تعرف الروائية توني موريسون حيلةً صغيرة تستطيع من خلالها الحكم على الشخصيات. وقد طبّقتها على لاعب الغولف تايغر وودز، ولوحة الموناليزا وحتى على رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما.

Ad

تقول الروائية عن الرئيس المقبل الذي صوّتت له في يناير 2008: «أتعلم، لديه ابتسامة مشرقة، لا بل ساحرة». من ثم ترفع يدها حتى مستوى الفم لتظهر لنا كيف تكشف آثار تلك الابتسامة التي تصلح للظهور على شاشة التلفزيون. تتابع: «أجرّب ذلك دائماً. أُنظر إلى عينيه فحسب».

ماذا بشأن الموناليزا التي تأمّلتها موريسون في متحف اللوفر؟ توضح الروائية: «يتحدث الجميع عن ابتسامتها الغامضة. توجهت إلى هناك وقمت بما أفعله الآن» - ترفع يدها - «ومن ثم قفزت فعلاً إلى الوراء». تضيف بصوت منخفض: «لا يوجد سوى الشر فيها: الشر المطلق».

تجلس الأميركية الفائزة بجائزة «نوبل» في الأدب على طاولة المطبخ في شقتها في منهاتن، حيث ينعكس نور السماء بلون فضي على شعرها الأبيض والمتجعّد. تتحدث معظم الوقت عن روايتها الأخيرة بعنوان AIMercy، واسم أوباما لا يبارح شفتيها.

ماذا قالت موريسون إذن عن عينيّ الرئيس غير المبتسمتين؟ «إنهما صلبتان». وهو أمر جيد، بحسب اعتقادها، نظراً إلى هذه «الفترات الحرجة» التي نمر بها.

إنها أوقات حرجة فعلاً، لكن كتاب موريسون الجديد يتحدث عن الولايات المتحدة الرائعة كما هي اليوم على الأقل، مشكلاً بذلك دعامةً محفّزة للتفكير في العصر الذي نوشك على اجتياز عتبته. يشار إلى أن أحداثه تدور في القرن السابع عشر، أي قبل أن تصبح العبودية القائمة على الأعراق مؤسسة أميركية مركزية بهذا القدر.

توضح الروائية في هذا السياق: «بالنسبة إلي، لم تدر أحداث قصة A Mercy قبل عصر العبودية». وعلى الرغم من أنها غير مستعدة لتسمية المرحلة الراهنة التي نعيشها مرحلة ما بعد العبودية، تعد «بشيء آخر ومختلف، بوجهة نظر جديدة».

تستهل موريسون روايتها عادة بسؤال يدور في فكرها. ماذا كان السؤال في هذا الكتاب؟ يأتي ردها سريعاً: «كيف سيكون شعورك لو أنك فتاة صغيرة سوداء مستعبَدة في وقت لم تكن فيه العبودية مرتبطةً بالعنصرية؟».

كان مفهوم السكان المقيّدين- سواء سمّيوا عبيداً، فلاحين، أو غيرهم- شائعاً، على حدّ قول موريسون. على الرغم من وجود عبيد أفارقة في أميركا الشمالية في العام 1690، عجّت القارة أيضاً بخدم بيض كانوا يوقّعون عقوداً لسنوات من العبودية في مقابل تأمين النقل والحاجات الضرورية لهم. علاوةً على ذلك، في الأيام التي سبقت إقرار القوانين التي تميّز بوضوح بين الأعراق، «كان الخدم الذين يعملون بموجب عقود والعبيد السود، والبيض الأحرار، والسود الأحرار يعملون في تلك الأراضي الزراعية معاً».

كيف كانت إذن بداية هذه القصة؟ توضح موريسون: «أستهل القصة بهذه الفتاة الفقيرة التي تقوم برحلة بمفردها. في القصص يقوم الرجال برحلات عادة، فيما تلازم النساء المنزل. أردتها أن تذهب إلى مكان ما وتعرّض نفسها للخطر».

فلورنس فتاة في السادسة عشرة، تعيش في إحدى المزارع في نيويورك. تعاني عوزاً لأن والدتها تخلت عنها. رحلتها بمثابة بعثة إنقاذ- لأن السيدة التي تعمل لديها مريضة وتطلب منها تعقّب رجل قد يساعدها- لكن الأمر شخصي أيضاً بما أن فلورنس تحب الرجل الذي تسعى وراءه إنما بلا جدوى.

تقول الفتاة له: «أنت الوحيد الذي يملكني». لم تتعلّم بعد البحث في داخلها عما أسمته موريسون «الحبيب، ذلك الجزء من الذات الذي يختبئ في داخلك ويحبك ويحضر لمساندتك دوماً».

كيف سيشعر المرء لو كان مكان فلورنس؟ تكشف موريسون عن إجابتها عبر التحدث عن الشخصيات: بدايةً يظهر جايكوب فارك، مالك فلورنس، الذي قبلها من سيّد يسيء معاملتها كدفعة من دين. وجدت موريسون اسم فارك على لائحة ركّاب إحدى السفن وأعجبها. بعد ذلك، تستدعي موريسون زوجة فارك، ريبيكا، التي لم يكن أمامها فرصة في إنكلترا سوى أن تكون «خادمة، فتاة هوى، أو زوجة»، والتي ظنّت بأنها ستجد السعادة بسفرها إلى الولايات المتحدة للزواج من رجل لا تعرفه.

أما شخصية لينا، وهي امرأة أميركية شابة من السكان الأصليين، فقد استوقفت موريسون. تقول الكاتبة: «يا إلهي! عليّ الآن أن أحيط علماً بكل شيء عن هذه القبائل». لكنها سرعان ما أدركت أنها لن تفعل، لأن أفراد قبيلة لينا لقوا حتفهم جميعاً بسبب مرض.

لاحقاً، تدخل في القصة فتاة غامضة تنتمي إلى أعراق مختلفة وتدعى سورو. ومن ثم يليها ويلارد وسكالي، وهما خادمان من ذوي البشرة البيضاء. تعقّب موريسون: «شعرت برضى تام معهما»، لأنها أحبّت بصيرة سكالي الحادة ولأن الإثنين أوضحا طبيعة الخدمة بموجب عقد.

في الوقت عينه، كانت موريسون بحاجة إلى دخول عوالم شخصياتها. تعرّفت إلى أميركا قبل وصول الأوروبيين في دراسة أجراها ويليام كرونون في العام 1983 بعنوانChanges in the Land. فاطلعت على «مدى طول الأشجار، وأشكال السمك والطقس والذباب آنذاك». كذلك، ساعدها كتاب إيميلي كوكايني الأخير بعنوان Hubbub: Filth, Noise and Stench in England 1600-1770 على فهم أسباب مجيء الأوروبيين.

أضف إلى ذلك الأسئلة حول الأعراق والعبودية، البحث عن الذات الحقيقية، المصادفات مع العالم الجديد والتي ترسم المسارات الحياتية. ذلك كله يغني روايةً استقطبت ردود فعل إيجابية.

يبدو أنه ما من سنّ يتقاعد عنده الكتّاب. تفكر موريسون (77 عاماً) في كتابة روايتين أخريين، إحداهما تدور أحداثها في خمسينات القرن العشرين والأخرى في الزمن الحاضر. تشير في هذا الصدد: «أنا أتحسن». لكن ما معنى ذلك؟ ترد موريسون: «أصل إلى ما أبتغيه بشكل أسرع، من دون أن أضطر إلى الكتابة بأسلوب رديء».

تحدث أوباما عن أسلوب كتابة موريسون عندما دعاها لطلب تأييدها. على حدّ قولها، تأثرَت هذه الكاتبة بسيرة رئيس الولايات المتحدة الذاتية بعنوان Dreams From My Father الغنية بالمشاهد والحوارات والتأمّلات، وليس الكلام الفارغ المعتاد. وهكذا، تحدّثا عن الكتابة وقالت له: «ثمة ارتباط بيننا في هذا المجال، لكن سياسياً، لا أدري».

أبدت موريسون إعجابها بهيلاري كلينتون لسنوات، وقد أيدتها في الانتخابات الرئاسية أخيراً: «هذا ما أتجرأ فعلاً على تسميته بالخطوة الحكيمة». إنها أوقات مثيرة للاهتمام وموريسون لا تنفك عن التفكير بها. تتابع قولها بهدوء: «ليت جيمي بولدين موجود معنا اليوم. ثمة أشخاص كثر أرغب في أن يكونوا معنا».

كيف كان سيأتي رد فعل صديقها الراحل على عصر أوباما؟ تزداد هدوءاً، وكأنها تعلم أنها ستطلِق ضحكةً مريرة وحلوة في آن. وتقول: «أظنه كان ليغرم به إلى حد كبير».