نشطت في الفترة الأخيرة ندوات وفعاليات حول مناهضة التمييز والعنف ضد المرأة، وهي كالعادة ندوات وأنشطة مستمرة عشتها سنوات طويلة، ولاتزال المرأة تناضل على كل الجبهات من أجل انتزاع حقوقها كاملة، وتسعى بأقصى ما لديها للخروج من ربقة سيطرة المجتمع من جهة والرجل من جهة أخرى.لا نريد في هذه المساحة مقارنة التمييز والعنف بين مجتمعات متعددة ومختلفة، فلكل مجتمع سماته وطبيعته، غير أن العنف والتمييز ضد المرأة قائمان في مجتمعات متطورة ومتخلفة، إسلامية ومسيحية وبوذية وهندوسية ويهودية، مجتمعات بثقافات وحضارات شتى، لهذا ليس للعنف والتمييز ضد النساء وطن، ولكن لهما بألوانهما المختلفة أوطان متعددة، فما يتم من تمييز في دول بثقافات معينة قد لا تواجهه المرأة في ثقافات ومجتمعات أخرى، ولا نحتاج هنا لاجترارها كما يحدث في بعض الندوات التي يجيد الحاضرون فيها رفع عقيرتهم فوق مستوى الحقيقة، بل يكررون بأنهم دعاة أشاوس في الدفاع عن المرأة، ولكنهم سرعان ما يدخلون أبواب بيوتهم ليجدوا أنفسهم وقد تحولوا إلى طغاة صغار، وكأنهم يحكمون مجتمعات استبدادية، بل إذا ما وُجد في مؤسسة معينة مارس ضدها حالة ازدواجية، تبرز من خلالها ذكوريته بكونه مسؤولا عن تسيير إدارته بطريقة لا تختلف عن أي واحد من أولئك المستبدين في مواقعهم المنزلية أو المؤسساتية. ومن السهل استعراض قائمة أشكال التمييز والعنف ضد «القوارير»، ولكن سنحصر مقالنا في مجال حياتنا الشرقية، بل حالة زواج رجل شرقي من امرأة أجنبية، ولكي لا نوسع مفهوم الشرقي فإننا سنحددها في الشخصية العربية، وهي ليست تعميماً بقدر ما تكمن في طبيعة الأغلبية العظمى، خصوصاً إذا ما عاد بزوجته من موطنها إلى موطنه مما يحيل حياتها إلى جحيم.ولكي نرى التمييز الذكوري الكامن في استخدام القوة، فإن أول خطوة ينتجها التشابك الكلامي في البيت، إذ نرى الرجل، وهو في حالته اللاشعورية، يقوم بتوظيف القوة ضدها بدلا من احترام الفوارق الجسدية بينهما، لهذا يتطور الموضوع عندما تدافع هي عن حقها أثناء الحوار ويعجز الرجل عن إقناعها، فينتقل انفعاله بسهولة إلى جملة تقليدية يمارسها الرجال جميعا «إن لم تصمتي صفعتك»، وهي أول خطوة تهديد في الحياة الزوجية، وبعدها ينتقل مباشرة إلى الصفعة، وكلما دخلت المرأة في تشابك كلامي ينتقل الشخصية العنيفة الذي لا يحترم حقوق المساواة إلى الصفعة، ومن الصفعة تبرز حالة العنف إلى حد الكدمات والتشوه.هذا الانتهاك الصارخ الذي يسلب المرأة كرامتها ويجعلها مهانة، يدخلنا في النتيجة إلى مربع مماثل نسمعه من المرأة بصورة تقليدية كرد فعل «طلقني»، فمقابل «إن لم تصمتي صفعتك» ندخل في مواجهة مباشرة لمفردة «طلقني»، وهو السلاح الأول «لمعركة لكلام» الذي انتقل إلى فعل كما انتقل التهديد بالصفع إلى الصفع، ولا أحد يعلم أين ينتهي المشهد الدراماتيكي؟وقد استعان كتّاب السيناريو السينمائي به لمادتهم مثلما حاك الروائيون موضوعاتهم، وأضافوا عليه من مخيلتهم مادة ممكنة في حياة عصرية معقدة، وإذا ما تخيلنا مجتمعنا العربي الإسلامي، الذي أباح للرجل تعدد الزوجات مثلما سمح العقل القبلي الشرقي بممارسة الرجولة والقوة، فإن تداخل الثقافتين الدينية والقبلية ينتج حالة مركّبة، مما يجعل وضع المرأة صعبا، لاسيما إذا ما اقتنع الرجل في يومنا بقبول ذهابها إلى مجمعات تجارية أو الجلوس معه في السيارة، فإن الالتفاتة نحو مشهد عفوي كفيل بخلق الغيرة والتوجس، مثلما يخلق التلفاز لعنته عندما تشاهد المرأة مسلسلا لكونها باتت معجبة بالممثل الرجل، وباتت تقلد الممثلة الخليعة.وهذا «التمييز الممنوع والحصار المضروب على المرأة» في أبسط حقوقها الإنسانية، يدخلها يوميا في وضع يخلق تشابكاً وملاسنة صعبة يقودانها إلى الصفعات، ولكنها مضطرة للاستسلام والصمت كونها في مجتمع يمنح الرجل تلك «السيادة والهيمنة!» ويعتبرها أقل درجة منه.وإذا ما تحدثنا عن خيبة الهاتف النقال وهاتف البيت، فكلها محجوز عليها كما تحجز الشرطة المضبوطات، فماذا تفعل امرأة سجينة في الحياة منعت من حق العمل فيما منحت حق التعليم؟! أليس ذلك تناقضاً في موقفنا الاجتماعي؟ ولماذا رصدت مبالغ هائلة لتعليمها طالما ستكون سجينة «الرهن العقاري» كبيت وقف؟كل ذلك التمييز يدفع النساء إلى التمرد والمواجهة، فتبدأ الصفعات التي يقابلها زعيق «طلقني... طلقني» فيما راح صراخ الأطفال يعزف نغما للمأساة، مأساة زوجة طلبت حقاً من حقوقها، ولكون هذا الكائن بات محجبا بالكامل فإن آثار التعذيب في زنزانة البيت لا تراها حتى عيون العائلة والصديقات في ظل خنوعها، فكلما تذكرت أن الطلاق أبغض الحلال عند الله، حتى إن نادت بالمساواة في ذلك الحلال البغيض والتمييز البشع، زادت خنوعا.* كاتب بحريني
مقالات
إن لم تصمتي صفعتك!
30-11-2008