تسكّعات الدبلوماسي

Ad

أنهيت قصيدتي التي اوردتها في الحلقة الماضية على مسمع الرجل الدبلوماسي بالمقطع الآتي:

«للصعاليك رقصتهم البربرية حول اتّقاد الغضا واتساع الفضا

ووقفتهم الصلبة الراسخة

للصعاليك ما تحمل الريح

من عبق الشيح

والاتجاه الصحيح

الى الشمس بالجبهة الشامخة»

بعد ذلك صفق الدبلوماسي طويلا، بينما ظل سليمان الفهد يحدقني بنظراته الحادة لعدم دبلوماسيتي كما يبدو، او كما فهمت، ولكنه قال: ان (ع. ط) يعرف حماقاتنا جيدا وهو رجل مثقف اكثر من كونه دبلوماسياً، وانه من عشاق كتاباتنا كما انه يعرف يا صاحبي، مشيرا إلي انك بدوي (جلف) وغير مدجن وهو اي (ع. ط) من اصول بدوية مثلك، لذلك ليس غريبا عليه شعرك وسلوكك (البدّاوي)، لذلك هيا ارتد ِملابسك لنخرج في معيته، وهنا قلت بـ (هبل)، لا... ان هذا احتواء لا!.

فقال لي سليمان: اي احتواء اي بطيخ انك تهذي بامراض المثقفين، فهذا الرجل صديقي ويحبك مثلما تحبني هيا، هيا بلا (زغالة) او نذالة. وهنا قلت له سأذهب ولكن بشرط واحد الا وهو أنه قبل رد عزيمته لنا بعزيمة مقابلة وعلى طريقتنا نحن!! فضحك الدبلوماسي بكل بهاء ومحبة وقال: (ما عندي مانع من الآن)، فهرولت من فوري وارتديت ملابسي وانحدرت بنا السيارة الدبلوماسية تجوب الشوارع، فالتفت إليّ ابو نواف وقال: «من قدك يا صعل. بعرس امك لم تحلم بان يقود السيارة بك سفير وكأنك رئيس وزراء لا بدوي صعلوك منتوف»، اقام لنا الدبلوماسي الانيق وليمة كبرى وغمرنا بلطفه ومحبته واكتشفت انه يحفظ لي بعض القصائد ويعرف اقرب الاصدقاء اليه، وانه لا (يمثل) بل هو مثقف حقيقي ورائع القلب وقد بقينا حتى رابعة النهار نتناول القفشات والنكات والشعر (الحلمنتيشي) الخاص، وكان اصدقاؤه في غاية الروعة والثقافة والطرف، كما انهم يعرفونني وسليمان الفهد مثلما يعرفنا هو.

وفي لفتة غامرة مال اليّ الدبلوماسي الجميل وقال لي: أظن أنك قد أضعت نقودك قبل مدة، ولكنك لم تعد تكلمني، لذلك انا على استعداد لتوفير ما تريد من نقود، كما أنني أضع كل إمكاناتي (الخاصة) تحت تصرفك بما فيها سيارتي طوال بقائك هنا، فشكرته من القلب وقلت له: مشكور لقد وجدت نقودي وآمل الا أحتاج إليك وثق أنني إذا ما احتجت شيئا فإنني سأكلمك، ثم ودّعناه على أمل ان (نرد له العزومه) في المساء، ثم أستأذنا بالانصراف شاكرين له دعوته الكريمة.

***

في المساء التقينا (سليمان الفهد وصديقنا الدبلوماسي وأنا)، فالتفت إليّ أبو نواف وقال: ماذا رتبت بشأن (العزومة) فقلت له لا شيء، إننا ندعوه إلى ممارسة الصعلكة مثلنا وعليه ان يتجول في الشوارع مثلنا ويدخل الأمكنة التي ندخلها ويجلس في المقاهي التي نرتادها، ويتعرف على اصدقائنا الصعاليك مثلما تعرفنا على أصدقائه الدبلوماسيين.

وأخيرا سندعوه الى تناول (العودة) و(المعلاق) بالبندوره والملح على الواقف -لدى الباعة الجائلين في (المرجة)- ولا بأس أن تمارس هوايتنا العتيدة تحت ظله وحصانته الدبلوماسية ألا وهي المشاجرة مع المارّة!!

فقال لي سليمان الفهد: هل اختبلت؟ قلت له يا أبا نواف (اللي أوله شرط آخره سلامة) فقال لي وأي سلامة في البند الأخير؟ هل تريد ان يكسّر ضلوعنا (زعران) الشام، فقلت له لا تخف أنا أعرف (أبو الليل) و(ابو صعب) و(ابو الدواهي)، فهؤلاء هم أشهر زعران المرجة، فإذا ما شعرنا بالهزيمة لا سمح الله (صفّرنا) لهم وجاؤوك على عجل وبرمشة عين!!