«لا يا دافني، لم يثر إعجابي...». هذا ما قالته لي روبرتا رايت ماكين المتحيّزة.

Ad

«لا، لم أنبهر بسيرة حياة باراك أوباما أو بعائلته. أعرف أنكِ زرتهم وأتفهّم مشاعركِ. لكن ما الذي يميّز رجلاً في الثالثة والعشرين (والد باراك أوباما) جعل فتاةً في التاسعة عشرة حاملاً (والدة أوباما) في هونولولو، ثم هجر زوجته وابنه ليذهب إلى جامعة هارفارد؟ فضلاً عن ذلك، لمَ أنت معجبة إلى هذا الحد بقصّة باراك أوباما؟ صحيح أنك سافرت إلى كينيا وشاهدت الفقر الذي يعيش فيه أقرباؤه، لكن خلفية أوباما لا علاقة لها بكل ما رأيته، فهو يتحدر من خلفية بيضاء. بالله عليك! ارتاد جامعة هارفارد بعد أن دفع أقساطه أناس مثلي ومثل عائلتك، في حين أن ابنتي لم تتمكن من الالتحاق بتلك الجامعة، أو التفكير في أمر مماثل واضطرَّت للاكتفاء بجامعة أقل شهرة. لذلك لا تخبريني عن مدى إعجابك بقصة أوباما. لا آبه إن كان مسلماً. لدي أصدقاء مسلمون. لكنني لا أعتقد أنه مسلم. ما يلفت نظري، كلامه المستمر عن الجهد الذي يبذله كي لا تتحوّل هذه الحملة إلى حملة عرقية. لكن عن أي عرق يتكلم؟ فهو ينتمي إلى العرق الأبيض أكثر مني ومنك ومن ابني. ثم هنالك زوجته ميشال أوباما. إنها امرأة أميركية في الخامسة والأربعين من عمرها. سمعناها تُردد مراراً أنها المرة الاولى التي تشعر بها بالفخر لأنها اميركية... أيُعقل يا دافني أن تكون هذه المرة الأولى التي تشعر فيها بالفخر لكونها أميركية وهي في الخامسة والأربعين؟ فضلاً عن ذلك، أخبرني البعض أن هذه ليست المناسبة الوحيدة التي تفوّهت بها بكلمات مماثلة، حسبما يظن الناس. لا، كررتها مراراً قبل أن تُرغم على الاعتذار».

كانت تلك الكلمات الجريئة جزءاً من مكالمتي الهاتفية مع والدة جون ماكين، الرئيس الاميركي المقبل المحتمل. لا شك في أنها رمز حيّ لحرية التعبير. نعم، إنها نموذج يجسّد التعديل الأول في الدستور الأميركي.

لروبرتا رايت ماكين شقيقة توأم تُدعى روانا، وهما في السادسة والتسعين. لكن خلال مأدبة غداء حضرتها لورا بوش وغيرها من نساء واشنطن النافذات هذا الأسبوع، بدا جلياً للجميع أن روبرتا هي الأكثر نشاطاً وحيوية، وتفاجأت النساء بمدى استقلاليتها وجرأتها وروحها الشابة، وأوافقهن الرأي.

خلال كل عملية انتخاب، تظهر على الساحة شخصيات جديدة تتمحور حولها الأخبار. يعود ذلك إلى أن المؤسسات الإخبارية تدرك جيداً أن التصريحات السياسية والاقتصادية المعتادة مضجرة. وبما أن تلك المؤسسات تسعى الى زيادة عدد مشاهديها، تبحث عن وجوه جديدة مميّزة تساعدها في بلوغ غايتها. استعان جون ماكين بـ{جو السبّاك». طبعاً، ليس سباكاً في الحقيقة، لكنه يشغل الأخبار راهناً.

علاوة على ذلك، تحدّث ماكين عن والدته المميزة وعن إصرارها على استئجار سيارة على رغم الرفض الذي واجهته لأنها في الرابعة والتسعين من عمرها... لكن بخلاف جو السبّاك، لم تُتح الفرصة لروبرتا للتعليق على ملاحظات ابنها إلا أخيراً، ويشرف مستشاروه على ما تقوله. بصراحة، لو لم أُدعَ إلى ذلك الغداء الذي حضرته نخبة من سيدات واشنطن لفاتتني على الأرجح فرصة التحدث إلى هذه السيدة المميزة.

سألتُها عن طفولة ابنها، فأجابتني: «لطالما تحلى ولدي جوني بصفات القائد. لا أزال أدعوه جوني... أحبَّه الجميع». أخبرتني روبرتا أنها كانت في العشرين حين تزوجت والد جون، جندي في البحرية في الثانية والعشرين. ضحكت قائلة: «هربت معه وتزوّجنا». لكن والدتها لم تتقبل آنذاك ما حدث ولم تستطع أن تغفر لها ما فعلته. تابعت روبرتا قائلة: «يمثّل سلاح البحرية في نظري كل أوجه الولايات المتحدة. صحيح أن دَخْلنا كان صغيراً، غير أننا عشنا حياة سعيدة. كنت مغرمة...». حاولتُ فهم لمَ قال لي ابنها إنه رغب في الالتحاق بسلاح البحرية منذ صغره، فأوضحَت لي تلك المسألة قائلة: «في تلك الأيام، كان على الولد أن يحذو حذو والده إذا كان جندياً في البحرية. كان ذلك أمراً مسلّماً به». ثم سألتها عن العائلة لأن ماكين استفاض في حديثه معي عن أصوله. أقرّت روبرتا بأن زوجها تغيّب فترات طويلة عن البيت بحكم خدمته في البحرية. لكنها استدركت قائلةً: «كنا عائلة جيدة». جاءت كلماتها تلك قاسية بعض الشيء، وكذلك حديثها عن العلاقة الباردة التي جمعت ماكين بوالده. غير أن روبرتا الذكية سارعت إلى تصحيح تلك الذلّة.

مرت روبرتا بأوقات عصيبة جداً عام 1967 عندما أُسقطت طائرة ماكين في فيتنام. أخبرتني عن محنتها تلك: «كان زوجي يستحم حين رن جرس هاتف الطوارئ، فأجبت مع أنني لم أعتد ذلك. قيل لي: «أُسقطت طائرتان يا روبرتا». أخافني هذا الخبر لأنني كنت أعرف أن جوني يشارك في الحرب. لكننا لم نلغِ ما خططنا له يومذاك وخرجنا لتناول العشاء. ثم تلقينا اتصالاً آخر أنبأنا بأن جوني اختفى. بعد ذلك عرفنا أنه أُسر في الحرب. لم نتصل به خلال السنوات الخمس التالية التي بقي فيها مسجوناً. لكنني واثقة من أن زوجي تتبّع أخباره، فهو كان مسؤولاً في حرب فيتنام. لم أعرف أن جوني كان عائداً إلى الوطن... لم يخبرني أحد بذلك».

ضحكَت عندما سألتها عن «تلك الرحلة بالسيارة من باريس إلى بروفانس». لا تفهم روبرتا ما الذي يميّز هذه القصة كي يذكرها ابنها، المرشح الرئاسي الجمهوري. بدأت تقهقه ثم راحت تروي لي تفاصيل ما حدث. «كنا أنا وشقيقتي التوأم (خالة جون). وقعت تلك الحادثة قبل سنتين تقريباً. كنا في باريس وأردنا زيارة البروفانس وأماكن أخرى. لكنهم رفضوا تأجيري سيارة لأنني في الرابعة والتسعين. ما الحل؟ رغبنا حقاً في مشاهدة معالم فرنسا. لذلك ابتعنا سيارة وتوجهنا في الحال إلى منطقة بروفانس. استغرقت الرحلة يومين. هل أجيد الفرنسية؟ قليلاً. حضرت حصصاً لتعلّم الفرنسية طوال أربع سنوات، مع أنني لم أفهم معظم ما ورد فيها. كنا نملك فكرة عن المكان الذي نقصده. كنا نقود بأنفسنا. استمتعنا كثيراً ولم نصطحب دليلاً سياحي، بل سافرنا وحدنا. بعد سبعة أسابيع، أنهينا الرحلة وبعنا السيارة. ما المميّز في تلك الحادثة؟ أعرف أن جون تكلم عنها علناً. لكن لو كنتِ مكاني، أما كنتِ حذوتِ حذوي؟».

خلال حواري مع روبرتا ذكرتُ أنني قد أصوّت لماكين مع أنني ديمقراطية، فأنا مقرّبة جداً من هيلاري كلينتون وشاركت في جمع التبرعات لحملتها.

ردت بالقول: «أشعر بالأسى تجاه هيلاري، أذلها أوباما. ماذا جنت منه؟ لا أصدّق أن شخصاً فاز بهذا القدر من الأصوات مثلها يُعامل بهذا السوء». لكن عندما حاولتُ تأكيد وجهة نظرها ذاكرةً أن أوباما لم يفِ بالتزامه ويسدد جزءاً كبيراً من ديون حملة هيلاري، سارعت روبرتا إلى القول: «لا! هذه ليست مشكلتي لأنني لم أتبرّع بالمال لحملة هيلاري. أودّ معرفة كيف حصل بيل كلينتون على هذا الكم الهائل من المال مقابل إلقاء الخطابات وغيرها من الصفقات. قيل لي إنه جنى مئة مليون دولار. لا شك في أن ديناً بقيمة عشرة ملايين مبلغ تافه بالمقارنة». استطردت مضيفة: «تقولين إن هيلاري تمدح ولدي. أنا ممتنة لها وأحترمها. أعرف أن هذه هي حال جون أيضاً. لكن ثمة تساؤلات كثيرة حول بيل كلينتون وطريقة جنيه المال... لم ألتقي السيدة كلينتون من قبل. أود طرح عليها بعض الأسئلة. لكن، أساء أوباما معاملتها، وذلك يزعجني كثيراً... لا أظن أن ولدي قد يعامل أحداً بتلك الطريقة لأنني أحسنت تربيته».

ناقشت مع روبرتا الفارق بين ابنها وأوباما الذي يحتل الطليعة وأخبرتها أنني ديمقراطية وكنت طوال سنوات من أبرز جامعي التبرعات للحزب الديمقراطي. غير أن هذه ستكون المرة الأولى التي أصوّت فيها لجمهوري. أعرف ماكين شخصياً... قالت لي: «نعم، نودّ أن تصوّتي لجون. نحتاج إلى كل صوت من أصوات أصدقائنا». قلت لها إن بعض أصدقائنا المشتركين أوحى لي أنها لم تَسْعَد كثيراً بترشّح ولدها للرئاسة. أردفت: «أكره المقابلات، فهي لا تشعرني بالرضى... أعرف جيداً مَن تكونين... أعتقد أن الجميع يجب أن يصوّتوا لجون لا لأنه ابني... إذا عبّر الديمقراطيون الذين سيصوّتون لجمهوري مثلكِ عن رأيهم علانية، أعتقد أنهم سيحفّزون عدداً أكبر من الناس. نحن نتكلم عن مستقبل الولايات المتحدة وعن مرحلة بالغة الأهمية في الولايات المتحدة، ووحده ابني جون يملك المعرفة والمصداقية الضروريتين لتصحيح هذا الوضع».

يبدو أنها منهمكة جداً في حملة ابنها، أليس كذلك؟

أجابت: «أحاول قدر الإمكان ألا أتدخل في حياة جوني، فهو يعرف ما عليه فعله. أحبه، وهو يحبني أيضاً. وهذا هو المهم. لا أشارك في حملته. لكنني أؤكد لك أن جوني هو الحل لمشاكل الولايات المتحدة. فلا المال هدفه ولا الشهرة. يريد خدمة وطنه فحسب. يشبه جوني والده إلى حد كبير. فهو لا يحمل ضغينة في قلبه... يتحلى جوني بهذه الميزة لأن مهمته الوحيدة هي خدمة الولايات المتحدة».