تحمل الشاعرة العراقية سمرقند الجابري حب الوطن... تكتب بألم لذيذ عن جراحه، وتنظر بعين المتفائل إلى المستقبل الواعد. ترى أن المرأة العراقية لم تثبت ذاتها، أدبياً، مؤكدة أن المجتمع لا يزال ينظر إلى الكتابة النسائية على أنها نوع من الترف فحسب. «الجريدة» التقتها على هامش فاعليات دورة مؤسسة «البابطين للإبداع الشعري» وكان الحوار التالي. حدّثينا عن نفسك؟أنا صوت إنساني عراقي واضح مبشِّر بالخير. أكتب الشعر عن الوطن وعن المرأة العراقية وما تحمله من هموم الطفولة ومعاناة الإنسان العراقي تحديداً، إضافة الى كتاباتي عن المرأة العراقية المبدعة أينما حلّت، حتى لو تقوقعت داخل منزلها، تبقى مبدعة.المرأة العراقية بعيدة عن الوسط الأدبي على رغم وفرة الأديبات والشاعرات المبدعات، لماذا؟ للأسف، المرأة العراقية هي التي اختارت البقاء جانباً، ولعل أحد أبرز الأسباب تلك الصراعات في المجتمع الأدبي العراقي، سواء المخفي منها أو الظاهر، التي تتخذ أشكالاً كثيرة لإزعاج المرأة ومشاكستها ومحاربة وجودها في الساحة الأدبية، بالإضافة الى صعوبة تفهّم عائلتها أهمية دورها، فكثيرون، للأسف، يعتقدون أن الأدب نوع من الترف والرفاهية، ناهيك عن مفاهيم القرية التي بدأت تزحف الى المدينة وتسيطر على مظاهر الحياة الثقافية، على النقيض من فترة الستينات حينما كانت بغداد وغيرها من المحافظات مثل البصرة تشهد تظاهرة نسوية كبيرة. تراجع دور المرأة الأديبة كثيراً الآن لأسباب أبرزها: مدّعو الثقافة الذين يظهرون أكثر مما يفعلون، المرأة نفسها لم تعد تملك تلك العزيمة والإرادة للوصول وإثبات الذات كنوع من التحدّي، وتنصرف الى انشغالاتها المنزلية أكثر من اهتمامها بأدبها وثقافتها، وإن كانت الكاتبة أو الأديبة مرتبطة برجل فلا يقبل بوجودها في الساحة الأدبية، وأذكر مثلاً من واقع تجربة شخصية: قبل فترة كرمتني مؤسسة «أور» للثقافة الحرة، وسمعت أحد الحضور يلقي كلمة صريحة جاء فيها: «لماذا هذا الاحتفاء كله بسمر قند»، توقعت أن يرد عليه أحد الحضور، لكن للأسف ساد الصمت القاعة، وعندما صعدت المنصة واستلمت جائزتي سألته ووجهت سؤالي للحضور قائلة: «من منكم قبل أن تكون لأخته قصيدة أو مشاركة أدبية؟ ومن منكم يعتقد أن المرأة لا تشعر بالأدب أو تتذوقه أو تكتبه؟ ومن منكم يستطيع أن يدعو معه زميلة له لحضور احتفاء بزميلة أخرى»؟ في المحصلة الرجل مقصر في ذلك تماماً، لكن المرأة مسؤولة ومقصّرة في حق نفسها قبل الرجل، وأعتقد أن نشر كتاباتها عبر الإنترنت ليس كافياً، فالوجود الواقعي أهم بكثير.هل في بغداد أسماء نسوية أكثر مقارنةً بالمحافظات الأخرى؟صحيح، لكن محافظات أخرى كالبصرة والعمارة والنجف والموصل ضمت أسماء نسائية عراقية سجلت اسمها بحروف من نور، وعلى رغم التشدد والتزمّت في فترة الحكم الصدّامي، كن رائدات في مجال العمل الأدبي والنسوي أيضاً، لذا فالمرأة اليوم هي التي لا تعطي نفسها الأهمية اللازمة، لذا عليها الآن استغلال المساحة البسيطة من الحرية، لكن لا تنتظر من الرجل مساندتها.كيف تنظرين إلى الساحة الثقافية العراقية اليوم؟تبشّر بالخير، على رغم الأغصان الزائدة، فالجذع يبقى متيناً وقوياً ومستعداً للربيع دائماً. لكن للأسف، الجيل السابق من الأدباء لا يرضى بالتحديث ولا يجد شيئاً في الشباب سوى أنه يشكّل نقطة ضوء تصرف الأنظار عنه.التكاتف بين الأدباء الشباب رائع، لذلك نلاحظ أن الشاعر يروّج لنتاجه الأدبي عن طريق الاعتماد على نفسه فحسب، ونجد بعض المؤسسات الوطنية العراقية مثل شركات الهواتف ومنظمات المجتمع المدني وبعض شيوخ العشائر يحتضن نتاج هؤلاء الشعراء، و ألمس ذلك جيداً خلال حضوري مؤتمرات وندوات أدبية في محافظات كثيرة، فأعود الى بغداد محمّلة بكتيبات تشبه «الجنابد» التي تنتظر أن تنمو أوراقها على رغم الشتاء القارص، فتقبل التحدي وتصرّ على أنها وردة.قلتِ إن مؤسسات كثيرة تحتضن النتاج الثقافي الأدبي العراقي، لكنكِ لم تذكري وزارة الثقافة، أين هي؟الحديث عن وزارة الثقافة شائك، ولعل للاتحاد العام لأدباء العراق في بغداد والمحافظات إشكالية كبيرة معها، لكن هل ننظر الى المشكلة فحسب أم نبحث عن الحل؟ يفرض الواقع علينا كأدباء العمل بدلاً من إضاعة الوقت في أوهام لن ننتهي منها، فالمسؤولون في وزارة الثقافة موظفون وليسوا أدباء، وبالتالي يعملون من منطلق أرقام، وليس من باب استكمال مسيرة الأدب في العراق، فهم لا يعون ذلك أبداً، فيما يحتفي بعض الدول العربية بالشاعر العراقي ويكرّمه، لذا لن ننتظر وزارة ولن نتعلّق بشهاب، فيما تنظر الشمس إلينا.من خلال حضورك فاعليات أدبية خارج حدود وطنك، كيف تنظرين إلى وجود الأديب والمثقّف والشاعر العراقي هناك؟في الوطن جرح عميق، وخارجه جرح أعمق لا يلتئم، بل ينزف الدماء دائماً ومعها أيضاً الإبداع المتأصّل داخل المبدع العراقي يحمله معه كبصمة يده أينما ذهب، لأنه مؤمن تماماً بأن المجد ليس للشاعر بل للقصيدة.يشعر المثقف العراقي بمسؤوليته أينما ذهب، لذلك هو مأزوم لا يرتاح أبداً ولا يتنصّل من العراق بل يفرح عندما يتألم له لأنه بذلك يؤكد عظمة وطنه.
توابل - ثقافات
سمرقند الجابري: المثقّف العراقي يحمل إبداعه كبصمة يده!
24-11-2008