يحتل أدب المسامرات أو النوادر والطرائف ركناً بارزاً في الثقافة العربية بما يتضمنه من خصائص تختلف عن تلك الخاصة بالفنون الأدبية الأخرى، علماً أن المكتبة العربية تحتوي على طائفة من كتب تناولت طرائف الأخبار وغرائبها عن الأدباء والشعراء.

Ad

من بين هذه الكتب: «الأذكياء»، «أخبار الحمقى والمغفلين»، «أخبار الظراف والمتماجنين» لابن الجوزي، «تزيين الأسواق في أخبار العشاق» لداوود الأنطاكي، «حياة الحيوان الكبرى» للدميري، «البخلاء» للجاحظ، «روض الرياحين في حكايات الصالحين» لليافعي، و{الأغاني» للأصفهاني.

في إطار «أدب المسامرات» صدر أخيراً كتاب «معجم المجانين من الشعراء» للدكتور قيس كاظم الجنابي الذي يلفت النظر إلى أن شخصيات كثيرة في هذا المعجم مجهولة تاريخ الولادة والوفاة، فضلاً عن مجهولية النسب أو الأب أو البلد. حتى أن بعضها ربما يكون شخصيات وهمية أو رمزية، ما يجعل تحديد زمن الوفاة أو عصر الشخصية عسيراً والترجمة غير دقيقة.

يستهل المؤلف كتابه بالإشارة إلى أن العرب اعتقدوا بوجود كائنات خفية، فسموا الجنين جنيناً لاختفائه وعدم القدرة على اكتشافه، ولأنهم كانوا يعيشون في صحراء مترامية الأطراف وموشحة الأجواء تسرّب إلى أذهانهم الخوف من الكائنات غير المنظورة وقدرتها على إيذائهم حتى اختلطت عليهم الحقيقة بالخيال، وامتزج الوهم بالواقع وتشابكت عليهم الأمور فشاب تفكيرهم الاعتقاد بالغيلان والهوام مما لم يروا له شكلاً ولا لوناً.

والجن، بحسب اعتقادهم، هو ولد الجان وجمعهم الجنة والجناة وسموا كذلك لاستجنانهم عن الناس، أي لأنهم لا يُرون.

يقول المؤلف: «اعتقد العرب بوجود علاقة متينة بين الجن والشياطين من جهة وبين الشعر والعبقرية والإبداع من جهة أخرى. وأن للجن أشعارها وهواتها حتى أنهم رووا الكثير من الأشعار على لسان الجن ورووا شعراً لإبليس، لأن الشعر كلام غير عادي في نظر العرب فقد عزوا قوله إلى الجن والشياطين».

يشير المؤلف إلى أشكال من الجنون، من بينها: الأحمق، الأخرق، المهووس، الهائم، المدلة، موضحاً أن الحب ارتبط بالجنون، فقد سمي قيس بن معاذ بالمجنون أو مجنون بن عامر لشدة ما اعتراه من العشق. وقيل العشق طرف من الجنون إن لم يكن عصارة السحر. ثمة أيضاً مجانين الصوفية، فقد اعترت بعض الصوفية مظاهر وصفت بالتلبس والوسوسة أو الجنون لئلا يفصح المتصوفون عما يكنونه دواخلهم من هدى ومحبة لله.

وسمي شعراء كثيرون بالمجانين حتى اقترنت أسماؤهم بالجن والوسوسة مثل سعدون المجنون، سمنون المجنون، بهلول المجنون. واقترن آخرون بالوسوسة مثل، جيفران الموسوس ومدرك بن علي الشيباني الموسوس وأبو حيان الموسوس وغيرهم. لكن التفاوت شديد بين شعر المجانين وكلامهم، فقد كان أبو حيان الموسوس آخر عمره موسوساً يخلط في الكلام ولا يخلط في الشعر.

أشهر المجانين

يصنف المؤلف المجانين من الشعراء بحسب الترتيب الأبجدي في القسم الثاني من المعجم، ومن بين أعلام المجانين الذين قالوا الشعر، أبو الفضل أحمد بن الحسين المشهور ببديع الدين الهمداني، مؤلف المقامات المشهورة في الأدب العربي. ويقال إنه جنّ في آخر عمره إلى أن مات وكان معجزة همدان.

من بين المجانين الشعراء أيضاً الحسين بن منصور بن محمد الملاح وهو زاهد ومتصوف مشهور، وكان أحد أعلام البلاد في الشرق ودعا إلى معرفة إله الحق إلى أن تغيرت أحواله وبدأ ينطق بكلمات غير مفهومة، فأخرج من بغداد وغيرها من البلاد واتهم بـ «الشعبنة» والزندقة ومن أشعاره:

أنا من أهوى ومن أهوى أنا

فإذا أبصرته أبصرتنا

أما سعدون المجنون من البصرة فكان أعقل المجانين وأكثرهم حكمة، وصام 60 سنة فجفّ دماغه، فسماه الناس مجنوناً.

مجانين العشق

يذكر الجنابي عورة بن حزام، وهو شاعر لبيب، حاذق متمكن في العشق، أحد العشاق الذين قتلهم العشق وبه يضرب المثل بين العرب في من قتله العشق، فقد أحب عفراء بنت مالك العذرية فلما تزوجت تملّكته الهلاوس، وقال:

مابي من خبل ولابي جنة

ولكن عمي يا أخي كذوب

كذلك يشير المؤلف إلى قيس بن ذريح الذي اشتهر بعشقه للبنى بنت الحباب وقد أصيب بالجنون بعدما أجبرته أمه على طلاق لبنى والزواج بأخرى. وقيس بن الملوح الشهير بعشقه لليلى العامرية وأصابته بالخبل والجنان بعدما رفض أبوها أن يزوجها له. ومن الشعراء المجانين الذين وردت أسماؤهم في هذا المعجم، آسية المجنونة وابن عروس المغربي المجذوب وأبو الفتوح الغزالي والإمام عبد الوهاب الشعراني ومحيي الدين عربي وأبو بكر الشبلي وراشد بن صفوان الهذلي وريحانة المجنون وربطة بنت كعب وزهير بن جناب الكلبي، ويحيى بن معاذ الرازي.

يختم الجنابي معجمه بقسم عن أخبار المجانين ومن هذه الحكايات أن مجنوناً من الكوفة حمل عليه الصبيان يوماً فألجأوه إلى مضيق فشد عليهم بقصبة في يده وهو يقول:

إذا تعسر أمر فانتظر فرجاً

فآخر الأمر أدناه من الفرج