نقرأ في «دون كيشوت» لثرفانتس أنه «في رأي بطل الرواية سانشو، ليس هناك مثل غير صحيح، فكلها ملاحظات مبنيّة على الخبرة نفسها، أمّ العلوم كلها». هكذا يستعمل المثل الشعبي كحجة في تأكيد الفكرة. وبحسب نقاد كثيرين، لا يمكن فهم ثقافة الشعوب من دون فهم الأمثال الشائعة لديها. ويبدو أن موسوعات الأمثال أصبحت من أكثر الكتب انتشاراً، لكن كيف تدوّن الأمثال في الكتب وهي كما نعلم «ثقافة شفويّة» بامتياز؟ يقول الباحث المغربي عبد الكبير الخطيبي في كتابه «الاسم العربي الجريح» إنه غالباً ما تخفى في الموسوعات الأجزاء المحرّمة من الأمثال، أي «الأجزاء الخليعة» كما يسميها الناقد الفرنسي رولان بارت، خصوصاً أنها شفويّة وعند التدوين في الكتب يصبح لها شأن آخر، ومعظم الأمثال الشعبية يعيد إنتاج علاقة الرجل بالمرأة، خصوصاً ما يتعلّق في توجيه التجربة الذكورية وتلقينها للجيل اللاحق، فـ «ظل راجل ولا ظل حيطة». وتحليل مضمون الأمثال الشعبية يظهر كماً هائلاً من التحيّز الذي أوقعه المثل الشعبي على المرأة، فالصفات التي ينسبها إليها سلبية غالباً، والحديث عن المرأة عموماً يشوبه كثير من الازدراء، لكن لا يمكن تجاهل دور النساء في عملية انتشار الأمثال الشعبية فهن أكثر استخداماً للمثل الشعبي من الرجال. ولعل أبرز صورة للمرأة في الأمثال الشعبية رسمتها الباحثة الهولندية مينيكه شيبر، أستاذة الدراسات الأدبية المقارنة، في كتابها «النساء في أمثال الشعوب... إياك الزواج من كبيرة القدمين» الصادر حديثاً عن دار «الشروق» في القاهرة، وهو كتاب فريد في بابه صدرت نسخته الإنكليزية عام 2004 في الولايات المتحدة، وترجمته الى العربية منى إبراهيم وهالة كمال، الأستاذتان في قسم اللغة الإنكليزية في كلية الآداب في جامعة القاهرة. العنوان يعبر عن ثقافة عالمية، والكتاب يتضمن مواضيع رائعة إذا جاز القول. فثمة معتقدات عالميّة حول المرأة، تصب كلها في معنى ما نحو ازدراء النساء أن لم نقل تمجيد الرجال، ربما إذا أخذنا الأقدام فهي تعبير عن ذلك، مثل فكرة أن كنس قدمي المرأة بالمكنسة يجلب سوء الحظ، فـ «من تكنس قدميها سوف تتزوج رجلاً عجوزاً»، وهو معتقد كوبي، واستعارياً تشير أقدام النساء الصغيرة الى «المقاس الصحيح» في العلاقات الزوجية، وثمة إشارت عدة أخرى تربط حجم القدمين والأحذية بالكفاءة، ففي الهند، ثمة مقولة شائعة تحذّر فيها النساء المسنات أولئك الشابات من تنمية حجم أقدامهن بطريقة ملحوظة: «إذا كبرت الفتاة قدميها، ستواجه المشاكل بعد الزواج». قدما المرأة، خصوصاً كعباها، هما مقياس ثابت لجمالها في بعض الثقافات، ففي أثيوبيا يقولون: «يمكن التعرف على جمال الفتاة من كعبيها»، في إشارة الى كعبي المرأة المستديرين كعلامة على الجمال، وهو ما يرتبط بتقاليد تغطية الوجه، ففي مثل هذا السياق، يعتبر النظر إلى أقدام المرأة العارية الطريقة الوحيدة للتعرّف على إذا ما كانت كبيرة أم صغيرة، تماماً كما نتعرّف الى مدى جمال الوجه بالنظر إليه. ملامح مشتركةيمثّل كتاب مينيكه شيبر ثمرة جهد 15 عاماً أمضتها المؤلفة في تتبّع أمثال الشعوب المتعلقة بالمرأة لكشف ملامح مشتركة في صورتها لدى الشعوب المختلفة. ويضم الكتاب أكثر من 15 ألف مثل شعبي من حوالى 278 لغة مختلفة تتناول صفات النساء الجسدية والجمالية كلها ومراحل حياتهن كافة (الإبنة والعروس والزوجة والزوجة الثانية والأم والحماة والأرملة والجدة). كذلك تتناول الحب والزواج والحمل، إضافة إلى سلطة النساء ومواهبهن وأعمالهن.تتمثل أهمية الكتاب في أنه يتبنى منظوراً محدداً، إذ يعرض الأمثال التي تدور حول النساء لدى الشعوب، ويقدمها جنباً إلى جنب، فيكشف عن أوجه التمييز ضد النساء في الثقافة الشفاهية في أرجاء العالم. بالتالي يشكّل هذا الكتاب إضافة في مجال دراسات «الجندر» التي تهتم أساساً بتتبع علاقات القوى بين الجنسين وانعكاساتها في أشكال التعبير الثقافي والحياة اليومية، وهي مسألة بقدر ما تكشف عن أنماط التفكير التقليدية، تبيّن أثر تلك الأنماط في صياغة تفاصيل الحياة والصور النمطية والأدوار الاجتماعية المفروضة على المجتمعات على اختلافها والشعوب على تنوّعها.صورة المرأةيحمل الكتاب بعداً بحثياً قوياً من خلال مقارنة الأمثال وتصنيفها وجمعها من مختلف بقاع الأرض وعلى امتداد الزمان والمكان، كذلك يتضمن بعداً نقدياً يدعو إلى مراجعة القيم السائدة كافة في المجتمعات، كما تعكسها الأمثال، في ما يتعلق بصور النساء وأدوارهن في المجتمعات المختلفة.ترصد المؤلفة الأمثال التي تخص الجنس فتقول: «يتضمن الجنس ما هو أكثر من التعبير البريء عن الرغبة الطبيعية للحب، فإلى جانب المتعة، تعكس الأمثال التي تتناول الجنس والبالغ عددها ما يفوق ألفا وخمسمائة، قدراً من الخوف وعدم الأمان والعجز والغربة والأنانية والغش، ولا يشير الجنس إلى الاختلافات العضوية والوظيفية وحدها بين الرجال والنساء، وإنما إلى التزاوج والحب في جانبه الجسدي بما يتضمنه من عاطفة وتوق».وتكشف المؤلفة عن أن عدم وجود دلائل على أمثال قاسية عن الرجال لا يعني أن النساء أكثر ملائكية مقارنة بالرجال، ولا يشير إلى أن النساء لا يحملن آراء سلبية أو يعبّرن بمقولات سلبية عن الرجال. تقول شيبر «في البداية أُصبت بالارتباك لوجود أمثال سلبية كثيرة حول النساء ووجود القليل منها الصادر من وجهة نظر النساء». الأمهات هن الاستثناء، يتم وضعهن في جميع أنحاء العالم موضع الحبيب الكامل: «الأمهات محبوبات، يُمدحن ويوضعن موضع القدوة لما يجب أن تكون عليه المرأة: كريمة، محبة، تهتم بالآخر ولا تطلب شيئاً لنفسها أبداً».بالنسبة الى النساء الأخريات، وطالما أنهن يؤدين دور الأم مع الرجال الموجودين حولهن، فسوف يحصلن هن أيضاً على تقدير إيجابي. لكن، وبمجرد أن تصبح المرأة غير المتزوجة حاملاً، توضع فوراً، موضع الشك. في النهاية، لا يستطيع الشريك أبداً أن يكون على يقين بأنه هو والد الطفل. في الكتاب مثل جامايكي يقول: «اسم والد الطفل سر من أسرار المرأة».يأتي كتاب شيبر في مجال تتقاطع عنده أفرع معرفية كثيرة مثل علم الاجتماع والفلكلور والأدب الشعبي والدراسات المقارنة ودراسات الجندر. كذلك يمثل بذرة لمزيد من دراسات جادة وأبحاث متخصصة حول النساء والعلاقات الجنسية في التراث الأدبي والثقافة الشعبية. ونفهم من خلاله ثقافة الشعوب وتوجهاتها، بل نفهم واقع المرأة والنظرة إليها، وتبدو الأمثال وطريقة تناولها في الكتاب أفضل من فلسفات كثيرة وأبحاث اعتباطية.مختارات- «الزوج في المنزل مثل البرغوث في الأذن» – أسباني.- «ليس هناك من شر أكثر من زوجة الأب» - يوناني.- «كلما كان الحجاب أكثف، كلما صار أقل إغراءً لرفعه» – تركي.- «للمرأة حكم القلب وإناء الطبخ، وللرجل الكأس والرأس» – ألماني.- «نعوذ بالله من المرأة المشعرة والرجل الأمرد» - عربي.- «عقل المرأة في رحمها» – إيطالي.- «الرجل العجوز الذي يتزوج امرأة صغيرة ، كمن يشتري صحيفة ليقرأها الآخرون» – برتغالي. - «المرأة جميلة عندما تقف تحت مظلة في الظلام وتنظر إليها من بعيد» – ياباني.- «من تعرض الطعام سيئ الطبخ خير من التي تعرض عجيزتها» – رواندي.- «ابن واحد أعرج خير من 18 بنتاً ذهبية» - صيني.- «قلب امرأة واحدة يرى أكثر من عيون الرجال» - سويدي.- «الفم وردة، واللسان شوكة» - مجري.- «الوجه الجميل ابتلاء» - استونيا.
توابل - ثقافات
مينيكه شيبر... إياكَ والزواج من كبيرة القدمين!
06-01-2009