدول المنتجة. وسينتقل الوزراء عندما يكتمل جمعهم من دائرة الجدل حول مدى ضرورة زيادة إنتاج دول الأوبك من النفط، وهو الجدل الذي تزايدت حدته عندما اقتربت الأسعار من سقف المئة وخمسين دولارا أميركيا للبرميل في شهر يوليو الماضي، إلى دائرة الجدل حول أهمية خفض إنتاج دول المنظمة بعد أن تراجع سعر البرميل إلى نحو المئة دولار، مع تراجع حدة إعصار غوستاف في الأسبوع الماضي، وعدم تعرض منشآت النفط في خليج المكسيك إلى أضرار تذكر. وسيجد الوزراء المجتمعون صعوبة في الاتفاق على أرضية ما للسعر المقبول أو العادل للبرميل، والذي كان بعضهم قد حدده في وقت سابق بمئة دولار.

Ad

لقد باتت أجندة اجتماعات «الأوبك» عرضة إلى التغير المفاجئ والمتكرر، نتيجة لحدة تقلبات أسعار النفط، التي خرجت عن سياق تفاعلها الطبيعي مع العوامل الأساسية المؤثرة في هذه الأسعار، أي العوامل المحددة للعرض والطلب، مثل معدل النمو الاقتصادي العالمي، والتطورات الجيوسياسية في مناطق إنتاج النفط، والتقلبات المناخية، والتي كانت تشكل خلال العقود الثلاثة المنقضية أهم العوامل المؤثرة في تغير أسعار النفط. حيث تسببت عمليات المضاربة بالنفط، والتدهور المتواصل في سعر صرف الدولار الأميركي، في تفاقم حدة التغيرات الراهنة في أسعار النفط، ولقد بات هذان العاملان ينازعان العوامل التقليدية دورها في التأثير على الأسعار. ويعتقد عدد من الخبراء في شؤون الطاقة أن نحو 60% من الأسعار الحالية للنفط إنما يعود إلى عنصر المضاربة الصرفة.

ثلاثة عشر ضعف الطلب العالمي!

إن معظم عمليات المضاربة بالنفط والتي تجري من خلال صفقات شراء وبيع العقود المستقبلية، لا تتم بغرض التحوط من مخاطر التقلبات غير المرغوبة في أسعار النفط، بل بغرض تحقيق المكاسب المالية، وبالتالي فإن أغلبية هذه العقود لا تتضمن من الناحية العملية صفقات لشراء أو بيع كميات حقيقية من النفط، أي انها تبقى مجرد عقود ورقية تتيح للمضاربين مؤسسات وأفراد الحصول على مكاسب قياسية من خلال ضخ أموال هائلة في أسواق المستقبليات. ولاشك في أن تزايد حجم المضاربة بهذه السلعة الاستراتيجية والمحورية في السنوات الأخيرة، خلق ويخلق طلبا إضافيا «وهميا» على النفط الخام ومشتقاته، فضلا عن الدور الذي يلعبه المضاربون في تضخيم حجم العوامل المؤثرة في العرض، بغرض تحقيق المزيد من ارتفاع الأسعار ومن ثم مواصلة تحقيق المكاسب وعلى النحو الذي أدى ويؤدي إلى هذا الصعود القياسي الراهن لسعر برميل النفط.

ورغم أن أحدا لا يعرف على وجه التحديد قيمة العقود المستقبلية الجارية الخاصة بالنفط فإن أحد المتخصصين وهو مايكل ماسترز أحد مديري «ماسترز كابيتال مانجمينت» قد ذكر في شهادته أمام الكونغرس في شهر مايو الماضي أن صناديق التقاعد الحكومية وصناديق الوقف وما شابهها تملك نحو 1.1 مليار برميل من النفط عبر عقود مستقبلية، أي أكثر من 13 ضعف حجم الطلب العالمي السنوي على النفط الخام.

نفوط ورقيـة

ولاشك في أن الدور المحوري الذي يلعبه أكبر سوقين عالميين لهذه العقود المستقبلية، وهما سوقي نيمكس ولندن، في تحديد أسعار النفط، لم يعد موضع جدل بين المختصين في الصناعة النفطية، إذ إن الأسعار التي يتم تحديدها في هذه العقود لنفط غرب تكساس المتوسط في نيمكس ونفط برنت في لندن تشكل الأساس الذي تتحدد على ضوئه أسعار كل النفوط الأخرى في العالم، أي ان «النفوط الورقية» -إن جاز التعبير-، هي نفوط الإشارة المعتمدة في العالم الآن. ولا شك أن التداعيات السلبية الناجمة عن هذا النشاط المضاربي في عقود المستقبليات والتي بدأ الاقتصاد العالمي يدفع ثمنها تضخما نقديا وتراجعا في الناتج، تشكل مصدر قلق لمعظم مراكز القرار والمسؤولية في العالم.

وكان تقرير لإحدى اللجان الدائمة في مجلس الشيوخ الأميركي قد أعلن في يونيو 2006 أن هناك أدلة كافية تؤكد الدور الأساسي الذي تلعبه المضاربة في رفع سعر النفط، وأكد التقرير «أن الكونغرس قد أناط بهيئة الرقابة على العقود المستقبلية في السلع مهمة التأكد من أن الأسعار المسجلة في هذه العقود، إنما تعكس حالة العرض والطلب، وليست ناتجة عن المضاربة المفرطة». ولعل المفارقة تكمن في أن نشاط المضاربة من خلال العقود المستقبلية لم يعد محصورا ببورصة نيمكس أو البورصات الأخرى الخاضعة بالكامل لرقابة الهيئة المشار إليها، وإنما امتد إلى الأسواق الموازية، وعبر وسطاء التداول الالكتروني، وهذه أنشطة لا تخضع للرقابة التي تفرضها الهيئة على الأسواق الرسمية.

ضعف الرقابة على الصفقات

كما شهد عام 2006 تطورا آخر أدى إلى اتساع نطاق المضاربة إذ أجازت هيئة الرقابة الأميركية تداول عقود النفط المستقبلية، المبرمة في بورصة نيمكس في أسواق أوروبا من خلال السوق السلعي الدولي في لندن، والذي كان بدوره قد حصل في وقت سابق على رخصة من هيئة الرقابة الأميركية لاقامة خطوط آلية تمكن المتداولين في الولايات المتحدة من المتاجرة في عقود النفط المستقبلية الأوروبية أي عقود خام برنت. ومع هذه التطورات فقدت هيئة الرقابة الأميركية قدرتها على مراقبة الحجم الهائل من الصفقات في أسواق العقود المستقبلية، خاصة في ظل عدم وجود آليات للرقابة في الأسواق الموازية أو على بورصة السلع اللندنية.

إذن المضاربة بالنفط هي التي تقود الأسعار، وبتعبير آخر فإن بضع شركات مالية واستثمارية هي التي ترسم والى حد كبير في الوقت الحاضر مستقبل هذه الأسعار، والمضاربون تحركهم الإشاعات لا الوقائع، وفي ظل ضعف الرقابة على تجارة المستقبليات، لن يكون في مقدور «الأوبك» من خلال قيامها بخفض أو زيادة الإنتاج أن تحد من أو أن تدعم حركة الأسعار.

* أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت